يُسمّي الجزائريون عيد الفطر "العيد الصّغير"، فيما يُسمّون عيد الأضحى "العيد الكبير". ولئن كان اهتمامهم يتوجّه في العيد الكبير إلى توفير الأضحية، إذ السّائد ألا يحول سبب من الأسباب دون توفيرها، فإنّ اهتمامهم في العيد الصّغير يتوجّه إلى توفير الحلويات وكسوة الأطفال.
يتركز اهتمام الجزائريين في عيد الفطر على توفير الحلويات والكسوة الجديدة للأطفال
"لكثرة الاهتمام الشّعبي بالإعداد لرمضان، فإننا نستطيع اعتبار الأسبوع الذي يسبقه شطرًا منه، ولكثرة الاهتمام بالإعداد للعيد، فإنّ الأسبوع الأخير قبله يكاد يكون شطرًا من العيد. بل إنّ الإعداد له يبدأ في منتصف شهر الصّيام، يسمّى "النّصفية". إذ تخفّف الأسرة من الإنفاق على الأكل والشّرب، فتتوجّه إلى بساطة الأطباق، توفيرًا للمال الذي يُخصّص لنفقات العيد"، تقول المعلّمة المتقاعدة حدّة كرناني.
اقرأ/ي أيضًا: أجواء عيد الفطر في المغرب.. حلويات وملابس تقليدية
وتضيف: "عادة ما تتحكّم مراعاة النظرة الاجتماعية في حرص الأسرة الجزائرية على الإعداد الجيّد للعيد الصّغير، خاصّة عند النّساء. فهنّ يقلن إنّه لا أحد يرى ما نأكل ونشرب على مائدتي الإفطار والسّحور، في رمضان، لكنّ النّاس جميعًا يرون ما يلبس صغارنا في العيد. كما أن حلوياتنا تكون في متناول أعين وأفواه الجيران والأقارب".
تبقى المحالّ المتخصّصة في بيع الموادّ المتعلّقة بصناعة الحلويات في حالة ركود، طيلة الأيام العشرين الأولى من رمضان، حتى إذا دخلت العشر الأواخر منه انتعشت وعوّضت ما فاتها. ذلك أنّها الفترة التي تتهافت الجزائريات فيها على اقتناء ما يلزمهنّ للتفنّن في صناعة حلويات العيد. تقول سعيدة. م، وهي طالبة جامعية، إنّ الأمر كان يقتصر في السّابق على إعداد الحلويات التقليدية، مثل المقروط والغريبية والقطايف والبقلاوة، "لكن مع انضمام الجيل الجديد من الفتيات إلى المطبخ، وهنّ المتابعات الجيّدات لجديد الحلوى في العالم، من خلال الكتب والفضائيات المتخصّصة في الطبخ، فقد باتت حلوى العيد في الجزائر متنوّعة ومختلفة، وبات سائدًا أنّه من العيب أن يتمّ الاكتفاء بنوع واحد فقط، أو بالأنواع التقليدية، وهو معطى منتشر في القرية والمدينة معًا".
ويبدو أنّ الواقع الاقتصادي الصّعب، الذي بات التقشّف عنوانه حكوميًا وشعبيًا، في ظلّ الهبوط الصّارخ لأسعار النفط الذي يشكّل 98 في المائة من مداخيل البلاد، بدأ يتدخل في وضع حدّ لما تعوّد عليه الجزائريون من راحة ويسر في الإعداد لعيدهم. يقول المعلّم عبد القادر العربي لـ"الترا صوت" إنّ الأمر لا يتعلّق بتوفير المال لإنفاقه في حاجيات أكثر أولوية فقط، بل بارتفاع أسعار الأغراض والمواد التي تدخل في الاحتفال بالعيد أيضًا، "لقد بدأ الجزائري يتساهل في التخلّي عن بعض عاداته وطقوسه، تحت الضّغط المالي، بل إنّه بدأ يتصالح مع عجزه الجديد، بالقول إنّ ما كان يقوم به في السّابق تبذير غير مبرّر".
بدأ الجزائري يتساهل في التخلّي عن بعض عاداته وطقوسه في العيد تحت الضّغط المالي، بل إنّه صار يعترف بأن ما كان يقوم به تبذير
يقارن صاحب مخبزة متخصّصة في صناعة الحلويات، في مدينة بومرداس، 60 كيلومترًا إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، بين سلوك الجزائريات خلال هذا الموسم والمواسم السابقة بالقول: "كنت أتلقّى طلبات بحجز الفرن، لإنضاج حلويات العيد الصّغير، قبل رمضان أصلًا، فمن العادة أن تعدّ السيّدات حلوياتهنّ في البيوت وينضجنها في المخابز، فبات الأمر خلال هذا الموسم شبه غائب، إذ نزلت الطلبات إلى العشر".
اقرأ/ي أيضًا: 7 ملاحظات على تهاني العيد
يفسّر الظاهرة: "لقد بتن يستعملن الأفران الذاتية توفيرًا للمال، كما بات قطاع واسع من الجزائريات يشترين الحلوى جاهزة، فذلك يكلّفهنّ أقلّ بكثير من شراء موادّها الخام وإعدادها في البيوت وإنضاجها في المخابز". ويكشف الخبّاز الجزائري: "أمام هذا الإقبال المحتشم، اضطررت إلى منح عطلة لنصف عمّالي، وقد كنت أستنجد بعمّال إضافيين مؤقتين في السّابق".
سألنا إحدى زبوناته عن الأمر، فوافقت على قوله. "لديّ ثلاث بنات يحسنّ صناعة الحلوى، فكنت أتولّى أنا إعداد التقليدية منها، ويتولّين هنّ إعداد الحلويات العصرية، مستعيناتٍ بوصفاتٍ يستخرجنها من الأنترنيت. أمّا هذا الموسم، فقد قرّرنا أن نشتري نوعًا واحدًا وجاهزًا من الخبّاز". تبرّر هذا التوجّه بالقول: "رأينا أنّ الأولوية لكسوة الأطفال، إذ من الصّعب إقناعهم بضرورة التقشّف والاكتفاء بما يتوفّر لديهم من ألبسة، ولمصاريف العطلة الصّيفية، وبعدها بشهرين مصاريف العيد الكبير والدّخول المدرسي".
ويعترف العم عمّار بأنّه كان لا يعارض تنويع حلوى العيد، ويعمل على تمويل الأمر من غير نقاش، "فهي من مظاهر الفرح العائلي والاحتفاء بيوم خاصّ في عرف المسلمين، وعادة ما تجمع شملًا فرّقته الظروف"، لكنّه رفض أن يفعل ذلك هذا العام، "حتى لا تختلّ ميزانية البيت بعد العيد مباشرة، وحتى أعوّد أسرتي على أن تتعامل مع وضعها حسب إمكانياتها المتاحة". يختم: "الرّئيس نفسه قال إنّ الأزمة النّفطية لن تحلّ قريبًا".
سمح هذا الواقع للحلويات التقليدية، التي تكاد تذهب ضحية منافسة الحلويات العصرية لها في الفضاء الجزائري، بأن تعود إلى الواجهة. والسّبب، بحسب الجامعي والفنّان نذير محمدي، انخفاض تكاليفها وقابليتها لأن تجهز في البيت، "فحلوى المقروط مثلًا، لا تكلّف إلا كمية بسيطة من السّميد والزّيت والتّمر المعجون". يضيف: "من جهتي، أثمّن الأمر لأنّه ينتشل حلوياتنا التّقليدية من الاختفاء، ويعلّم أسرنا ترشيد النفقات، بعد سنوات من التبذير أملاها ارتفاع أسعار البترول".
اقرأ/ي أيضًا: