02-يناير-2024
المفكر العربي عزمي بشارة

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

في إطار تغطيته المفتوحة للحرب الإسرائيلية العدوانية المتواصلة على قطاع غزة، أجرى "التلفزيون العربي"، مساء أمس الإثنين، مقابلة مع المفكر العربي عزمي بشارة تحدّث خلالها عن آخر تطورات الحرب، التي دخلت يومها الـ88 مخلّفةً أكثر من 21 ألف شهيد، وما يزيد عن 56 ألف مصاب.

تطرّق مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، خلال المقابلة، إلى أهمية خطوة جنوب أفريقيا التي قدّمت قبل أيام طلبًا لرفع دعوى ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وتناول أيضًا مسار الحرب، والموقف الأمريكي والأوروبي والروسي منها، وقدّم تحليلًا استشرافيًا لمرحلة ما بعد انتهائها.

ليس من الصعب إثبات ارتكاب "إسرائيل" جرائم إبادة جماعية

استهل بشارة حديثه بالتأكيد على أهمية خطوة جنوب أفريقيا سواء على الصعيد السياسي أو القانوني، حيث رأى أنه من شأن هذه الخطوة حسم النقاش القائم حول ما إذا كانت ما تقوم به "إسرائيل" في قطاع غزة إبادة جماعية أم لا. كما بيّن أن الإبادة الجماعية لم تُصنّف جريمةً ضد الإنسانية بسبب "الهولوكوست" فقط، وإنما بسبب مجمل ممارسات ألمانيا النازية في المناطق التي احتلتها خلال الحرب العالمية الثانية. وبالتالي، فإن "الهولوكوست" ليس المقياس الذي تُحدَّد بموجبه جرائم الإبادة الجماعية.

أكد بشارة أن "إسرائيل" لم تحقق، رغم ما خلّفته من دمار ومعاناة في قطاع غزة، أهدافًا عسكرية حقيقية، سيما تلك التي أعلنت عنها بداية الحرب

وأوضح بشارة أن مصطلح "الإبادة الجماعية" لا يعني إبادة شعب بأسره، كأن يُباد الشعب الفلسطيني بأكمله، ذلك أن الأمر يتعلق بنيّة تنفيذ إبادة جماعية، واتخاذ إجراءات لتطبيقها سواء القتل أو التهجير أو غير ذلك. فالإبادة الجماعية، كما ذكر، تعني القضاء على جماعة عرقية أو قومية أو إثنية، أو جزءٌ منها.

وفي العودة إلى خطوة جنوب أفريقيا، قال بشارة إن جزءًا من أهمية هذه الخطوة يكمن في أن جنوب أفريقيا عانت من نظام فصل عنصري لعقود طويلة، وأن "إسرائيل" كانت آخر دولة تحتفظ بعلاقات مع هذا النظام. وقد أكد هنا بأن هذا الموقف ينم عن إرادة قوية وجرأة، وأنه موقف مبدئي أخلاقي، إذ لا يوجد أي سبب يدفع جنوب أفريقيا لاتخاذه سوى الإرث والحاجة لاتخاذ موقف أخلاقي ضد آخر قضية استعمارية في العالم.

أما بالنسبة للأهمية القانونية لهذه الخطوة، فقد أشار المفكر العربي إلى أنه لا يمكن لدول العالم تجاهل قرار المحكمة الدولية بهذا الشأن. فمع أن قراراها غالبًا ما يكون استشاريًا لا تستطيع فرضه على أحد، إلا أنه في هذه الحالة يُعتبر إلزاميًا. كما أوضح بأن صدور القرار لا يحتاج إلى أكثر من أسابيع، وأنه ليس من الصعب إثبات ارتكاب "إسرائيل" جرائم إبادة جماعية، سيما في ظل التصريحات المستمرة للمسؤولين الإسرائيليين المتعلقة بتهجير سكان قطاع غزة وقتلهم، والتي تعبّر عن نواياهم بمعاقبة سكان القطاع، وتهجيرهم، وجعل القطاع غير قابل لاحتضان الحياة البشرية.

"إسرائيل" قوّة محتلة لا يحق لها الدفاع عن النفس

وبشأن احتمال لجوء "إسرائيل" إلى التذرع بـ"الدفاع عن النفس" لتبرير جرائمها في غزة، أكّد بشارة أنه لا يحق لها الدفاع عن نفسها لأن هذا الحق يُعطى لدولة تتعرض لهجوم وليس لقوّة محتلة. وقد استشهد هنا برفض محكمة العدل الدولية ادعاء "إسرائيل" بأنها بنت الجدار العازل دفاعًا عن نفسها، حيث أكّدت حينها بأنها قوّة محتلة لا يحق لها الدفاع عن النفس.

كما أكد بأن ما تعرّض له قطاع غزة من دمار وخراب جراء القصف الإسرائيلي، هو نتاج مخطط معيّن وليس أضرارًا جانبية. لافتًا هنا إلى أنه لا يمكن لـ"إسرائيل" التذرع بالحرب لتبرير ما تفعله، لأن الحرب في المعاهدة الأممية ليست مبرّرًا.

وفي سياق حديثه عما إذا كانت المحكمة الدولية قادرة على تنفيذ قراراتها، ميّز بشارة بين نوعين من القرارات التي تتخذها المحكمة، وهي قرارات مانعة توجَّه للدول المعنية بصورة مباشرة، وعلى الأخيرة تنفيذها. وقرارات تستوجب اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي. وفي هذه الحالة، لا يستبعد بشارة احتمال استخدام حق النقض "الفيتو"، ولكنه أوضح بأن استخدامه يضرب، أولًا، مصداقية المنظمات الدولية. ويضع، ثانيًا، من يستخدمه في موقف محرج لأن الفيتو هنا لا يكون ضد قرار اقترحته روسيا أو المجموعة العربية، وإنما ضد 15 قاضيًا لا يوجد نقاش حول نزاهتهم.

وبينما كشف عن اتصالات جرت مع بوليفيا وماليزيا للانضمام إلى الدعوى، شدّد بشارة على ضرورة مشاركة إحدى الدول العربية الموقعة على معاهدة منع جريمة الإبادة الجماعية. وتساءل في هذا السياق عما تبقى من الموقف العربي الذي بات موقف المتفرّج بعد استنفاد الاجتماعات والبيانات وغيرها. كما استنكر أن يكون التشديد هو فقط على رفض التهجير، وكأنه مسموح لـ"إسرائيل" فعل كل شيء عداه.

الاجماع الإسرائيلي حول الحرب وأهدافها لا يزال قائمًا

وبشأن الحرب ومساراتها، قال بشارة إن الاجماع الإسرائيلي حولها وحول أهدافها لا يزال قائمًا رغم الخلافات التي بدأت تظهر للعيان، مؤكدًا أنها خلافات حول الأمور غير المتفق عليها، وأنها تأتي في سياق بوادر معركة انتخابية.

قال بشارة إنه يوجد مخطط لجعل قطاع غزة غير صالح للعيش بهدف تهجير سكانه، وأن الشعب الفلسطيني قادر على إحباطه

أما بالنسبة للموقف الأمريكي، فرأى بشارة أن ما تغيّر فيه هو إلحاح الإدارة الأمريكية على بدء المرحلة الثالثة، التي تعني وقف الحرب الشاملة والقصف الهمجي والانتقال نحو عمليات موضعية ومحدّدة أكثر. وبحسب بشارة، فإن الانتقال إلى هذه المرحلة يتطلّب بضعة أسابيع، سيما في ظل تركيز جيش الاحتلال على وسط قطاع غزة وخان يونس جنوبًا.

وأكّد المفكر العربي ضمن هذا السياق أن "إسرائيل" لم تحقق، رغم الدمار الشامل ومعاناة الناس، أهدافًا عسكرية حقيقية في قطاع غزة، سيما تلك التي أعلنت عنها بداية الحرب.

واعتبر أن حديث نتنياهو حول السيطرة على محور فيلادلفيا، إذا كان هدفًا حقيقيًا، يندرج ضمن خطة بناء غلاف داخلي عسكري في قطاع غزة. ولم يستبعد أن يكون حديثه نوعًا من الابتزاز للحصول على شروط أفضل من مصر أمنيًا. كما أكد بأن هذه المخططات، إلى جانب تهجير قسم من سكان قطاع غزة، قد يكون جزءًا من التصورات الإسرائيلية حول اليوم التالي.

وشدَّد في هذا السياق على أنه لا يمكن الحديث عن "هجرة طوعية" لسكان قطاع غزة بعد تدمير القطاع وجعله غير صالح للعيش، بمعنى أن كل ما يجري الآن هو "قسري"، مؤكدًا وجود مخطط لجعل غزة غير صالحة للعيش، وأن الشعب الفلسطيني قادر على إحباط هذا المخطط.

الموقف الأمريكي لا يزال سيئًا، وموقف روسيا "انتهازي"

أما على صعيد المواقف الدولية، فقال بشارة إن الرئيس الأمريكي جو بايدن اتخذ قرارات صهيونية، واحتضن نتنياهو احتضانًا كاملًا، بل وردّد أكاذيبه حول ما جرى في 7 أكتوبر "مثل الببغاء"، دون اتخاذ أي مسافة نقدية. وأكد بأن الموقف الأمريكي لا يزال سيئًا معتبرًا أن إلحاح واشنطن على "إسرائيل" للانتقال نحو المرحلة الثالثة، نتيجة إنجازات المقاومة الفلسطينية على الأرض، والتحوّل الكبير في الموقف من القضية الفلسطينية على مستوى الشارع الغربي، هو التغيّر الوحيد في هذا الموقف.

وانتقد بشارة أيضًا الموقف الغربي الذي ينهض جزء منه على "معاداة السامية"، مؤكدًا أن عقدة أوروبا الحقيقية تكمن في ألمانيا. بينما وصف الموقف الروسي من الحرب بأنه "انتهازي"، وأن ما بدا موقفًا جيدًا في مجلس الأمن الدولي، لم يكن ضد "إسرائيل" وإنما ضد الولايات المتحدة.

أوضح بشارة أن "الإبادة الجماعية" لا تعني إبادة شعب بأسره، كأن يُباد الشعب الفلسطيني بأكمله، ذلك أن الأمر يتعلق بنيّة تنفيذ الإبادة، واتخاذ إجراءات لتطبيقها

واختتم المفكر العربي حديثه بالإشارة إلى أن أهم ما خرجت به الحرب على غزة، أو الكارثة الكبيرة، هو – إلى جانب أداء المقاومة – عودة القضية الفلسطينية لتحتل صدارة عالمية ما، وتؤكد أنها غير قابلة للتهميش. وتكمن أهمية ذلك في أنه جاء بعد مؤامرة لتهميش القضية.

وأشار كذلك إلى جانب آخر إيجابي يتمثّل في حركة التضامن العالمي التي لا تُطالب بحلول جزئية وإنما بالعدالة، مشدَّدًا هنا على ضرورة جعل ذلك حالة دائمة وليس مؤقتة تتبدّد سريعًا بعد انتهاء الحرب.  

وقال بشارة في ختام حديثه إنه يجب: "أن نصوغ خطابنا حول قضيتنا بلغة العدالة لكي يحصل تزامن وتشابك في الوقت نفسه بيننا وبين كل المتضامنين معنا لتصبح هذه الحركة تاريخية قادرة على التغيير".