صدرت حديثًا عن دار (الكتاب الجديد) الترجمة العربية لكتاب الفيلسوف الفرنسيّ جان غريش معنون بـ"العوسج المُلتهب وأنوار العقل: ابتكار فلسفة الدين" في 4 مجلّدات حملت العناوين الـ3 الفرعية التالية: "إرث القرن التاسع عشر وورثته" (نقلهُ إلى لغة الضاد محمد علي مقلد)، "المقاربات الظاهراتية والتحليلية"، و"النموذج الإبدالي الهيرمينوطيقي"، ترجمهما عزّ العرب لحكيم بناني، وراجعهما، بالإضافة إلى المجلّد الأوّل، مشير باسيل عون.
يقع عمل جان غريش الأخير في 4 مجلدات توزعت على 3 عناوين لتتناول ابتكار فلسفة الدين بمقاربات متنوعة وقتيًا ومنهجيًا
يُحاول الفيلسوف الفرنسيّ في كتابه هذا أن يضع في أيدي القرّاء دراسة تحليلية مُتكاملة عن نشأة "فلسفة الدين"، دون أن يُغفل في إعداده لها ما يجعل منها دراسة يشوبها النقص، مُحاولًا في الوقت ذاته أن يجعلها دراسة موسوعية قدر الإمكان بحيث تتناول جميع التفاصيل المُحيطة بالفكرة الرئيسية للكتاب.
اقرأ/ي أيضًا: الميتافيزيقيا إن صارت علمًا
هكذا، سيقودهُ مسعاه إلى دراسة الظروف التي قادت إلى ابتكار ما يُسمّى بـ "تدبير الدين"، وهو مُصطلح يُعرّفه بأنّه يُعبّر عن تخصّص فلسفيّ ظهر قبل قرنين تقريبًا، بهدف دراسة التفكير في الدين في تجلّياته الكبرى والمُختلفة على حدٍّ سواء، قبل الانتقال إلى توضيح معنى الديانات المُلهمة كنتيجة طبيعية لا بدّ من الوصول إليها أثناء دراسة هذا التخصّص والبحث في تاريخه.
يرى غريش في توضيح معنى الديانات المُلهمة بديلًا عن عملية استحداث تطوّر فلسفيّ مُصطنع للدين، باعتبار أنّ العملية الأخيرة لا تقود الكاتب/ الباحث إلى دراسة التجلّيات الفردية والجماعية للدين، مثل الطقوس والمعتقدات والمواقف الروحية، وهي الدراسة التي يُنظر إليها باعتبارها بوابة للانتقال نحو فحص المقولات الذهنية والمنطقية الخطابية التي أدّت إلى نشأتها، التجلّيات، ومن ثمّ ظهورها.
كما لم يغفل جان غريش هنا، في غمرة انشغاله بدراسة هذه التجلّيات، مراعاة مُعطيات تاريخ الأديان التي تستدعي بدورها، وبالضرورة، دمجها داخل تفكير قابل للانفتاح في أفقه الواسع على معنى التاريخ الكلّي.
يُقدّم المؤلّف في "العوسج المُلتهب وأنوار العقل" شرحًا سريعًا لمعنى مفردة "ابتكار" في سياقها المكانيّ وباعتبارها مُفردة سابقة لمصطلح "تدبير الدين"، جاءت تحتمل، وبطبيعة الحال، دلالة مزدوجة استعرضها غريش تمهيدًا لتزويد القارئ بعرض تاريخيّ للمثّلين الكبار والأوائل لهذا التخصّص الذي يحضر في سياق حضور فلسفات الدين التي أخذ على عاتقه التعريف بالنماذج الإبدالية للعقل، والتي تحكّمت بها، أي فلسفات الدين المُهيمنة، من وقت إيمانويل كانت إلى مطلع القرن الحادي والعشرين.
في المُقابل، يدرس الكتاب الأفكار التي تبلورت داخل مدرسة ظاهرانية إدموند هوسرل، بموازاة دراسته للأفكار التحليلية العائدة إلى الفيلسوف النمساوي لودفيفغ فيتغنشتاين، قبل أن ينتقل إلى البحث في القضايا الكبرى التي جاء بها فهم الخطاب الدينيّ إلى العقل الفلسفيّ.
لم يتوانى جان غريش عن توضيح الأسباب التي دفعت إلى اللجوء لنموذج بدالي جديد للعقل، والمقصود هنا هو النموذج الهيرمينوطيقي الذي حصل على ترجمته الفلسفية خلال القرن العشرين عبر أعمال عدد من الأسماء الفلسفية البارزة، مثل ديلتاي وغادامير وهايدغر وريكور.
وكان الفيلسوف الفرنسيّ قد أخضع ما قدّمته هذه الأسماء من إسهامات فلسفية، خاصةً تلك المعنية بتجديد فلسفة الدين، إلى دراسة وفحص عميقان، متوسّلًا، وكما ورد في مقدّمة المجلّد الثالث، مقابلتها بالإرث الثلاثيّ كما تمثّل في فلسفات: الحياة (برغسون)، والتفكّر (نابير) والوجود (ياسبرز).
اقرأ/ي أيضًا: