حوّل الرئيس اللبناني ميشال عون تفصيلًا صغيرًا إلى "إعلان" سياسي لا هدف منه إلا "البروباغندا". فبعد إطلالته في القصر الرئاسي، بدا أكثر ثقة وهو يتوجه إلى "شعب لبنان العظيم"، بعد أن استبدل بمرسوم رئاسي تسمية قصر بعبدا بـ"بيت الشعب". حيث علت واجهة القصر، لافتة ضخمة، دّون عليها: "بيت الشعب". وهي محاولة استقطبت جدلًا حولها في الأوساط السياسية، الذين رأوا أن العهد الجديد يحاول "جس" نبض الشارع، بما يشبه حملة دعائية، ستفشلها مرحلة الوعود.
ما ألف عون استخدامه في عرفه السياسي على مدى 26 عامًا، كان مجرد خطاب سياسي لا يعدو عن كونه "كلام" في البدء. أي بداية عهده الرئاسي، الذي تحيطه أجواء "توافقية"، يبدو أن ثقلها صار حمولة متعبة على سعد الحريري الذي كلف رسميًا بتأليف الحكومة العتيدة. ويحاول التقرب من حزب الله، الذي لم يسمّه إلى رئاسة الحكومة.
حوّل ميشال عون تسمية قصر بعبدا إلى "بيت الشعب" في محاولة لجس نبض الشارع في العهد الجديد
لكن الخطاب الرئاسي الأول، حمل انطباعات عدة. إذ تحدث عون بلهجة مغايرة، عما كان عليه في رئاسة "تكتل التغيير والاصلاح". خرج خطابه عن أي اصطفاف وتحدّث بمبادئ رئيس الدولة المستقل عن أي طرف داخلي أو دولة خارجية. إذ أكد أن "أي رأس لن يستطيع أن يخرق الدستور من الآن فصاعدًا، والفساد سيُستأصل، وستعود البيئة نظيفة مهما كلف الأمر". واستشهد بقول الكاتب والصحافي ميشال شيحا: "من يحاول السيطرة على طائفة يحاول إلغاء لبنان".
وقال عون في كلمته المرتجلة "أن وصولنا إلى رئاسة الجمهورية ليس الهدف، بل الهدف هو بنيان وطن قوي يحتاج إلى دولة قوية تبنى على دستور يحترمه السياسيون". مستعيدًا لحظة خروجه تحت سلاح الجيش السوري، من قصر بعبدا هربًا إلى السفارة الفرنسية في العام 1990. موضحًا: "خروجنا من هذا المكان لم يكن مذلًّا. لقد خسرنا المعركة ولم نسحق. بقينا واقفين ورأسنا مرفوع. إن وصولنا إلى رئاسة الجمهورية ليس الهدف، بل الهدف أن نبدأ بناء وطن قوي عبر تعزيز وحدته الوطنية. إن الوطن القوي يحتاج إلى دولة قوية تبنى على دستور يحترمه السياسيون جميعًا، و"ما في راس رح يخرق سقف الدستور من الآن فصاعدًا".
وأضاف: "لن نكون مرهونين لأي بلد آخر. وأهم ما لدينا هو أنه يمكننا تدبر شؤوننا ونتعامل مع الآخرين بصداقة ومحبة. إن الفساد سيستأصل، وستعود البيئة نظيفة مهما كلف الأمر".
اقرأ/ي: عون يسد الفراغ الرئاسي ونصر الله رئيسًا للبنان
وفي سياق متصل، بدت الاستشارات الوزارية التي بدأها الحريري "حامية". وأبرز ما جاء فيها، التحية التي أرسلها الحريري إلى حسن نصر الله، بعد لقائه وفدًا من كتلة "الوفاء للمقاومة". كان اللقاء مع الكتلة هو البارز ومغازلة الحريري لنصر الله، فسرت في أكثر من اتجاه، وربما هي محاولة منه لتجنب "معارضة" الحزب للحكومة القادمة.
لم يخل اللقاء بين كتلة "الوفاء" والحريري من المصارحة، لكنها كانت المصارحة المبطّنة. هي أولويات أربع طالبت بها الكتلة: تأليف الحكومة سريعًا، وضع قانون انتخاب جديد وإجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، العمل على الاستقرار الأمني، والاهتمام بالأمور المعيشية. أما في ما يخص الحقائب، فقد أبقى "حزب الله" نفسه بعيدًا عن عملية التوزيع، وكرّر رئيس الكتلة النائب محمد رعد أمام الحريري قول السيّد إن "الرئيس نبيه بري هو المكلف للتفاوض في هذا الشأن".
بهذه الخلاصات، أنهت الكتلة اللقاء مع الحريري. وأنهى الرئيس المكلف استشاراته الرسمية - البروتوكولية، ليبدأ من الآن جولة اتصالات واستشارات جدية تؤدي إلى تأليف الحكومة سريعًا.
استهل الحريري توزيع المجاملات بالجملة منذ تكليفه بالتشكيل الوزاري، وكثفها تجاه حزب الله وأمل!
الحريري، وعلى الرغم من "زحمة" المطالب التي سمعها خلال يومي الاستشارات، لا يزال متفائلًا، وهو تحدث أمام الصحافيين، قائلًا: "اللبنانيون يريدون حكومة تبدأ العمل فورًا، وهذه إرادتنا جميعًا كمسؤولين وكقوى سياسية. هناك تعاون كبير جدًا بين الرئيس بري وبيني وبيننا وبين الرئيس ميشال عون. الجميع يريد تشكيل حكومة سريعًا. أعرف أن الجميع يريد أن يسأل إذا كانت قوى سياسية كثيرة طالبت بحقائب سيادية. هذا أمر طبيعي، لأن الاستشارات مبنية على أن تأتي كل الكتل النيابية لتطلب ما تريد. وبعد ذلك سأجتمع مع الرئيس عون لتشكيل هذه الحكومة".
وفيما لا تزال العقد حول توزيع الحقائب السيادية الأربع وحول الشهية المفتوحة والمتزايدة على وزارة المال، بدا لافتًا الكلام المقتضب الذي قاله رعد بعد الاستشارات: "نؤكد أهمية أن تكون الحكومة على أولوية الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين ثم بتعزيز الوضع الأمني والاستقرار وما يحتاج إلى موجات دعم، وأيضًا التشديد على قانون انتخاب جديد".
اقرأ/ي أيضًا:
برلمان "مريام كلينك" ينتخب الجنرال