بات مشهد غرق الشوارع والسيارات في العاصمة الأردنية عمان مألوفًا لدى مواطنيها مع بداية الموسم المطري من كل عام. وبالرغم من إعلان أمانة عمان؛ الجهة المسؤولة عن الخدمات في المدينة؛ خطة لمواجهة فصل الشتاء منذ شهرين للحيلولة دون تكرار ما حصل خلال الأَعوام السابقة من فيضان مياه الأمطار في شوارع العاصمة إلا إن إغلاق الشوارع وغرق عدة أنفاق في المدينة دعا المواطنين إلى تجديد المطالبة بمحاسبة المسؤولين وإقالة أمين العاصمة عقل بلتاجي لتقصيرهم. هل علينا أن نعتاد على الغرق؟
تضررت نحو 60% من إجمالي البضائع في المخازن والمحال التجارية في عمان جراء الفيضان
يقول المواطن عماد القيسي إن ما حدث اليوم ما هو إلا دليل واضح على وجود خلل وتقصير من الأمانة في واجبها الأساسي تجاه المواطن الذي يدفع الضرائب وكافة التزاماته مقابل توفير الخدمات له في المدينة. ويشير القيسي إلى أن أبسط حق للمواطن الأردني ــ خصوصًا في العاصمة ــ هو توفير شبكة تصريف للمياه تحول دون تعطل مركبته أو تعرض حياته للخطر بسبب الفيضانات.
من جهتها، تصف المواطنة نادين رحلة معاناتها الصباحية في طريقها للعمل الذي لم تستطع الوصول إليه بحسبها ،مشيرةً إلى أنها أمضت ما يقارب ثلاث ساعات في أحد الشوارع المؤدية إلى ميدان الحرمين "دوار الكيلو" الذي أُغلق بسبب غرقه بمياه الأمطار. وتضيف نادين أنها ليست مضطرة لدفع مبالغ مالية مقابل إصلاح مركبتها التي تعطلت في الطريق، محملةً المسؤولية الكاملة للأمانة .
فيما أكدت المواطنة أم محمد أنها لم تستطع الوصول إلى مدرسة أبنائها في منطقة المقابلين "شرق عمان" ،الأمر الذي جعلها تعيش حالة قلق واستياء من المشهد التي لم تكن تتوقع أن يصل إلى هذا الحد. الاستياء كبير من المواطنين وواضح.
بدوره، أرجع نائب أمين عمان يوسف الشواربة سبب فيضان مياه الأمطار في شوارع العاصمة إلى كمية الهطول الكبيرة التي تفوق الطاقة الاستيعابية لشبكة تصريف المياه. وأكد الشواربة على أن الأمانة اتخذت كافة الاستعدادات لمواجهة فصل الشتاء مسبقًا إلا إن طبوغرافية المدينة في مثل هذه الظروف تتعرض للسيول كما حصل في "شارع قريش" وسط العاصمة.
نائب مدير المدينة لشؤون المناطق والبيئة باسم الطراونة أشار إلى أن مناهل تصريف مياه الأمطار تستوعب بالحد الأعلى مائة ملم/ساعة من المياه إلا إن الكميات المتساقطة فاقت هذا الحد الأمر الذي أدى إلى فيضان المياه في الشوارع. فيما أكد أن جميع كوادر الأمانة تعمل على مدار الأربع وعشرين ساعة لفتح الطرق ومراقبة مناهل تصريف المياه وتنظيفها من الشوائب التي جرفتها المياه.
أمين عمان عقل بلتاجي صرح سابقًا أن البنية التحتية تحتاج إلى مليار دينار لتطويرها خلال العشر سنوات المقبلة. وأكد بلتاجي أن أهم أسباب الفيضانات يعود إلى ربط المواطنين تصريف المياه على شبكات الصرف الصحي، الأمر الذي يتسبب بارتفاع منسوب المياه في المناهل وفيضانها، داعيًا المواطنين إلى التعاون مع الأمانة بهذا الشأن. يذكر أن بلتاجي أشار تعهد بأن يشهد العام 2015 تغييرًا نوعيًا بالانتقال من مرحلة "التدبير" إلى مرحلة الإنجاز والتغيير.
خسائر غير متوقعة
قدرت خسائر تجّار وسط البلد هذه المرة بما يزيد عن أربعة إلى ستة مليون دينار خلال الفيضان الذي تعرضت له أخيرًا، حيث تضررت نحو ستين بالمائة من إجمالي البضائع في المخازن والمحال، وهذا بحسب ممثل قطاع الألبسة والأقمشة والمجوهرات في غرفة تجارة الأردن أسعد القواسمي. ولم تقتصر الخسائر على الأمور المادية فقط بل تعدتها لتسجل ثلاث وفيات شرق العاصمة لطفلين وافدين من الجنسية المصرية وشاب عشريني جراء مداهمة مياه الأمطار لمنازلهم.
تعاملت كوادر الإنقاذ والإسعاف في الدفاع المدني مع ما يزيد عن أربعمائة حادث شفط للمياه وإنقاذ سبعمائة وخمسين شخصًا حوصروا بمركباتهم جراء ارتفاع منسوب المياه، لاسيما داخل الأنفاق. الأمر ليس مزحة. لذلك، لم تقتصر المطالبات على المواطنين وتجار وسط البلد بل تعدت ذلك لتصل إلى مطالبات نيابية برحيل الحكومة برئاسة عبدلله النسور إثر "حالة الفوضى التي عمت المملكة".
النائب مصطفى الرواشدة اعتبر ما حصل الأسبوع الفائت فشلًا ذريعًا بإجراءات الأمانة" الاحترازية" التي أعلنتها مرارًا بلا جدوى. من جهة أخرى أكد النائب محمد القطاطشة على ضرورة محاسبة الأمانة على المبالغ التي صرفت في سبيل تطوير البنية التحتية والتي لم تستحمل مياه الأمطار في بداية الموسم. وعلى صفتحها الشخصية على فيسبوك طالبت النائب خلود الخطاطبة بإقالة أمين عمان قائلة: "بلا أي تردد يجب إقالة أمين عمان عقل بلتاجي وتحميله المسؤولية كاملة عن غرق عمان بمجرد شتاء استمر ساعة فقط". وبينت الخطاطبة بأن المشهد يتكرر في شتاء العام الماضي، واجتمعت أجهزة الأمانة قبل فترة بسيطة للحيلولة دون تكرار ما حدث... إلا إنه حدث!
تقدر مخصصات "أعمال البنية التحتية" الواردة ضمن النفقات في موازنة أمانة عمان بنحو ثلاثة وخمسين مليون ومائة ألف دينار أردني
بنية تحتية قيد التكلفة
هذا وتقدر مخصصات "أعمال البنية التحتية" الواردة ضمن النفقات في موازنة أمانة عمان، بنحو ثلاثة وخمسين مليون ومائة ألف دينار أردني، والمتمثلة بالفرشيات، الإسفلت، الأرصفة، العبارات الصندوقية وغيرها. وتشكل المخصصات للبنية التحتية ما نسبته اثنا عشر بالمائة من الموازنة المقدرة بأربعمائة وستة وثلاثين مليون وستمائة وثلاثين ألف دينار أردني. لكن لا أحد يعرف أين يذهب كل ذلك أو ما فائدته، طالما أن المدينة قابلة للغرق!
يشار إلى أن سبعة عشر عضوًا، أي ما نسبته اثنان وأربعون بالمائة من عدد أعضاء مجلس الأمانة، طالبوا، أمين العاصمة رفع حصة البنية التحتية إلى سبعين مليون دينار، إضافة إلى مطالبات خلال جلسة مناقشة الموازنة بإيلاء أعمال البنية التحتية الأهمية العظمى نظرًا لحاجتها الماسة إلى التطوير. وتبلغ مساحة المدينة نحو ثمانمائة كيلومتر مربع، منها أربعون مليون متر مربع من الإسفلت، ويتواجد فيها نحو خمسة مليون مواطن ووافد وزائر في ساعات الذروة، وحوالي مليون وستمائة ألف مركبة ووسيلة نقل.
اقرأ/ي أيضًا: طريق عمّان ــ الشام.. وداعًا
حملات الكترونية اعتراضية
انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي حملات تدعو لإقالة أمين عمان عقل بلتاجي تحت وسم #بلتاجي_برا ، وأخرى تدعوا لتنفيذ وقفة احتجاجية أمام مبنى الأمانة الرئيسي للمطالبة بمحاسبة المسؤولين على تقصيرهم. من جهة أخرى عبر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عن آرائهم في الحالة الجوية من خلال وسم #عمان_تغرق وتبادلوا الصور والفيديوهات التي تظهر غرق أماكن وشوارع في العاصمة.
اقرأ/ي أيضًا: الأسرى الأردنيون.. سيرة خذلان حكومي متعاقب
جانب من الطوفان