تتفق معظم الشهادات على أن طيب تيزيني مثقف منسجم مع ذاته حيث أظهر على امتداد مشواره الأكاديمي تطابقًا واضحًا بين سلوكاته الحياتية وسلوكاته العلمية، وهو أمر يأخذ حصة الأسد أثناء أي نقاش يخص سير وحيوات المثقفين.
هناك ربط واضح في أعمال طيب تيزيني بين نقد الثقافة ونقد السياسة
ويمكن أن نستدل على ذلك ببعض المعطيات التي انجرت عن مجريات الواقع السوري، إذ أفرز الواقع صنفًا من المثقفين السوريين ذوي رغبة في الاستعداد للتبعية والمشاركة في هذه المرحلة معتبرين استقلاليتهم غير أصيلة وغير منتجة، مقابل صنف ملتزم كطيب تيزيني جلال العظم... أبدى رفضه القطعي لكل بناء قبلي استتباعي حرصًا منهم على تجنب المشاركة في الفساد العام والخاص، منسجمين في ذلك مع تفكيرهم وبحوثهم العلمية الأصيلة التي تسعى إلى تجاوز التأخر التاريخي وبناء ثقافة جديدة ومجتمع جديد تتسع دائرته لاحتضان الفكر العقلاني النقدي.
هناك ربط واضح في أعمال طيب تيزيني بين نقد الثقافة ونقد السياسة، إذ كشف في معظم أعماله عن نقط التقاطع بين الفكر الديني والأنظمة السياسية والمصالح الاقتصادية، الشيء الذي دفع الدولة الأسدية إلى انتهاج سياسة إقصائية منظمة تخفف من حدة نقد طيب تيزيني وأمثاله، وذلك بإبعادهم عن الفضاء العام إثر وعي النظام الأسدي بمعادلة أساسية: "لا مثقف عام دون فضاء عام".
أما فيما يخص موقفه من الأحداث التي تجري في بلده فقد أوضح طيب تيزيني في عديد من المناسبات آخرها ذلك اللقاء الذي نظمه مختبر الفلسفة والشأن العام في كلية بن مسيك بالدار البيضاء المغرب، أن القتال الوحشي القائم هو كسر لإرادة السوريين، كسر بالمعنى الحرفي لبنية غير قابلة للاختراق، فالوطن وطن واحد رغم تنامي الشعارات الطائفية وإعلانات التقسيم والانشطار، وما زاد في احتقان الوضع هو دخول أطراف خارجية أعادت القتل الذي بدأ يتضاءل قليلًا، وذلك حتى تبقى معركة الدم مستمرة. فالخراب وصل إلى حده الأقصى ولا بديل أمامه إلا الاستمرار بصيغة أخرى أكثر وحشية أو نفيه تمامًا.
إن النظام السوري القاتل، يؤكد طيب تيزيني، جزء من الواقع، وهذا النظام يعبر عن مجموعات متعددة مشت بطريقة أو بأخرى في هذه السكة الخطيرة، ولا يمكن لهذه العملية القصوى من التدمير إلا أن تحدث شرخًا في محيط نظام قاتل أدرك أن الموت هو البديل الوحيد بعد أن غابت كل الوسائل. قد تكون هذه التخوم الأخيرة من المعركة درسًا له حتى يعود إلى صوابه الوطني الاجتماعي التقدمي.
كما أكد طيب تيزيني أنه ثمة طريقان جاثمان على سورية والوطن العربي طريق المستقبل وطريق يعيدنا قصدًا وطواعية إلى الماضي، لهذا تدمر سورية باسم إعادة الإنسان إلى الماضي. انطلاقًا من هذا الإغراق المدمر في عودة الإنسان إلى الماضي. يعيد طيب تيزيني النظر في مشروع أبحاثه قصد العثور على حل فكري منهجي، من هنا تكشف الأحداث القاسية التي تشهدها سورية والوطن العربي مسألة رئيسية وهي: التطور المذهل لحرفة القتل، فالعالم لا ينفك يشارك بوعي أو بدون وعي في تحطيم ما تأسّس على مئات القرون من مكتسبات إنسانية.
تعاني كل من روسيا وإيران، حسب طيب تيزيني، من أزمات عميقة، وليس في وسعهما إنقاذ نظام بشار الأسد
تدخّلت إيران في سورية منذ اندلاع الثورة الشعبية في آذار/ مارس 2011. وكان تدخلها بشكل غير مباشر في البداية قبل أن يصبح هذا التدخل مكشوفًا، خصوصًا بعد مقتل جنرالات من الحرس الثوري دفاعًا عن النظام الاستبدادي الذي ورثه بشّار الأسد عن والده. هذا النظام الذي تحوّل، مع الوقت، إلى نظام عائلي مرتبط مباشرة بإيران أكثر من أي شيء آخر، كما شهدت الأزمة السورية تدخل روسيا بعد أن فشلت إيران في إنقاذ بشار الأسد. كيف لدولتين مأزومتين مثل روسيا وإيران أن تساعدا مريضًا لا يختلف عنهما إلا في الدرجة؟
تعاني كل من روسيا وإيران حسب طيب تيزيني من أزمات عميقة. ومن ثمة ليس في وسعهما إنقاذ نظام بشار الأسد، ذلك أن هذا النظام غير قابل للإنقاذ مهما توسعت دائرة التواطؤ الأمريكي الإيراني، وهو تواطؤ غدا ظاهرًا للعيان بعد مراهنة باراك أوباما على توقيع الملفّ النووي الإيراني. في الواقع، كان لقاء فيينا المخصّص لسورية الذي جمع سبعة عشر وزيرًا للخارجية، بمن في ذلك الوزير الإيراني محمد جواد ظريف مليئًا بالدلالات. وكان الدليل الأوّل على أهمّية اللقاء غياب النظام السوري عنه. حضرت إيران وغاب النظام السوري. وهذا يؤكد أن مستقبل سورية يُبحث في معزل عن النظام الذي جلس رئيسه، قبل فترة قصيرة، أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كعبد أمام جلاده. ويمكننا أن نستحضر مؤشرًا آخر عقب حضور إيران في لقاء فيينا والمتمثل في سعي إيران إلى أن تكون طرفًا محوريًا في إنهاء أزمة سورية دون أن يمس ذلك بمصالحها الخبيثة. لم تشارك إيران إذن في مؤتمر فيينا إلا بعد إدراكها أن الأزمة السورية أصبحت في جيب روسيا. كما أن التدخل العسكري الروسي في سورية لم يأتِ إلا بعد أن أدركت إيران أنّها عاجزة عن إيقاف بشّار الأسد على رجليه.
ما تقوم به روسيا في سورية، يقول طيب تيزيني، لا يعدو أن يكون استغلالًا لغياب الولايات المتحدة الأمريكية. إذ لا تتوفر واشنطن على إدارة تمتلك القدرة على القول إن الحرب الباردة انتهت وأنه لا فائدة من التدخل الروسي في سورية، لا لشيء سوى أن مثل هذا التدخّل يحتاج إلى إمكانات ليست في حوزة ذلك الطرف الذي أرسل طائرات وقوات وأسلحة إلى منطقة الساحل السوري.
اقرأ/ي أيضًا: