لا شك أن رحلة اللاجئين من الشرق إلى الغرب برًا أو بحرًا هي الأصعب في مشوارهم الطويل، في سعيهم نحو الاستقرار والحصول على مساحة ما من الأمن والأمان لمحاولة البدء من جديد. بعد الوصول، لم يخطر ببال أحدهم أن يقابل شخصًا عربيًا عنصريًا، قد حمل ضده أفكارًا مسبقة يحاربه من خلالها.
لا يخطر ببال اللاجئ أنه بعد رحلة الهروب سيقابل عربيًا عنصريًا، قد حمل ضده أفكار ًا مسبقة يحاربه من خلالها
لا يندرج هذا ضمن حوادث نادرة بل ربما كانت نتيجة متوقعة، بين لاجئ جديد ومهاجر قديم كسب ما كسب من تعليم وعمل وحصّل ما يريد تحصيله أمام من قدم لتوه، والذي يرى فيه الأخير شماعة أو ربما مادة نافعة لتشريح المجتمعات وظواهرها، غير أنه قد يتهمه بالطمع بسبب فكرة قدومه إلى بلدٍ أوروبي قبل حتى أن ينعم بتلك المكاسب إذا صحت التسمية.
اقرأ/ي أيضًا: "لاجئ".. لماذا يخافون التسمية؟
واحدة من هذه الإشكاليات التي قد تخلق حساسيات كبيرة وربما قطعية وتأزمًا بين مجموعة أفراد من بلدٍ واحد اجتمعوا في مكان آخر، وهي واحدة من الصعوبات التي قد يواجهها كثيرون من القادمين الجدد، هي انتظار الأوراق القانونية والبدء بتعلم لغة جديدة ثم التعرف على نظام سوق العمل المعقد والضرائب والتأمين وغيرها الكثير من سلوكيات، بالإضافة إلى الانتظار الطويل للحصول على قرار الإقامة والذي قد تتجاوز مدته العام ونصف العام خاصة في الدول الإسكندنافية وألمانيا.
جل ما يفعله الوافد الجديد خلال تلك المدة هو التعود على أسلوب حياة جديد لم يكن معروفًا من قبل، بل كان محصورًا بروايات المهاجرين الأوائل الذين كانوا يزورون البلاد قبل الحرب بين الحين والآخر، ويسردون قصصهم حول ما سموه شقاء الغربة. أولئك ذاتهم ممن عانوا قبل اليوم من ذلك الشقاء. منهم من وقف موقفًا سلبيًا إزاء موجة اللاجئين الأخيرة وتبنوا خطابات تقارب خطابات اليمين المتطرف المتخوفة من اللاجئين.
أتذكر عندما قابلت سيدة سورية في مركز المدينة وأردت أن أسجل رقمها على هاتفي، أنها باغتتني بتوبيخ انتهى بيني وبينها بالقطيعة الفورية حتى قبل تسجيل الرقم وحفظه، حين استغربت نوع هاتفي الحديث واستغربت معه أن يكون بحوذة هؤلاء اللاجئين هواتف ذكية وأجهزة لوحية، معتقدةً بأن في ذلك نوعًا من النصب والاحتيال بحق الدولة المستضيفة. ليكون نقاش سطحيّ مثل هذا يدور حول حق حاملي الأجهزة الذكية بتقديم اللجوء أم لا؟.
"لماذا تطلبون اللجوء وأنتم قادرون على العمل؟" واحد من مجموعة أسئلة يطرحها الكثير من المهاجرين العرب على طالبي اللجوء، في محاولة استفسار حول من يحق له أكثر من غيره، وتعرج على التبخيس بحق طالبي اللجوء، مفسرين بشكل بدائي ارتباط القدرة على العمل بطلب الحماية أو انتظار الموافقة على الإقامة، لتشكل مثل هذه الأفكار المتشنجة تصادمًا بين نوعين من التجارب أحدهما لا يلغي الآخر ولكل منهما ظروفه وإشكالياته.
"لماذا تطلبون اللجوء وأنتم قادرون على العمل؟"، واحد من مجموعة أسئلة يطرحها الكثير من المهاجرين العرب على طالبي اللجوء
اقرأ/ي أيضًا: منازل لا تشبه منازلنا..
واحدة من أكثر الأمور التي أثارت استغراب كثيرين حين تم تداول مقابلة صحفية أجرتها جريدة "دي فيلت" الألمانية مع البروفيسور بسام طيبي وهو خبير ألماني في العلوم السياسية من أصل سوري. أجاب بسام الطيبي على سؤال إشكالي حول إن كان قد تحدث إلى السوريين عند قدومهم فقال: "بالتأكيد لقد تحدثت مع الكثير من اللاجئين في السنوات الماضية في غوتنغن وفرانكفورت وبرلين وميونخ. واستطعت أن أميز من لهجتهم أن أغلبهم ريفيون وليسوا من المدينة، والعديد منهم معادٍ للسامية. لقد تخليت عن هذه الثقافة، ومن بين من تحدثت إليهم لم يكن هناك طبيب واحد أو مهندس".
كما وقد حذر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من خلال رسالة وجهها لها سابقًا من سياسة الباب المفتوح للاجئين معتبرًا أنه من غير الممكن إعادة تأهيل وتثقيف مئات الآلاف ممن لا يعرفون شيئًا عن الديمقراطية والمسؤولية.
استغلت وسائل إعلام اليمين المتطرف الأوروبية وأخرى مناهضة للاجئين هذا الخطاب واعتمدته وتداولته على اعتبار أنه يدعم مقولة وشهد شاهدٌ من أهله. ليُؤخذ على هؤلاء اللاجئين تحصيلهم العلمي وشهاداتهم ومستواهم التعليمي، وتنسى تلك الرحلة المهلكة للفرار من جحيم الحرب.
كما أن هناك مسحًا أجرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يفضي إلى أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى اليونان بين نيسان/إبريل وأيلول/سبتمبر من عام 2015 كانوا من المتعلمين، كما أن معظمهم حاصل على شهادة الثانوية أو شهادة جامعية. ووفقًا لتقديرات الجمعية الطبية الألمانية عام 2015 يعمل نحو 1500 طبيب سوري حاليًا في ألمانيا، ومن المحتمل أن يكون هذا الرقم قد تضاعف مؤخرًا.
إحدى العائلات السورية التي انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ 20 عامًا، قامت بالتصويت لصالح الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، حيث قالت العائلة لشبكة NBC الأمريكية إنها صوتت لترامب في الانتخابات لأنها تتفهم جيدًا محاولاته لحماية البلاد من التعرض للخطر. حماية البلاد من الخطر شملت تلك العائلة التي حرمت من لم شمل بقية أفرادها وتم ترحيل بعضهم من فيلادلفيا بعد القرار التنفيذي الذي أصدره ترامب بمنع مواطني إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن من السفر إلى الولايات المتحدة، كما فرض الحظر على استقبال اللاجئين السوريين.
بين البروفيسور بسام الطيبي وهذه العائلة هناك حالات أخرى اتخذت موقفًا سلبيًا تجاه اللاجئين، الذين ربما لا نستطيع حصر مشاكلهم في المجتمعات الجديدة، ولكن يمكن اعتبار مسألة التهميش والإلغاء هذه واحدة من الأعباء الإضافية التي قد تكون مؤثرة وصادمة على اللاجئين السوريين وغيرهم.
اقرأ/ي أيضًا: