كان يعد أبرز تجليات الحصار المفروض على قطاع غزة، بالنسبة لشخص مثقف أو كاتب أو أديب، هو الحرمان من اشتمام رائحة الكتب الجديدة التي كانت تجلبها المكتبات عبر المعابر. فالأشخاص الذين تربطهم علاقة صداقة بالكتب على اعتبارها خير جليس في كل الأزمان، وافتقدوها، قد يعدوا الأكثر تأثرًا بالحصار من غيرهم من عامة الناس.
على الكُتّاب في غزة تحدي الحالة الشعورية القائمة على الخوف من هدير الطائرات وخيام التشريد والكتابة في الحب
في سنوات الحصار الأولى كانت اللهفة قاتلة للاجتماع مع كتاب جديد على منضدة واحدة، حتى بدأ يستعيض البعض عن ذلك بالكتاب الإلكتروني، لكن السيئ في الأمر هو أن هذا الكتاب غالبًا ما يكون قديمًا نسبيًا، لأن الإصدارات الحديثة بحاجة إلى شخص مقتدر لديه بطاقة ائتمان لاقتنائها، وجرت العادة أن المولعين بالقراءة هم ضعاف دخل.
فضلاً عن ذلك، فإن الكثير من القراء لديهم عادة قراءة الكتب الورقية، وبالتالي وجدوا صعوبة في بداية التعامل مع الكتاب الإلكتروني، وهنا أتحدث عن عادة غير مقتصرة على قراء غزة فحسب، وإنما هو طبع القراء عمومًا.
اقرأ/ي أيضَا: كيف تكتب تراجيديا متقنة؟
ولكن الطفرة التي أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن تجاهلها، فهي استطاعت أن تخلق فرصًا للمهتمين بأن يتابعوا كتابهم عبر حساباتهم الشخصية وصفحاتهم العامة أيضًا، وبالتالي تمكنوا من مطالعة الكتب حديثة النشر والعناوين المميزة بل والاحتفاظ بمقتطفات من هذا الكتاب أو ذاك.
ومما لا شك فيه أن القراء الفلسطينيين استطاعوا كنظرائهم على مستوى العالم العربي، الاستفادة من هذه الظاهرة التي أبرزت طاقات شابة لديها حس مرهف في الكتابة وأسلوبًا راقيًا يتسم بالحيوية، خصوصًا الكتاب السوريون الذين أبدعوا في تصوير الحالة المتردية التي وصل إليها المجتمع السوري بفعل الثورة.
الأمر تعدى أيضًا مستوى الاهتمام بالطاقات الإبداعية الناشئة، بل وخلق لدينا فرصًا كفلسطينيين لكي نستغل هذه النافذة (مواقع التواصل الاجتماعي) للظهور إلى العالم، عبر الكتاب الجدد الذين أحدث بعضهم طفرة على صعيد الكتابة الإبداعية في الأدب والنقد وغيره.
غير أننا لا نزال قاصرين نسبيًا عن توصيل رسالة هذا الشعب الذي يرزح تحت الحصار للسنة العاشرة على التوالي، من خلال الأدب. ولابد أن نعترف أننا أغدقنا في وصف الحرب دون أن نعير الحب اهتمامًا، مثلما أبرزت ذلك الكاتبة السورية وداد نبي في إصدارها الأخير (ظهيرة حب، ظهيرة حرب)، أو كما صنعت مثلًا الكاتبة اليمنية ريم مجاهد في نص (اختلاء).
لا يزال الكاتب في غزة قاصرًا نسبيًا عن إيصال رسالة من يرزح تحت الحصار للسنة العاشرة على التوالي، من خلال الأدب
اقرأ/ي أيضَا: مهرجان القصيدة السورية الأول في ألمانيا
صحيح أن الكاتبة الفلسطينية هداية شمعون، قد اجتهدت في تقديم نموذج مشابه لما قدمه نظراؤها العرب، في إصدارها (الحب لك.. الحرب لي)، لكن ذلك ليس كافيًا، وبالتالي كان من الأهمية بمكان، أن نعطي الحب حقه في الحالة الثقافية التي بدأت تتشكل حديثًا رغم كل تعقيدات الحصار، وتشق طريقها بين الركام وعلى أنقاض الموروث الاجتماعي والثقافي القائم على العيب.
وهذا المقال، هو بمثابة دعوة للكتاب والمثقفين لأن يمنحوا كل مكونات الحالة الثقافية الفلسطينية حقها، لأننا كغيرنا من الشعوب تواقون إلى الحب والحرية، ومثلما كان للقراء المقدرة على تحدي الحصار من خلال القراءة الإلكترونية، فإن على الكُتّاب تحدي الحالة الشعورية القائمة على الخوف من هدير الطائرات وخيام التشريد وتكرار المآسي، والكتابة في الحب أيضًا من خلال تقديم حالة يمكن أن نفاخر بها.
اقرأ/ي أيضَا: