بعد أربعة مجموعات شعرية، يعود الشاعر العراقي عبد العظيم فنجان بمجموعة شعرية جديدة تحمل عنوان "كمشة فراشات" (منشورات الجمل، 2015). ومن المعروف عن الشاعر عبد العظيم فنجان اشتغاله على نموذج مغاير من النثر الحديث الذي لا يبتعد في بعض نصوصه أحيانًا عن السرد. كما معروفٌ عنهُ أيضًا ولعهُ في الحب والكتابة عنه، محاولًا بذلك ربما الابتعاد قليلًا عمّا يحدثُ في بلاده من فجائع.
في مختلف مجموعاته الشعرية، كانت ثنائية الحب والحرب علامة عبد العظيم فنجان
تحتوي مجموعة عبد العظيم فنجان الجديدة على قسمين. ولا يذهب الشاعر بهما بعيدًا عن مواضيع مجموعاته السابقة، حيث الحب والحرب حاضران دومًا في قصائده. كما أنّهما المولٍّدان الرئيسيان لقصائده.
اقرأ/ي أيضًا: لبيدرو مايرال.. في مديح النقصان
يحمل القسم الأول عنوان "عيد الحواس" ويتألف من 57 نصًا. يبدأها الشاعر عبد العظيم فنجان بقصيدة "حرب"، حيث يقول: "تعالي ننقلُ الحربَ إلى البيتِ/ أرميكِ بوردة/ فينفجرُ، في وجهكِ، الصباحُ". ومن هذه القصيدة، تبدو واضحةً رغبة الشاعر في جمع الحب والحرب معًا. كما يشعر القارئ أنَّ الشاعر وضعَ هذا النص في مقدمة المجموعة كطعمٍ يستدرجهُ بهِ لإكمال قراءة المجموعة.
يُشكِّلُ الحب الجزء الأكبر من القسم الأول للمجموعة. وفي قصيدة "هناكِ شِعر"، يشبِّهُ الشاعر عبد العظيم فنجان حبّه لنوعٍ معين من الشِعر. كما أنَّ القصيدة تبدو كما لو أنَّها نصًّا فلسفيًا. وهذا ما يميز نصوص فنجان. حيث أنَّه، وكما قالَ حسين بن حمزة، يحوّل قصيدة النثر إلى خلاصات تأمّلية وفلسفية. يقول في القصيدة: "هو شِعر لا صفة له/ سوى أنهُ يُربكُ الموصوفَ/ ويتلفُ الصفات/ فيتحوّل المُحبّ إلى مشبوه/ الجَمال إلى فعلٍ صادم/ والطمأنينة إلى يدٍ تهزّ سريرَ القلق/ هو شِعر آخر/ كثيرًا ما يشرقُ/ قليلًا ما يشعّ/ وجميع من تورّطوا به صاروا غرباء!"، وفي النهاية يقول عبد العظيم فنجان: "الحبّ، حبي لكِ، مثله!"
في قصيدة "في وطن منهوب، وحزين" لا يبتعد الشاعر عبد العظيم فنجان كثيرًا عمّا يحدث في بلاده. رغم أنَّ القصيدة بمثابة تبرير يبرر الكاتب من خلالها حبّه. كما أنَّ القارئ يشعر في هذه القصيدة أنَّ الشاعر يتحدث عن نفسه، حيث يقول فيها: "أحبكِ لأهربَ من بشاعتي/ من زوابعي الداخلية/ ومن الحزن الذي يعصف بحقولي كإعصار غاضب/ لأنجو من ثقل وجودي في العالم/ أو من ثقل العالم على وجودي/ ولأمسكِ بالمعرفة/ بالفن الذي يجعل الكون جميلًا"، ويبدو واضحًا تركيز الكاتب على نهايات قصائده، محاولًا ربما إحداث ما يُسمى ضربة شعرية أو حدث شعري. حيث يقول في نهاية هذه القصيدة: "أحبكِ.. آه/ هذا أكثر نور يمكنني غزله/ في وطن منهوب، وحزين".
في القسم الثاني من المجموعة "دروب الخذلان- فنطازيا" يذهب الشاعر بعيدًا عن الحب. ويركز عبد العظيم فنجان به على نفسه ووطنه أيضًا. حيث تبدو قصائد القسم كما لو أنّها اعترافات أو ويوميات يتحدث بها الشاعر عن نفسه وعن وطنه وما يحدث به من فجائع. ويبدو ذلك واضحًا من القصيدة الأولى: "بعد أن فرَّ الحزنُ/ الحزنُ النبيل/ بعد أن فرَّ/ والتحقَ بنا صاعدًا إلى السفينةِ/ رأينا النايَ طافياً فوق مياه الطوفان: رأيناه.. ودموعُ العالم تتدفقُ من ثوبه".
يشتغل عبد العظيم فنجان على شكل مغاير من النثر الشعري المليء بالسرد
في القصيدة الثانية من القسم "وطني" يتحدث عبد العظيم فنجان عن وطنه بشكلٍ مباشر هذه المرّة. وفي القصيدة يُظهرُ الشاعر وطنهُ على أنهُ طفل يهرب مذعورًا على دراجة. وبذلك يبدو أيضًا بوضوح تركيز الشاعر على انتقاء استعاراته بأناقة. "وطني/ على دراجته المثقوبة الإطارين/ يطوف الشوارع مذعورًا/ بحثًا عن ملاذ/ وخلفه يركضُ موكبٌ من اللصوص والمدافع/ بالهاونات وبالمفخخات/ وكلهم يهتفون: يا وطني..! وطني الحزين، وطني الذي جُنّ من الحزن.
اقرأ/ي أيضًا: دنيس جونسون ديفز وذكرياته في الترجمة
في قصيدة "في حانة سيدوري" يشعر القارئ بأنَّ عبد العظيم فنجان هنا منسحبٌ نحو ذاته. وأنَّ القصيدة مشهد بصري حوّلهُ الشاعر إلى نص. "أنا ومصيري/ ذات ليلة/ سكرنا وبكينا/ على أكتاف بعضينا/ حتى الصباح، ثم افترقنا: كلُّ واحد منا أدركِ/ دون أن يقول/ أننا سنلتقي على حافة الهاوية/ التي كانت، عبثًا/ تغيّر مكانها بين كأس وآخر".
اقرأ/ي أيضًا: