01-يونيو-2024
عزمي بشارة

بايدن تعامل مع مبادرة إسرائيلية للتفاوض وقدم لها تفسيراته (التلفزيون العربي)

قال المفكّر العربيّ المدير العامّ للمركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات عزمي بشارة، إنّ تصريحات الرئيس الأميركيّ جو بايدن، الّتي حملت مقترحه بشأن العدوان على غزّة، تعبّر عن "قناعة أميركيّة بضرورة إنهاء الحرب"، مشيرًا إلى أنّ أهمّيّة خطاب بايدن تأتي من ظهور الرئيس الأميركيّ ليقدّم مبادرة إسرائيليّة، لكنّه أضاف لها "تفسيراته ولمساته".

وأشار د. عزمي بشارة في حديث خاصّ للتلفزيون العربيّ، يوم الجمعة، إلى أنّه من المعروف وجود "مبادرة إسرائيليّة، ولكنّ حركة حماس لم تتفاعل معها بجدّيّة، لأنّ طرحها جاء ضمن تكتيك نتنياهو، الّذي يطرح أفكارًا ويتمّ التوصّل إلى اتّفاقيّات بناء عليها من قبل وفد المفاوضات؛ ومن ثمّ التنصّل منها، أو يضع عليها ملاحظات".

وأوضح بشارة، أنّ نتنياهو "الآن لا يستطيع التنصّل من المبادرة"، لكنّ المهمّ "أنّ بايدن يطرح الفكرة الإسرائيليّة، ويضفي عليها تفسيره، وقد لا يعجب نتنياهو هذا التفسير". ولفت بشارة النظر إلى أنّ "طرح بايدن عن وقف الحرب، هي قضيّة ليست مكتوبة في المقترح الإسرائيليّ، أو التشديد على أنّ الانتقال بين مراحل المفاوضات شبه حتميّ أو شبه فوريّ، وإذا لم يحصل اتّفاق في النهاية، فإنّ وقف إطلاق النار يبقى قائمًا".

عزمي بشارة: بايدن وضع لمساته وتفسيراته على ورقة التفاوض الإسرائيلية، مع قناعة أميركية بضرورة إنهاء الحرب، لكن المبكر الحديث عن وجود اتفاق

وشدّد صاحب كتاب "فلسطين: مسائل في الحقيقة والعدل"، على أنّ "إسرائيل الرسميّة لا تتكلّم مثلما يتحدّث بايدن"، موضّحًا الإشارة السابقة إلى أنّ بايدن أخذ المبادرة الإسرائيليّة "ووضع عليها لمسته في طريقة عرضها، وهي ربّما مبادرة لا يجرؤ نتنياهو على طرحها، ممّا دفع بايدن للخروج والحديث عنها، وكان تفسير لها بهذا الشكل هو ثمن خروجه، وما حصل فعليًّا هو أنّ بايدن قال هكذا أفهم المبادرة الإسرائيليّة".

وتابع المفكّر العربيّ عزمي بشارة، متحدّثًا عن موقف المقاومة الفلسطينيّة، الّتي رفضت التعاطي مع المبادرة الإسرائيليّة الأخيرة، الّتي وصلت أوّل أمس، وذلك نتيجة دخول جيش الاحتلال إلى رفح وجباليا، ورفض نتنياهو المبادرة السابقة والتنصّل ممّا تمّ الموافقة عليه. مؤكّدًا على أنّها تشكّك في "نوايا نتنياهو بوقف الحرب، الّذي لا يتعهّد بوقف الحرب".

وأكّد على أنّ مبادئ المقاومة ثابتة، وهي وقف الحرب والانسحاب الإسرائيليّ وإعادة الإعمار، وهذا كلّه لم يتوفّر في كلّ المبادرات الإسرائيليّة السابقة.

وقدّر بشارة بأنّ المقاومة الفلسطينيّة سوف تتعامل مع لهجة الرئيس الأميركيّ جو بايدن بإيجابيّة، وستضيف أنّها "تريد سماعها من إسرائيل ونتنياهو"، خاصّة أنّ كلّ ما صدر من إسرائيل سابقًا كان يدور حول "التحفّظات والتأكيد على أنّ الانتقال من مرحلة إلى مرحلة سيكون بالحفاظ على المبادئ الإسرائيليّة".

وعودة إلى كلام الرئيس الأميركيّ، قال المفكّر العربيّ إنّ "بايدن خلال كلامه استغلّ عرضه للمبادرة الإسرائيليّة -وهذا خدمة كبيرة لإسرائيل وخدمة كبيرة لحكومته في التفاف الشارع الإسرائيليّ حولها- وقال عكس ما قاله نتنياهو قبل أسبوع إنّه سيستمرّ في الحرب حتّى لا يسمح لحماس بتكرار 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، وردّ بايدن على نتنياهو بأنّ حماس لا تستطيع تكرار 7 تشرين الأوّل/أكتوبر جديد، لأنّ نتنياهو يتذرّع بالقضاء على قدرات حماس لاستمرار الحرب". لافتًا النظر إلى أنّ بايدن عرض المبادرة بطريقة مقبولة للعرب والمعارضة الإسرائيليّة.

وحول تفاصيل مبادرة بايدن، وحديثه عن إدخال 600 شاحنة حال التوصّل إلى اتّفاق، فقد أشار بشارة إلى أنّه "لا يوجد ما يمنع دخول 600 شاحنة مساعدات إلى غزّة، وطرح الأمر بهذا الشكل مُعيب، وهذا ما يجب فعله الآن".

أمّا بخصوص الانسحاب الإسرائيليّ من المناطق المأهولة، فإنّه بحسب الاقتراح الإسرائيليّ، يحدث الانسحاب من محاور صلاح الدين وشارع الرشيد خلال الأسبوع الأوّل، مع بقاء محور نتساريم للمرحلة الأخيرة.

وقال: "الآن بدون هذا الاتّفاق انسحب الاحتلال من جباليا، والناس وينتشلون من تحت الأنقاض أجساد أطفالهم المتحلّلة، أي أن الكارثة حصلت، وإسرائيل الآن لا تبقى في المناطق المأهولة بالعموم، باستثناء رفح. باقي المناطق تدخلها إسرائيل ضمن عمليّات عسكريّة وتنسحب، والانسحاب من المناطق المأهولة محسوم، ولكنّ مطلب المقاومة انسحاب إسرائيل من قطاع غزّة، وحال موافقة إسرائيل على الاقتراح، فإنها سوف تنسحب من رفح في مرحلته الأولى".

وعن طرح بايدن "إجراء عمليّة تبادل شاملة في المرحلة الثانية وانسحاب الجيش الإسرائيليّ، وحال التزام حماس بما طرح، سيتمّ التوصّل إلى وقف إطلاق نار دائم للأعمال العدائيّة"، أوضح بشارة: أنّ هذا الطرح لم يتواجد في الورقة الإسرائيليّة، وبتقديره هذه تفسيرات بايدن، مشيرًا إلى أنّه من "الجيّد تفسير بايدن بهذا الشكل، لأنّه يشكّل ضغطًا على إسرائيل".

وتابع أنّ بايدن من فترة طويلة يقول للقادة العرب إنّه في حال التوصّل إلى اتّفاق من 3 مراحل يصل تنفيذها إلى ما بين 60-90 يومًا حال تطبيقها سيكون من الصعب العودة للحرب، لكنّ المهمّ الآن أنّه قالها في أحاديث علنيّة، وليس في محادثات خاصّة، ولكن "على نتنياهو أن يقول هذا الكلام".

وحول موقف المقاومة والتبادل، قال بشارة إنّها "لن تسلّم أوراقها بدون وقف شامل وانسحاب من غزّة، ولن يتنازلوا عن كلّ ما لديهم بدون وقف إطلاق نار"، مؤكّدًا على أنّ هذه مبادرة إسرائيليّة للتفاوض.

وأكّد بشارة على أهمّيّة كلام بايدن، لكنّه أوضح أن "هذا يحتاج إلى موافقة إسرائيل". وكرّر بشارة توضيح سياق خطاب بايدن، بقوله: "إنّ بايدن يقول هذه فرصة للفلسطينيّين والإسرائيليّين لوقف الحرب، وهي في الحقيقة فرصة للإدارة الأميركيّة لوقف الحرب. إذ إنّ المبادرة الإسرائيليّة جاءت بضغط أميركيّ، لتقبّل ما رفضته في 6 أيّار/مايو، والتراجع الإسرائيليّ جرى نتيجة قرارات المحاكم الدوليّة وعزلة إسرائيل وضغط داخليّ وأميركيّ".

وأشار د. عزمي بشارة إلى أنّ "هذا التراجع، اعتبرته أميركا فرصة ذهبيّة للخروج علنًا لتحصل ما تريد، وهو تطبيع سعوديّ مع إسرائيل قبل الانتخابات الأميركيّة، وعبره -أي وقف إطلاق النار- يتخلّص من المظاهرات في داخل أميركا، أو تخفت قبل الانتخابات، وقد تبدأ عمليّة تطبيع علنيّة مع وقف إطلاق النار، وهذا ما يطمح له بايدن".

واعتبر بشارة أنّ "ظهور بايدن العلنيّ، ليلزم إسرائيل بما وافقت عليه، يكبّل نتنياهو، حتّى حتّى لا ينسحب نتنياهو؛ ممّا وافق عليه وعرضه، وإضافة تفسيرات ولمسات تقود إلى وقف إطلاق النار".

وحول الموقف الإسرائيليّ، قال بشارة إنّه "من الصعب على الحكومة الإسرائيليّة الإفلات من تفسيرات بايدن للمبادرة، فيما سيحاولون -أي الحكومة الإسرائيليّة- إخراج مقولات تهدأ روع اليمين في إسرائيل، وهو قاعدة الحكومة".

وشدّد بشارة على أنّه من المبكّر الحديث عن اتّفاق، متابعًا القول إن "تعامل المقاومة بإيجابيّة مع مفردات بايدن، هو تعامل حكيم".
وعودة إلى مقترح إسرائيل، وطرحه نتيجة الضغط الأميركيّ وقرارات المحاكم الدوليّة وعزلة إسرائيل، فإنّ عدم تحقيق أيّ إنجاز في رفح كان من بين العوامل الّتي ساهمت في ذلك، إذ لم يصل إلى قيادة حماس، ولم يخرج الأسرى. مشيرًا إلى أنّ نتنياهو تحدّى كلّ العالم بالذهاب إلى رفح، ولم يحقّق أيّ إنجازات، والآن سيبدأ العدّ التنازليّ لنتنياهو، بعدما زعم أنّه سيحقّق "أهدافه في رفح".

ورغم تراجع إسرائيل أمام الضغط الأميركيّ، كرّر بشارة التأكيد على أنّ إسرائيل "لم تضمن في مبادرتها وقف إطلاق النار، وما طرح هو تفسير للمبادرة الإسرائيليّة، ولكن لا نستطيع تجاهل تفسير بايدن لها، وما قاله حصل بشكل علنيّ وهذا مهمّ ويجب التعاطي معه".

وعن مأزق نتنياهو الداخليّ، قال بشارة إنّ هذه قضيّة نتنياهو، الّذي لا يزال مصرًّا على استمرار الحرب، وظهر في تصريح مستشاره للأمن القوميّ تساحي هنغبيّ، الّذي فعل ذلك ليقول إنّهم سوف يستمرّون بالحرب. والنقطة الثانية في مأزق نتنياهو، ترتبط في العلاقة مع واشنطن وجيشه، وفي غياب تصوّر لـ"اليوم التالي"، وهي قضيّة من ناحية واشنطن يمكن تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات، ولكنّ "المشكلة بالنسبة له، هي إذ انسحبت إسرائيل من غزّة، فإنّه لن يكون هناك قوّة تسيطر على غزّة سوى حماس. لذلك لا أعتقد أنّ نتنياهو يوافق على تفسير بايدن، ويعتقد أنّه إذا انسحب بدون ترتيب لليوم التالي، حيث لا توجد السلطة الفلسطينيّة أو قوى دوليّة أو عربيّة تستلم غزّة، وتديره في الوضع الراهن. وإذن سيبقى هناك حكم عسكريّ في غزّة، ولا معنى للانسحاب، وتفكّير نتنياهو يدور حول وجود غارات على غزّة بين كلّ حين وآخر، وهذا احتلال والنقطة الثانية، هي من سيدير حياة السكّان، ممّا يجبره على حكم غزّة عسكريًّا، وهذا ما يخشاه الجيش الإسرائيليّ، لأنّ الجيش غير قادر على هذا".

وتابع المفكّر العربيّ أنّ "الولايات المتّحدة تريد فرض تصوّر لـ’اليوم التالي’ على نتنياهو، وهم لديهم تصوّرهم، ويريدون فرضه على نتنياهو، وهو عودة سلطة فلسطينيّة ’متجدّدة’ إلى قطاع غزّة، مرتكزة أساسًا على أجهزة الأمن الفلسطينيّة، وهذا أمر غير ممكن وحماس لن تقبله".

وأوضح بشارة: "ما سبق تفسير بايدن، ونتنياهو يمكنه أن يتملّص، ولكن عندما يواجه الحقيقة، أي أنه ليس لديه تصوّر، ولا يريد الانسحاب من قطاع غزّة. وحقيقة تصوّره هو البقاء في محور نتساريم مع جهوزيّة الجيش لاقتحامات متكرّرة، وهذا لا يحلّ مشكلة القطاع".

وأكّد بشارة على أنّ "هم بايدن الآن، التوافق على وقف إطلاق نار، لأنّه لا يريد في هذه الفترة وجود مظاهرات ومقاطعة للانتخابات مع ضغط دوليّ هائل، والوصول إلى للانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة بهدوء. ويريد أن يضغط للتوصّل إلى وقف إطلاق نار دائم، وأن تقبّل إسرائيل تصوّراته لإدارة قطاع غزّة، لكن لا يوجد أيّ ضمان، نتيجة تعنّت نتنياهو والائتلاف الحكوميّ لنتنياهو الّذي يمكن أن يحلّ".
وفي داخل إسرائيل، قال بشارة إنّ خطاب بايدن الحاليّ داعم للمعارضة الإسرائيليّة، أي بيني غانتس وغادي آيزنكوت، إذ يتبنّى تفسيرها ومطالبها.

أمّا عن استطلاعات الرأي في إسرائيل، وتغلّب نتنياهو على غانتس على الصعيد الشخصيّ، فإنّه متوقّع نتيجة الهستيريا الحربيّة وظهور نتنياهو بشكل صارم مقابل تردّد غانتس، لكن على صعيد الأحزاب، فإنّ الائتلاف الحكوميّ الحاليّ في إسرائيل سيكون أقلّ من 60 مقعدًا في الكنيست.

ومع طول مدّة الحرب، أشار بشارة إلى أنّ استطلاعات الرأي في إسرائيل تظهر نسبة أكثر من 60% كاستعداديّة لوقف وإطلاق سراح الأسرى، وهذا أمر جديد، ويختلف عن موقف نتنياهو، وبالأكثريّة هذا لصالح ما يقوله غانتس.

وعلى هذا الأساس، أوضح بشارة أنّ "نتنياهو لن يستطيع تشكيل حكومة حال حدوث الانتخابات في إسرائيل غدًا، ولذلك يريد أن يواصل الحرب ويستمرّ، ولكنّ الضغط الأميركيّ مهمّ والمناورة السياسيّة من قبل المقاومة مهمّة أيضًا، والتعاطي بإيجابيّة مع مفردات بايدن، وكلّه خاضع للتفاوض، وليس قبول ما قاله تمامًا، أي قبول الذهاب إلى المفاوضات بناء على الورقة، إذا كانت بموجب تفسير بايدن وليس نتنياهو".

وفي سياق الحديث عن مدى موثوقيّة كلام بايدن خاصّة بعد الحديث المتكرّر عن رفح وذهاب إسرائيل إليها، قال المفكّر العربيّ عزمي بشارة: "على المقاومة والشعب الفلسطينيّ، إلّا يثق بكلام الولايات المتّحدة الّتي تريد العودة المفاوضات، لكن مع استغلاله. لأنّه ثبت أنّ الولايات المتّحدة لا تتّخذ خطوات عمليّة حقيقيّة للضغط على إسرائيل في القضايا الجوهريّة، وما زالت الولايات المتّحدة تتحدّث عن القضاء على حماس ومعاقبة من قام بـ7 تشرين الأوّل/أكتوبر -بلغة بايدن-، وبعض ما قاله بايدن يشكّك ويترك مخارج لإسرائيل في بعض الأمور، وهذه سترفض ويفاوض عليها".

وتوقّف بشارة عند هذه النقطة، وقال: في "المرّة السابقة ظهرت إسرائيل برفض الورقة، وحماس قبلت وحقّقت إنجازًا دبلوماسيًّا كبيرًا، وكان له نتائج السياسيّة على مستوى الأجواء الدوليّة والغضب على إسرائيل. هذه المرّة حصل العكس، ومع حماس الحقّ في رفض استلام الورقة، لأنّها تندرج ضمن استراتيجيّة نتنياهو الّتي فيها المفاوضات جزء من الاستراتيجيّة العسكريّة، أي المفاوضات تشكّل غطاءً للحرب. والآن نشأت فرصة لقبول النبرة والكلام الجديد والتعاطي إيجابيًّا مع الكلام، وليس قبول المبادرة الإسرائيليّة".

أمّا عن التوقّعات من نتنياهو، قال إنّه "لا يستطيع تجاهل بايدن، وطرح مبادرة إسرائيل، وثمن خروج بايدن لطرح المبادرة بدلًا من نتنياهو طرحها بلغته وأسلوبه وبالشكل الّذي يريده، وهو بالتأكيد غير مرضٍ لليمين الإسرائيليّ وفي بعض النقاط لنتنياهو نفسه".

وعن تهديدات بتسلئيل سموتريتش وزير الماليّة الإسرائيليّ المتطرّف للضفّة الغربيّة بتحويلها إلى قطاع غزّة، قال بشارة إنّه غير قادر على ذلك، لأنّه ليس صاحب قرار، ولكنه يفعل الكثير هو وعصابات المستوطنين في الضفّة الغربيّة، تحت أجواء الحرب والأجواء الهستيريّة ووجود حليفه بن غفير في وزارة الأمن القوميّ لإنشاء تحالف بين قوى الأمن والمستوطنين، وهو تحالف موجود، لكن الآن لا يمكن التفريق بينهم. مشيرًا إلى أنّ ما يحدث بالضفّة الغربيّة يفوق ما يحصل بالانتفاضة الثانية وبهدف "تصفية حسابات مع مناطق بعينها"، ويترافق مع ما سبق مع توسيع للاستيطان وإعادة للمستوطنات الّتي سحبت بعد قرار فكّ الارتباط، مع شراسة في القتل والاعتقالات وعودة سياسة التعذيب في السجون، بالإضافة إلى استخدام الطيران الحربيّ في جنين مثلًا.

وأشار إلى أنّ سموتريتش يتمنّى حرب في الضفّة الغربيّة، ولكنّه ليس صاحب قرار بهذا الشأن.

عزمي بشارة: الولايات المتّحدة تريد فرض تصوّر لـ’اليوم التالي’ على نتنياهو

وعن الغضب الدوليّ من مجزرة رفح، وتحوّل صورة إسرائيل في العالم، وطلب نتنياهو وغالانت للجنائيّة الدوليّة ومحاكمة إسرائيل في العدل الدوليّة، وسلوك إسرائيل في التعامل مع هذه الأحداث، قال إنّ "إسرائيل ترى ما يحدث، وتعود إلى عقليّة الغيتو، تحت شعار ’العالم ضدّنا ومعاداة السامية’، وهي أمور تستخدم ضدّ أصدقاء إسرائيل. ولكنّ هذا مؤقّت وله أثر سياسيّ واقتصاديّ على إسرائيل، لأنّ إسرائيل لم تتمتّع بعلاقات طبيعة مع الغرب فقط، ولكنّها تحصل على امتيازات، ولا تستطيع العيش بدون العلاقة مع الغرب. وإذا فقدت كلّ ذلك ستكون دولة عالم ثالث".

إنجاز يحتاج إلى استثمار

وحول اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا بالدولة الفلسطينيّة، أوضح بشارة أنّ الأساس في الاعتراف بتعريف الحدود، ولو كان دونها ليس له معنى، لأنّ الدولة في العصر الحديث، كيان ترابيّ (Territorial)، والسيادة هي على الأرض وما عليها، وعند تحديد حدودها في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة والقدس الشرقيّة، هو يعني مثلًا أنّ القدس الشرقيّة محتلّة وهي عاصمة فلسطين.

وقال بشارة، بالنسبة للسلطة الفلسطينيّة هذا إنجاز ليس لهم فيه أيّ نصيب، هو للناس الّذين صمدوا وقاتلوا وقاموا. وتابع: "هو إنجاز، لكن عندما تبدأ في المفاوضات، والمفاوضات يجب أن تبدأ بعد وصول الدولة المحتلّة إلى قناعة بأنّها يجب أن تنسحب"، مشيرًا إلى أنّه في حال حدوث مفاوضات على هذا الأساس "في يد أيّ طرف فلسطينيّ يشكّل كيانيّة، والّذي آملّ أن تكون منظّمة التحرير الفلسطينيّة الموحّدة، وليس في حالها الرثّ الآن، سيكون لدى هذا الكيان الفلسطينيّ اعتراف دوليّ بأن هو سيّد على حدود حزيران 67 افتراضيًّا، وأنّ هذا ما يجب أن يكون في أيّ حلّ مُقبل، وهذا إنجاز دبلوماسيّ، وليس ملموسًا على الأرض، ولكن يقوّي عالميًّا ودبلوماسيًّا. والمهمّ أنّ الطرف الفلسطينيّ يتصرّف على هذا الأساس، بينما هو الآن يتصرّف كسلطة، ولا يقوم في أيّ دور حقيقيّ في الحرب على غزّة ولا الدفاع عن الشعب الفلسطينيّ في الضفّة، والحلّ الوحيد التوافق على حكومة وفاق وطنيّ مع المقاومة الفلسطينيّة".

واستغرب بشارة سلوك حركة فتح والسلطة حاليًّا، وأضاف: "يجب أن يكون هناك تمايز بين السلطة وحركة فتح، كحركة شعبيّة ولها قواعد وتاريخ، إذ لا يجوز أن تنقاد حركة فتح من مجموعة أشخاص حول الرئاسة الفلسطينيّة، وتفقد دورها التاريخيّ في مرحلة إبادة للشعب الفلسطينيّ".

وكرّر بشارة حديثه السابق، عن أنّ "السيناريو الوحيد والمخرج يرتبط بوجود حكومة توافق وطني لها مرجعيّة وطنيّة وإعادة بناء منظّمة التحرير، وإلّا ستكون لدينا سلطة في الضفّة وسلطة في غزّة، وأوسلو مرة ثانية يستمرّ لمدّة 30 عامًا منطلقه غزّة، وكيفيّة ضمان أمن إسرائيل".

ارتباطًا بما سبق، قال د. عزمي بشارة إنّ وجود هذا التوافق سوف يساهم "في استغلال هذه الإنجازات الدبلوماسيّة، ولكن لا يمكن استثمارها في الوضع الرثّ الحاليّ".

أمّا عن الغضب الإسرائيليّ من هذا الاعتراف، أوضح بشارة: أنّ هذا الغضب؛ لأنّ هناك مراجعة حقيقيّة للسرديّة الإسرائيليّة والهيمنة الثقافيّة، والجديد في الاعتراف الأخير أنّ هذه الدول من المعسكر الغربيّ، وهذا اختراق كبير نسبة للطرف المتحالف دائمًا مع إسرائيل، والجانب الآخر يرتبط في تحديد الحدود، إذ كانت إسرائيل "تعتبر موضوع الحدود شأنًا إسرائيليًّا يحلّ في مفاوضات مباشرة غير مشروطة". أمّا الولايات المتحدة، فهي توافق على هذا التصوّر الإسرائيليّ أيضًا.

تحرّر جيل

وعن نقد قيّم حقوق الإنسان نتيجة التعاطي المزدوج مع القضيّة الفلسطينيّة، قال بشارة إنّ حقوق الإنسان والقيم في الدول الغربيّة، هي موجودة ولكنّها للمواطنين، والاتّهام يتمّ للدولة يكون بالحياد عن دستورها أي يوجد دستور وقيم وقوانين وتبتعد عنها، أي لديك أساس تطالبها بها، وخرق الحقوق هو الاستثناء، ولكنّ القاعدة هي الحقوق في هذه الدول.

وأوضح بشارة حول القيم وحقوق الإنسان في الدول الغربية، وقال: "خارج الدول الغربيّة، هم ملوّنون ومنافقون في التعامل مع حقوق الإنسان، والتعامل مع الصديق يختلف عن العدوّ، وهذا منطق الدول، وهذا ما يحصل في بلادنا، ولكنّه ينفضح وينكشف، وما تُطاَلب به الدول الغربيّة هو احترام ما تدّعيه من هذه القيم". مشيرًا إلى أنّ "هذه الحرب أظهرت حجم النفاق في قضيّة تطبيق حقوق الإنسان، وفي قضيّة فلسطين بشكل خاصّ الّتي تحرّجهم بسبب علاقتهم الخاصّة مع إسرائيل".

وأشار إلى أن أخذ هذه القيم بجدّيّة "يساهم في مقاطعة إسرائيل"، وهو نتيجة وجود أناس في الغرب وقوى ديمقراطيّة عربية تتفاعل معها لتحرج هذه الدول وتناضل.

وحول المظاهرات من الأجيال الشابّة في الدول الغربيّة، قال إنّه رغم عدم وجود برامج سياسيّة لديهم، إلّا أنّ الانطلاق يحصل من موقف أخلاقيّ، ودورهم تاريخيّ ومهمّ جدًّا، لأنّ قضيّة فلسطين أصبحت لأوّل مرّة، مثل قضيّة جنوب أفريقيا يومًا ما، مرتبطة بتحرّر جيل كامل، مثل الّذي ظهر في حراك الطلبة أواخر الستّينات وبداية السبعينات، إذ كان تحرّره الذاتيّ مرتبطًا بالتقاطع بالحركة ضدّ الأبارتهايد والحرب ضدّ فيتنام.

ولفت النظر إلى أن تحرّر جيل كامل في الغرب يرتبط في قضيّة فلسطين، وهذه أمر كبير، مضيفًا "آمل أنّ القيادات الفلسطينيّة سوف تتعامل بمسؤوليّة مع هذه الظاهرة الجديدة، وتطوّر خطابها لكي تفهم هذه الناس ويفهموا عليها".

صحوة في الداخل

وبشكلٍ موجز، تطرّق المفكّر العربيّ عزمي بشارة، إلى حالة الفلسطينيّين داخل الخطّ الأخضر، وأشار إلى "صدمتهم من حجم الإرهاب الإسرائيليّ، الّذي لم يكن معتادًا، خاصّة بعد إنجازات سياسيّة منذ السبعينات وبشكل خاصّ منذ منتصف التسعينات، إذ شنّت إسرائيل حملة إرهابيّة على الناس بسبب تدوينات وتغريدات".

وأشار بشارة إلى أنّه بعد محاولة إسرائيل وضع قواعد لعبة مختلفة، يلمس الآن "صحوة من الصدمة"، مضيفًا أنه يجب رفض "التنازل عن حرّيّة العمل السياسيّ والنضال، لأنه جزء من هويّتهم الوطنيّة ومنظومة القيم الّتي تحافظ على المجتمع، وأيضًا لمصلحتهم حتّى لا يخسروا حقوقهم السياسيّة الّتي تحاول إسرائيل أن تعيد النظر فيها وتغيّر قواعد اللعبة".
ولفت بشّار النظر إلى "بعض الأوساط راجعت الموقف الوطنيّ، وأصبحت أكثر استعدادًا للاندماج في الائتلافات والحكومات الإسرائيليّة"، وأكّد بشارة على "خطورة" هذا السلوك.

واعتبر أنّ هناك "تدهورًا في منهج يحاول الفصل بين المطالب المدنيّة والحياتيّة وبين الموقف الوطنيّ باعتبار أنّ الدخول في الحكومات يمكن عرب الداخل من تحصيل الحقوق، وهي حقوق وليس منّة، لكنّك بسلوكك هذا ترهنها؛ لأنّك تربطها بتنازلات عن الموقف الوطنيّ. هذا النهج الّذي شهدناه خلال الخمس سنوات الأخيرة خطير، لأنّه يوهم الناس بأنّ سياسة التخلّي عن المواقف والهويّة الوطنيّة، والتغطية بموقف محافظ دينيّ، يفرغ الحقوق من مضمونها، وتصبح العلاقة مع الدولة علاقة واسطة كما كانت في أيّام الحكم العسكريّ، من يحتاج إلى شيء يجب اللجوء إلى وسطاء بينه وبين الدولة، وهم أشخاص تنازلوا عن الموقف الوطنيّ".

عزمي بشارة: قضية فلسطين ترتبط بتحرر جيل كامل

وتطرّق بشارة إلى تصريحات وصفها بـ"الصادمة جدًّا"، الّتي دارت فحواها حول أنّ "حماس ارتكبت جرائم حرب في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، أمّا إسرائيل فهو أمر يقرّر لاحقًا"، قائلًا: إنّ هذا النهج يصل للسقوط الأخلاقيّ التامّ.

وتطرّق بشارة إلى معاناة المجتمع العربيّ في الداخل من انتشار الجريمة بشكل غير طبيعيّ ومألوف، وقارب القضيّة مثلما حصل مع الأقلّيّات في الولايات المتّحدة، عندما حاولت الدولة اختراق هذه المجتمعات وتكسيرها.

وشخص بشارة الأمر بـ"انهيار البنى التقليديّة في المجتمع، دون أن يحلّ محلّها مجتمع مدنيّ حديث والانهيار الأخلاقيّ"، مشيرًا إلى أنّ "الانهيار الوطنيّ يأتي معه انهيار أخلاقيّ، ولذلك لا يمكن أن نفصّل الأمرين، ولا سيّما أنّ التماسك الوطنيّ يترافق معه تماسك أخلاقيّ وهذا يحصّن المجتمع".