بينما أنت جالس أمام هاتفك الذكي تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وتقوم بالمشاهدة أو الضغط على زر الإعجاب للمنشورات التي تنال إعجابك هنا وهناك، لا تعرف أن ضغطتك السحرية هذه أنشأت في السنوات الأخيرة تجارة ضخمة وكبيرة لأصحاب الحسابات العامة والشركات المحلية والعالمية على حد سواء، تجارة مدرة للأرباح لشخصيات للأسف أغلبها فارغ لا يستحق حتى عناء مشاهدتك ومتابعتك له، هذه الشخصيات يتم تقييمها فقط حسب عدد المشاهدات والإعجابات التي ينالها حسابهم ومنشوراتهم ويسمَّون عالمياً بالـ"Influencers".
يعتبر المؤثرون (Influencers) أحد أحدث صيحات الموضة في التسويق وأكثرها فاعلية على منصات مواقع التواصل
برز نجم المؤثرين على منصات مواقع التواصل الاجتماعي وازدادت أعدادهم لأضعاف في الثلاث سنوات الأخيرة، وستأخذ هذه الظاهرة بالنمو بشكل أكثر قوة في السنوات القادمة في ظل النظام الليبرالي الجديد الذي يسيطر على العالم ويشجع الفردانية. يعتبر المؤثرون (Influencers) أحد أحدث صيحات الموضة في التسويق وأكثرها فاعلية على منصات مواقع التواصل الاجتماعي؛ فمع ازدياد أعداد مستخدمي الانترنت، بالأخص مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، انسحبت المشاهدة لدى الأفراد عن الإعلام التقليدي وتحولت إلى هذه المواقع، التي يقضي معها الفرد ما لا يقل عن 4 ساعات يومياً، مما زاد من أهميتها كوسيلة إعلامية جديدة تصل لعدد أكبر من الجماهير وبأقل تكلفة عن الإعلام التقليدي.
اقرأ/ي أيضًا: دراسة حديثة: ثلثا العرب يطالعون الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي
تضم كلمة مؤثرين الطالح والصالح في بوتقة واحدة، والقضية المؤثرة في هذا الشأن عندما يكون أغلب من يسمَّون بالمؤثرين هم مجموعة من الأفراد الذين لا يتقنون غير فن الاستعراض، استعراض الملابس، المجوهرات، الطعام، الأحذية، مستحضرات التجميل، الثقافة، أو استعراض اللاشيء! عملهم الوحيد هو الجلوس على الأريكة وفتح كاميرات هواتفهم الذكية في نقل مباشر لأتفه تفاصيل حياتهم، حيث أصبحت تفاصيل الحياة هذه التي لا تسمن ولا تغني من جوع تساوي مئات الآلاف من الدولارات!
وجدت أطفالي يتابعون على اليوتيوب قناة عائلة مُشيَّع، تعرفون من هي هذه العائلة؟ مُشيَّع هي عائلة سعودية يتابع قناتهم أكثر من ثلاثة ملايين مشترك، أما مضمون القناة فهو ببساطة يوميات هذه العائلة، حيث يفتح الأب أعينه صباحاً ويحمل كاميرته في عمل رسمي لتصوير يوميات أطفاله وحياتهم، ونشرها للعلن مقابل مبلغ مالي ضخم من شركة يوتيوب والأعلانات التي يعرضها على قناته! هل هناك أبشع من ذلك؟ ماذا يعمل الأب؟ عمل الأب: بيع حياته الخاصة. والأمثلة في هذا السياق لا تعد ولا تحصى، مشاهير، إعلاميون استقالوا من وظائفهم واكتفوا بنشر حياتهم الخاصة عبر هذه المواقع وجني أرباح مهولة لقاء ذلك.
يضم المؤثرون (Influencers) الطالح والصالح في بوتقة واحدة وهم لا يتقنون غير فن الاستعراض وفي أحيان كثيرة استعراض اللاشيء
يصف الكاتب فيصل الهمشري مشاهير السوشيل ميديا بأغنياء على سرير النوم، في الحقيقة لم أجد وصفًا أبلغ منه لمشاهير ومؤثري عالمنا اليوم، حيث يشير الهمشري في مقاله لحجم الأجور التي يتلقاها بعض مشاهير سوشيل ميديا العرب، وهنا ستندهش من عِظَمِ هذه الأجور والمقابل المادي الذي يتلقاه بعضهم لقاء منشور واحد أو إعلان واحد فقط!
لا ضير من أن يكون هناك مؤثرين، لكن بشرط واحد وهو العمل، ما الفائدة من متابعة سيدة تنقل لنا حياتها العادية واستعراضها لملابسها وأحذيتها... الخ على أحد مواقع التواصل الحديثة؟ مشاهدتنا ومتابعتنا هي السبب الأول في صعود هذه الشخصيات الفارغة، ونحن من يتحمل تبعات ذلك. لابد أن نسأل أنفسنا ما الفائدة من هذه المتابعة أو تلك؟ الموضوع خطير لأنه لا يتوقف عند ذلك بل أكثر من ذلك بكثير، فهناك جيل كامل ينساق وراء هذه الشخصيات ويقلده بشكل أعمى ويرى فيه تجارة رابحة، لماذا العمل والتعلم إن كان بالإمكان جني المال من تصوير حياتي للناس؟! هذا السؤال الخطير أصبح مُلِحًا لجيل كامل يقضي جُلَّ وقته على مواقع التواصل الاجتماعي.
من ناحية أخرى لا يمكن إنكار ما يفعله الكثيرون في نشر الفائدة والعلم والثقافة، بالإضافة إلى نشر مواهبهم، أعمالهم وغيرها على مواقع التواصل، ومحاولتهم للتأثير بكل شيء يفيد وسط هذه الفوضى المؤذية للنفس بالدرجة الأولى ثم العقل، وأرى أن عزوف الكثير منهم عن السوشيل ميديا سيء لأنه يُبقي الساحة فارغة أمام من لا يستحق ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: التلصّص في "فيسبوك".. الفضول المدنّس
سنلاحظ خلال السنوات القادمة صعودًا أكبر للمؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما وأنهم أثبتوا في العام 2017 أنهم الأكثر فاعلية في التسويق للمنتجات والشركات، وسيشهد العام 2018 اعتمادًا شبه كامل عليهم في التسويق والتأثير بشكل عام، فلن تستطيع أي شركة النجاح دون استخدام المؤثرين للتسويق ولكن بشروط، أكثرها أهمية هي اقتناع المؤثر بمنتجات هذه الشركة وما ترغب التسويق له، لأنه هذا بالضرورة سينعكس على المؤثر ومصداقيته أمام متابعينه، فالمصداقية هي ما يبحث عنه المتابع، لذلك يرى باحثون أن خاصية المباشر (live) التي تطرحها عدة مواقع تواصل إجتماعي كالفيسبوك وانستغرام ستنتعش بشكل أكبر في العام 2018 لأنها تتيح تواصلًا مباشرًا بين المؤثر ومتابعينه، ومع ازدياد أعداد المؤثرين ستكون المنافسة أشد يتميز فيها المؤثر عن غيره في مدى مصداقيته مع متابعينه وقوة المحتوى الذي يطرحه.
اقرأ/ي أيضًا:
ما هي إيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي؟
هل تصفحك مواقع التواصل الاجتماعي تحول لإدمان؟ طريقة فعالة لتخفيف ذلك