ليست الحرب الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها حرب مفصلية حتمًا، بكل ما قدمته خلال زمن قياسي وجيز لا يتجاوز الساعات.
لن نتناول تفاصيل بدء العملية أو التكتيكات التي اتبعتها المقاومة الفلسطينية خلال التنفيذ، لأن العالم كله كان مشغولًا ومتفاجئًا من تطور عمل المقاومة وتطويرها لطرائق هجومها.
المشاهد التي صدرت للعالم ستبقى عالقة في الذهن طويلًا، وبرهانًا قويًّا أن التحضير المتأني يمكن أن يحقق المعجزات.
معركة طوفان الأقصى، كما أُطلق عليها من قبل المقاومة، باغتت العدو الصهيوني وأربكته، وبدون أدنى شك سيكون لها نتائج على عدة مستويات محلية وعربية وعالمية.
على المستوى المحلي، أعادت المعركة في ساعاتها الأولى للذاكرة الفلسطينية زمن المقاومة الأولى وطزاجة الفعل الثوري المقاوم الهادف، غير المهادن وغير العابئ بالشروط الصهيونية التقليدية، التي تتمثل في فرض زمن المعركة ومكانها واعتباراتها الأخلاقية.
في انسجام مذهل بين الفعل العسكري المباغت وبين الدعم المعنوي والمادي المدني، نحن إذًا أمام قرار استراتيجي محوري واع، ولسنا أمام ارتجال عبثي
في انسجام مذهل بين الفعل العسكري المباغت على عدة جبهات وبين الدعم المعنوي والمادي المدني الموافق على تلك المعركة بغض النظر عن تكلفتها النهائية؛ نحن إذًا أمام قرار استراتيجي محوري واع، ولسنا أمام ارتجال عبثي.
المعركة ستكون مرهقة ومكلفة وهذا لا يخفى على أحد، لكنها معركة مصيرية لم يعد هنالك بد من خوضها، فلتكن إذا بقرار فلسطيني لا بقرار إسرائيلي.
ومن ناحية ثانية، فالمعركة ستلقي بظلالها على وجدان الإسرائيليين بعد أن تمرغت أساطيرهم بالتراب على مرأى من العالم أجمع، وثبت فشلهم الاستخباراتي والأمني فشلًا ذريعًا وأضحى عاجزًا خلال ساعات عن تدارك الحلول.
الأمن الإسرائيلي ضرب في قلبه ضربة لن يشفى منها ولهذا تداعياته على حركة الاستيطان ونهج الاحتلال الفوضوي المستفز في خلق البؤر السكنية هنا وهناك، بل وحتى التعامل مع المقدسات العربية في عموم فلسطين.
أما على المستوى العربي اللاهث وراء استرضاء الكيان الصهيوني ومحاباته ومجاراة أهوائه وفتح السفارات وتبادلها، فقد حققت المعركة في لحظة انطلاقها صدمة قاسية لرواد التطبيع، مذكرةً الجميع بأن السلام العادل والشامل مع كيان مغتصب للأرض وحقوق السكان الفلسطينيين لا يمكن أن يتحقق بشروط استسلامية مذلة، وتجاهل تام لشعب انتهكت مصالحه خلال سنوات طويلة من عمر الكيان الصهيوني، الأمر سيحرج الأنظمة المهرولة لمصافحة الصهاينة أمام شعوبهم وأمام الضمير العربي، وسيعرقل تلك الخطوات الاستسهالية حتمًا.
على المستوى العالمي، حركت العملية قلقًا أمريكيًّا شديدًا تجاه ما قد يحدث فيما لو اتسع نطاق المواجهة واستمر وطال لأجل غير محسوم، فالتداعيات العسكرية لا يمكن حسابها بدقة في ظل تدهور الأوضاع الداخلية الاسرائيلية، وتأجج الصراع الداخلي السوري المحتدم المستمر منذ أكثر من عشر سنوات ضد النظام السوري، وتواجد العنصر الإيراني على الجبهات الشمالية بذراعه اللبناني المتمثل بحزب الله.
تدرك أمريكا حجم الأمر وهي الطامحة لتهدئة السعار في الشرق الأوسط، في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم التوصل حتى الآن لحلول ناجعة بخصوص الملف النووي الإيراني، وتمدد الروس والصين في عدة دول من الدول الإفريقية.
سبق الحرب بعد أيام تصريحات لا يمكن إهمالها لزعيم ميليشيا حزب الله حسن نصر الله، الذي هدد علنا بإفلات حركة كبيرة للنازحين السوريين عبر البحر لأوروبا، محملًا مسؤولية نزوحهم للولايات المتحدة الأمريكية.
إذًا فإن توقيت عملية طوفان الأقصى هو توقيت ذروة، توقيت مفصلي دن أدنى شك.
وكما حملت أحداث التاسع من أيلول وضرب البرجين في أمريكا نتائج لحظية، فإن هذه الحرب حملت في لحظة ولادتها نتائجها؛ ما قبل ليس كما بعد بالنسبة لجميع الأطراف، وبالنسبة للمنطقة بأسرها، والاحتمالات مفتوحة على أوسع أبوابها.