نجحت جنوب إفريقيا في تسليط الضوء على المأساة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ووجهت اتهامًا للاحتلال الإسرائيلي بارتكاب "أعمال إبادة جماعية" عبر دعوى رفعتها أمام محكمة العدل الدولية نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وكان جيش الاحتلال قد بدأ بشن حرب الإبادة الجماعية في غزة، قبل أن تمتد إلى أراضي الضفة الغربية المحتلة على إثر تنفيذ حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بالاشتراك مع فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة عملية "طوفان الأقصى" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، فضلًا عن اعتقال آلاف الفلسطينيين.
الاحتلال حول غزة إلى سجن كبير
حول الاحتلال الإسرائيل قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم بفرضه حصار خانق على القطاع منذ 18 عامًا، وأجبر عدوانه المتواصل نحو مليونين من مواطني القطاع، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد ومتعمد في الغذاء والماء والدواء، وفقًا لوكالة "الأناضول" التركية.
بينما يجري الحديث عن مستويات التطرف غير المسبوقة التي وصلت إليها حكومة اليمين الإسرائيلية المتطرفة، يتجاهل كثيرون التركيز على التفاعل الشعبي مع الإبادة الجماعية في غزة
وبينما يجري الحديث عن مستويات التطرف غير المسبوقة التي وصلت إليها حكومة اليمين الإسرائيلية المتطرفة برئاسة، بنيامين نتنياهو، يتجاهل كثيرون التركيز على التفاعل الشعبي مع الإبادة الجماعية الجارية في غزة.
وتشير عديد استطلاعات الرأي إلى أن أغلبية الإسرائيليين على اختلاف توجهاتهم السياسية والأيديولوجية يؤيدون الإبادة الجماعية في غزة، لكن الاختلافات الراهنة تتعلق بالمحتجزين الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية في القطاع، تخللها دعوات وقف إطلاق نار مؤقت يؤدي إلى استعادة "إسرائيل" المحتجزين، على أن تعود لاستكمال حرب الإبادة الجماعية في غزة.
تأييد شعبي لجرائم نتنياهو
أدت عملية "طوفان الأقصى" والفشل المخابراتي والعسكري الإسرائيلي إلى انهيار شعبية نتنياهو، لكنه استعادها بمرور الوقت، بل وتفوق على منافسيه بصورة دراماتيكية، حسب استطلاع للرأي بصحيفة "معاريف" العبرية نشر في الـ13 من أيلول/سبتمبر 2024.
وأظهرت نتائج الاستطلاع أن 41 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو الأنسب لرئاسة الحكومة، مقابل 40 بالمئة لزعيم حزب "معسكر الدولة"، بيني غانتس، ووفقًا للاستطلاع فإن حزب غانتس سيحصل على 21 مقعدًا من أصل 120 في الكنيست، مقابل 24 لحزب "الليكود" الحاكم بقيادة نتنياهو، حال إجراء الانتخابات يوم الاستطلاع.
الاستطلاع نفسه توصل إلى أن 47 بالمئة من الإسرائيليين يعتبرون نتنياهو الأنسب لرئاسة الحكومة، مقابل 34 بالمئة لزعيم المعارضة، يائير لابيد، وأظهرت هذه النتائج صعودًا في شعبية نتنياهو، وتأييدًا ضمنيا لاستمرار الإبادة الجماعية في غزة، وذلك مقارنة بنتائج استطلاعات سابقة للرأي، بحسب "الأناضول".
حصيلة حملات الاعتقال من قبل الاحتلال بلغت أكثر من 11 ألف و100 حالة في الضفة والقدس منهم أكثر من 420 من النساء، بحسب نادي الأسير.#عام_على_العدوان
اقرأ أكثر: https://t.co/TJVDhSgrPD pic.twitter.com/Z6m29uFYXP— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 6, 2024
وقال "نادي الأسير الفلسطيني" في بيانين منفصلين، أمس الأحد، إن عدد الفلسطينيين الذين اعتقلهم الاحتلال الإسرائيلي في القطاع بلغ "1618 ممن صنفتهم (بالمقاتلين غير شرعيين)، إلا أنه وبحسب متابعتنا فإن أعداد معتقلين غزة تقدر بالآلاف"، وأضاف في بيان آخر أنه "بلغت حصيلة حملات الاعتقال أكثر من 11 ألف و100 حالة اعتقال في الضفة بما فيها القدس"، من بينهم أكثر من 420 امرأة، وما لا يقل عن 720 طفلًا.
ووصلت مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة إلى طريق مسدود، بعد إضافة نتنياهيو أربعة شروط إلى مقترح الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي وافقت عليه حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في حزيران/يونيو الماضي، بما في ذلك استمرار السيطرة على محوري "فيلادلفيا" الحدودي مع مصر، و"نتساريم" الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه.
إقرار بالإبادة
وضمن سياق الإقرار بالإبادة الجماعية، عنون الكاتب، جدعون ليفي، مقاله المنشور في صحيفة "هآرتس" العبرية في الـ14 من كانون الثاني/يناير الماضي، بتساؤل استنكاري يقول: "إذا لم تكن هذه إبادة جماعية.. فما هي؟"، وأضاف منتقدًا التناقض في "إسرائيل" بين الأقوال والأفعال خلال مسار الدعوى المرفوعة من جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.
وأضاف ليفي أن ما "يجري في غزة من قتل جماعي دون تمييز وضبط للنفس، وبشكل لا يمكن تصوره"، مؤكدًا أنها "إبادة جماعية لا يمكن تغييرها بتعريف قانوني"، معتبرًا أن "إسرائيل ستتنفس الصعداء إذا أسقطت المحكمة الدولية التهمة عنها، وكأن ضميرنا سيكون نظيفًا إذا قالت لاهاي إن هذه لم تكن إبادة جماعية، وسنكون الأكثر أخلاقية في هذا العالم!".
من جانبه، تحدث، بي ميخال، في مقال نشر في "هآرتس" في الـ14 من كانون الثاني/يناير الماضي، بعد جلسة لمحكمة العدل الدولية، عن "المستوى الهائل لكذب فريق الدفاع الإسرائيلي أمام المحكمة"، وأضاف مستنكرًا "لو أوصلنا جهاز كشف الكذب بمحامينا في لاهاي لانهارت شبكة الكهرباء"، في إشارة للسخرية من مزاعم فريق الدفاع الإسرائيلي.
يمثّل الركام الذي خلّفه القصف الإسرائيلي على #غزة تهديدًا صحيًا طويل الأمد لأهالي القطاع المنكوب.
اقرأ أكثر: https://t.co/ioY98T931h pic.twitter.com/76fCw86qjN— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 6, 2024
وقبل الجلسة، قال، جيرمي شارون، عبر مقال نشر في موقع "تايمز أوف إسرائيل" في العاشر من كانون الثاني/يناير، إن "إسرائيل" ستجد نفسها في قفص الاتهام بتهمة "الإبادة الجماعية" لسكان غزة، مضيفًا أن "التصريحات التحريضية العديدة التي أدلى بها وزراء إسرائيليون بشأن الفلسطينيين في غزة، مثل (وزير الأمن القومي إيتمار) بن غفير و (ووزير المالية بتسلئيل) سموتريتش عززت موقف جنوب إفريقيا بأن إسرائيل لديها النية لارتكاب إبادة جماعية، وهو جانب حاسم في أي اتهامات بالإبادة الجماعية".
واستندت المحكمة الدولية في دعوتها على تصريحات عنصرية لوزراء إسرائيليين، أبرزها تصريح وزير التراث، عميحاي إلياهو، في الخامس من كانون الثاني/يناير الماضي بشأن إمكانية إلقاء قنبلة نووية على غزة، كما أعرب عن رفضه دخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة، بدعوى أن بلاده لن تنقل المساعدات إلى "النازيين"، على حد زعمه، و"لا يوجد شيء اسمه مدنيون غير متورطين في غزة".
ودفعت تلك الممارسات والتصريحات الإسرائيلية دولًا عديدة إلى تأكيد أن ما يحدث في غزة هو "إبادة جماعية حقيقية"، فقد حذر وزير الحقوق الاجتماعية الإسباني، بابلو بوستندوي، شركات بلاده في "إسرائيل" من "خطر المساهمة في الإبادة الجماعية في فلسطين"، مما أثار استياء السفارة الإسرائيلية في مدريد.
وأكدت صحيفة "هآرتس" نقلًا عن جمعيات حقوقية إسرائيلية في الـ25 من أيلول/سبتمبر الماضي، أن القناة الـ14 العبرية اليمينية المتطرفة دعت إلى إبادة الفلسطينيين في غزة أكثر من 50 مرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بحسب "الأناضول".
إبادة متواصلة
وفي ضوء الأحاديث عن الإبادة الجماعية، أكدت منظمة العفو الدولية "أمنستي" في الخامس من أيلول/سبتمبر الماضي، أن جنود الاحتلال يدمرون منازل ومرافق المدنيين في غزة بشكل غير مبرر، وسلطت الضوء على مقاطع فيديو نشرها جنود الاحتلال على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 أيار/مايو 2024.
📷 عبر مقال مصوّر على صحيفة "الغارديان" البريطانيّة، يستعرض المصوّر الفلسطينيّ علي جاد اللّه في سلسلة من الصّور توثيقات لحرب غزّة من القصف العنيف إلى المجاعة والنزوح المستمرّ في ألبوم مفتوح مع تواصل العدوان على غزّة. pic.twitter.com/CKIT4qI4dV
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 6, 2024
وأظهرت مقاطع الفيديو جنود الاحتلال وهم يتهيؤون لالتقاط الصور أو يرفعون الأنخاب من أجل عائلاتهم أو أصدقائهم الأحياء أو الأموات، احتفالًا بالتدمير بينما تُهدم مباني المدنيين في الخلفية؛ وعادة ما ترد الخارجية الإسرائيلية على اتهامات الإبادة الجماعية بزعم أنها "اتهامات كاذبة يُروجها البعض"، وأن دولًا، بينها جنوب إفريقيا، تعمل على "شيطنة إسرائيل" ونزع الشرعية عنها.
وكانت جنوب إفريقيا قد تقدمت بطلب إلى محكمة العدل الدولية للتحقيق مع "إسرائيل" في انتهاك بعض مواد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المعاقبة عليها، ومع توالي جلسات المحكمة، طالبت جنوب إفريقيا بالتعليق الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، مع ضمان حصول سكان القطاع على الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية.
وفي المقابل، يواصل جيش الاحتلال حرب الإبادة الجماعية بحق المواطنين الفلسطينيين في غزة منذ عام، متجاهلًا أوامر المحكمة الدولية، والمناشدات الدولية الداعية لتقديم مساعدات إنسانية كافية، كما تتحدى "تل أبيب" طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان إصدار، مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.