تستمر حملات التطبيل للنظام بكل بجاحة، وكذلك حملات الكذب والتبرير والتلفيق والتزوير، بل وحتى التهديد، ليس هناك أرخص من شخص يستغل كوارث الغير وآلامهم كي يعلن أنه أفضل منهم، حتى وإن كان يلعق الخراء، وكي يهدد الشعب بأن لولاه ما صمدوا، لولاه لآل مصيرهم إلى ما آلت إليه سوريا اليوم، لولا تكرم سيادته لمات الناس في بلاده أجمعين.
السيسي يهدد الشعب بأن لولاه ما صمدوا، ولولاه لآل مصيرهم إلى ما آلت إليه سوريا
هذه هي رؤية النظام للوضع الحالي، وبناءً على هذه الرؤية المختلّة يتعاملون بكل استعلاء واستهجان مع المعارضين، هذا الرؤية المختلة هي من قامت بتعليق صورة على بوابات محافظة الإسكندرية تنقسم إلى مشهدين، أحدهما من مصر والآخر من سوريا، المشهد الأول من حفل افتتاح قناة السويس الجديدة لطفل مصري مريض بالسرطان يُدعى عمر صلاح، يحمل علم مصر ويصطحبه عبد الفتاح السيسي بالبدلة العسكرية، وكُتب على الصورة "طفل معه جيشه"، أما المشهد الآخر كان من نصيب الطفل السوري الذي وُجد غارقًا على الشاطئ التركي وهزت صورته العالم، وكتب عليها "طفل فقد جيشه".
هذه الرؤية المختلّة تقوم بتهديد الشعب، وتبعث له رسالة واضحة المعنى بأنه نحن الدرع الأخير الذي تحتمون به فإن رفضتم فسنترككم للموت، وكأنهم لا يعرفون أن مهمتهم هي الحرب وحماية البلاد وحماية هذا الشعب وليس المن والإحسان عليه بحمايته، لا فضل لأحد على هذا الشعب، كما قال تميم البرغوثي "منصورة يا مصر مش بجميلة العسكر، احنا اللي روّحنا بدري بس مش أكتر". هذه الصورة تلخص الفكر الذي نحن بصدده ونتعامل معه، يرى أنه المهدي المنتظر لهذه البلاد، ويتبنى فكر الشماتة في الغير بدلًا من تقديم يد العون، فيقولون كونوا معنا وإلا سيصبح مصيركم كهذا الطفل السوري الضحية.
يا من قمت بوضع هذا الإعلان الوضيع الذي يحوي مقارنة رخيصة بين "طفل معه جيشه وطفل فقد جيشه"، ألا تدري أن عدد أطفال الشوارع في مصر كما أعلنت اليونيسِف نحو مليونين، كل هؤلاء الأطفال معهم جيشهم ولكنهم بلا منزل ولا مأوى؟ ألا تدري بتصريح وزير الصحة السابق عادل عدوي بأن عدد المدمنين في مصر نحو الثلاثة ملايين مدمن، بينما صرح مدير وحدة إدمان مستشفى العباسية لجريدة اليوم السابع، بأن هناك ستة ملايين مدمن في مصر؟ وأن سن التعاطي انخفض إلى أحد عشر عامًا، وأن هناك أطفال لما يتجاوزوا العشر سنوات يدمنون "الترمادول"؟ ألا تدري أن مصر تتربع على عرش المصابين بالسرطان؟ ألا تدري بوجود مائة ألف حالة سرطان جديدة سنويًا، تبلغ نسبة الأطفال فيها 8% طبقًا لتصريحات وزير الصحة السابق عادل عدوي؟
ملايين الأطفال معهم جيشهم ولكنهم يحتمون بالجدران في برد الشتاء، آلاف الأطفال يصابون بالسرطان سنويًا وبدلًا من تقديم يد المساعدة لمستشفى السرطان، نجد مشروعات وهمية ونوادي خاصة لرجال القوات المسلحة ورفع للمعاشات والأجور، بينما تتسول مستشفى السرطان الأموال من الشعب المسكين.
سيدي الرئيس لقد اصطحبت أحد هؤلاء الأطفال المصابين بالسرطان في حفل افتتاح قناة السويس ولكن هناك الآلاف غيره والآلاف الذين يصابون بالمرض سنويًا، صدقني كل هؤلاء الأطفال من مرضى ومدمنين وأطفال شوارع وعشوائيات، معهم جيشهم ولكنهم لا يعرفونه، حتى هذا الطفل عمر الذي اصطحبته معك، هناك الكثير مثله يلعنون كل شيء في الحياة، هناك طفل فقد جيشه وفقد حياته كريمًا، وهناك طفل معه جيشه وفقد كرامته حيًا، وهناك طفل لعن جيشه وكفر بالحياة.
اقرأ/ي أيضًا: