على مدى أكثر من عقدين من الزمن، ظل قطاع التقنية في الولايات المتحدة محل ثقة واسعة من قبل المساهمين والمستثمرين، ووجهة مفضلة للباحثين عن فرص عمل في وظائف مريحة وذات مزايا عالية وأجور ممتاز. إلا أن هذه الصورة الوردية عن هذا القطاع قد تهشّمت إلى حد بعيد في الأشهر القليلة الماضية، ويبدو أن الفاس قد سقط في الراس، فيما يتعلق على الأقل بمستقبل النموّ للشركات التقنية الكبرى في السليكون فالي.
تم تسريح أكثر من 24 ألف موظف وموظفة خلال شهر واحد في قطاع التقنية في الولايات المتحدة
ولعل واحدًا من أهم المؤشرات على بداية هذا التراجع الذي لا يعرف بعد مداه، هو إقدام عدد من هذه الشركات على تسريح نسب كبيرة من الموظفين العاملين لديها، بواقع 24 ألف موظف وموظفة على الأقل في شهر واحد فقط، في حوالي 72 شركة أمريكية، ليصل بذلك عداد التسريحات بالجملة في الولايات المتحدة هذا العام إلى أكثر من 120 ألف وظيفة في قطاع التكنولوجيا. وبحسب التقديرات، فإن العداد سيواصل الارتفاع إلى أجل غير معلوم.
وبحسب تقرير الإذاعة الوطنية الأمريكية (إن بي آر)، فإن موضوع التسريحات عائد إلى سببين رئيسيين على الأقل:
الأول هو حجم التعيينات الضخمة في قطاع التقنية أثناء جائحة كوفيد-19، وذلك عندما فرضت قوانين حالت دون عمل الناس من المكاتب، وقيدت خروجهم من المنازل، ما أدى إلى تفجّر في الطلب على خدمات الإنترنت. إلا أن هذه الطفرة لم تتواصل، وتراجع الاهتمام بخدمات هذه الشركات مؤخرًا بعد زوال شبح الجائحة. إلا أن الموظفين الذين تم تعيينهم ظلوا يشكلون عبئًا كبيرًا على صعيد النفقات، فهم يتلقون معاشات ومزايا ضخمة، من دون مخرجات حقيقية على مستوى العمل. إلا أن هذه الفردوس الذي عاشوا فيه ردحًا من الوقت، سيختفي الآن، مع بدء التقليص في أعداد الموظفين غير المفيدين منهم.
أما السبب الثاني، فهو حالة اللايقين الاقتصادي السائدة في الاقتصاد الأمريكي، مع ارتفاع نسب التضخم وتدني الثقة بالقطاع، وتراجع الدخول من الإعلانات الرقمية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر، وارتفاع أسعار الفائدة التي قيدت حركة رأس المال الاستثماري وعمليات الاقتراض.
ونستعرض فيما يلي عددًا من أبرز التسريحات الكبرى التي أعلنت عنها كبرى شركات التقنية في الولايات المتحدة الأمريكية:
1) أمازون: 10 آلاف وظيفة على الأقل
تخطط شركة أمازون، وهي أكبر شركة عالمية لخدمات الحوسبة السحابية وخدمات البيع عبر الإنترنت، لتسريح 10 آلاف موظف وموظفة على الأقل في أقسام التقنية والتطوير. وكانت نيويورك تايمز الأمريكية أول من كشف عن هذه الخطة التي لم تعلن عنها الشركة رسميًا بعد، إلا أن وثائق ومعلومات خاصة حصلت عليها الصحيفة أكّدت هذا التوجّه، في واحدة من الشركات التي تعدّ من أهمّ الشركات وأضخمها على الإطلاق في حجم العمالة، إذ يعمل في جميع أفرعها زهاء 1.5 مليون إنسان.
2) شركة ميتا: 11 ألف وظيفة
أقدمت شركة ميتا، الشركة المالكة لمنصة فيسبوك وإنستغرام، على تسريح 11 ألف موظف وموظفة على الأقل الأسبوع الماضي، وهو ما يشكل نسبة 13% من موظفيها. وقد عزا الرئيس التنفيذي للشركة، مارك زوكربيرج، هذه التخفيضات إلى أنها ترتبط بمعالجة الخلل الحاصل بعد التوسع الكبير في التوظيف أثناء الجائحة، وتراجع إيرادات الإعلانات، إضافة إلى حالة الانكماش الاقتصادي الذي تعاني منه الولايات المتحدة.
اقرأ هنا تغطية أوسع للتطورات في شركة تويتر بعد استحواذ إيلون ماسك عليها
3) تويتر: 50 بالمئة من الموظفين
في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وضع إيلون ماسك يده على شركة تويتر، واشتراها بصفقة قيمتها 44 مليار دولار أمريكي. إلا أن الملياردير المثير للجدل، والرئيس التنفيذي لشركتي تيسلا وسبيس أكس، قرر على ما يبدو أن تصل يده الطائلة إلى وظائف أكثر من 3700 موظف وموظفة، يمثلون حوالي 50 بالمئة من إجمالي كادر الشركة، وذلك ضمن سعيه لخفض النفقات، ودعم مشروعه لتحويل تويتر إلى شركة مدرّة للأرباح.
4) مايكروسوفت: 1000 وظيفة
ذكر موقع أكسيوس الأمريكي أن شركة مايكروسوفت قد أنهت بصمت عملية تسريح واسعة داخل بعض أقسامها، طالت زهاء 1000 وظيفة، علمًا أن إجمالي عدد العاملين في الشركة يتجاوز 220 ألف موظف.
5) شركة إنتل: 20 بالمئة من الموظفين
بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ، فإن شركة إنتل تخطط لتخفيضات كبيرة في أعداد موظفيها، وذلك بهدف خفض النفقات، والتعامل مع مشكلة تراجع مبيعات الشركة من قطع الحواسيب الشخصية. ووفق أشخاص مطلعين تحدثوا إلى الوكالة، فإن التسريحات ستطال 20 بالمئة على الأقل من كوادر الشركة، التي يعمل فيها زهاء 113 ألف موظفة وموظف. وفي حال تطبيق هذه التخفيضات، فإنها ستكون الأكبر في تاريخ الشركة منذ العام 2016، حين سرحت إنتل 11 بالمئة من مجموع موظفيها، أي ما يصل إلى 12،000 وظيفة تم الاستغناء عنها حينها.