لماذا لم يعد النمو الاقتصادي مرتبطًا بانخفاض أسعار النفط في الولايات المتحدة؟ وما تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي؟، التقرير التالي من "أويل برايس" يحاول شرح الأسباب التي أدت لذلك.
___
كان المعتاد عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد العالمي أن أسعار النفط والنمو الاقتصادي كانا أشبه بابني عمومة بعيدي القرابة يكرهان بعضهما البعض بدلًا من أن يكونا زوجان سعيدان يداعبان بعضهما البعض أمام الملأ. كانت الحكمة السائدة هي أن أسعار النفط المنخفضة جيدة للاقتصاد ككل حتى إن كانت سيئة بالنسبة لقطاع النفط وللبلدان التي تعتمد بشدة على النفط في دخلها.
الديْن ليس شيئًا سيئًا بالضرورة إذا استخدمه المرء للاستثمار في شيءٍ سوف ينتج سلعًا أو خدمات بدلًا من مجرد الاستهلاك
كان ذلك ما اعتقده الكثيرون عندما تنبأوا بأنه على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط والطفرة النفطية المصاحبة كانا جزءًا من الأساس الذي قام عليه التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة بعد الأزمة المالية عام 2008، إلا أن أسعار النفط المتوازنة نوعًا ما الآن سوف تجلب تعافيًا أسرع، كما أن الأسعار المنخفضة سوف تفيد بقية العالم كذلك.
اقرأ/ي أيضًا: تفاصيل الاستهلاك العالمي للطاقة في 2015
اليوم، بينما ينخفض سعر النفط مجددًا إلى نطاق 40 دولارًا ويتزامن ذلك مع ضعف النمو الاقتصادي، يجب علينا إعادة التقييم. انخفض النمو الاقتصادي الأمريكي بشدة بعد أن بدأت أسعار النفط في الانخفاض في 2014. في الأسبوع الماضي فقط، اتضح أن النمو الأمريكي للربع الثاني من عام 2016 بلغ 1.2% (على أساسٍ سنوي)، وهو أقل من نصف النمو المتوقع البالغ 2.5%. أولًا، تم تنقيح نمو الربع الأول لينخفض إلى 0.8% بعد أن كان التقدير السابق له 1.1%. يعد هذا انخفاضًا كبيرًا مقارنةً بذروةٍ وصلت إلى 5% للربع الثالث من 2014، وهو الربع الأخير الذي كانت أسعار النفط فيه تتجاوز 100 دولار.
بدلًا من أن يتسارع النمو الاقتصادي العالمي فقد تباطأ قليلًا من 2.6% في 2014 إلى 2.5% في 2015، حسب بيانات البنك الدولي.
هناك أسبابٌ عدة للنمو أقل من المتوسط للاقتصاد العالمي منذ الركود الكبير. ساعد متوسط الأسعار اليومية القياسي للنفط للسنوات الأربع بدايةً من 2011 حتى 2014 على استنزاف قوة الاقتصاد العالمي عبر شفط الأموال من اقتصاد المجالات الأخرى خلاف الطاقة.
من بين الأسباب الأخرى، يعد السبب الأهم هو التراكم الكبير للديْن الخاص والعام والذي قد يكون يعوق النمو عبر شفط الأموال من الاستهلاك والاستثمار إلى خدمة الديْن. في الربع الأول من هذا العام، سجل النمو الائتماني الأمريكي 644.9 مليار دولار. كان نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 64.7 مليار دولار. تطلب الأمر 10 دولارات من النمو الائتماني لكل دولارٍ من نمو الناتج المحلي. لقد كان هناك وقتٌ في الماضي البعيد كانت فيه النسبة 1 إلى 1.
كان النمو الائتماني الصيني ضعف نمو الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الماضي.
الديْن ليس شيئًا سيئًا بالضرورة إذا استخدمه المرء للاستثمار في شيءٍ سوف ينتج سلعًا أو خدمات بدلًا من مجرد الاستهلاك. لكن أغلب ديوننا كانت من أجل الاستهلاك تحديدًا. ذلك ليس بالضرورة سيئًا أيضًا إذا كنا كأفراد أو دول أو مجتمعٍ عالمي نستطيع تحمل تكلفة خدمة ذلك الدين. لكن هناك مستوىً لا نستطيع تحمله وهو يعيق النمو. للحصول على فهمٍ أفضل لكيفية تأثير الدين على النمو الاقتصادي حول العالم، يمكنك الاستماع للاقتصادي ستيف كين وهو يشرح سبب أهمية الدين وكيف يؤثر معدل خلق الائتمان على النمو. قد تحتاج إلى الاستماع إليه مرتين لتستوعب الأمر بشكلٍ كامل.
لكن دعونا الآن ننظر إلى ما هو أبعد، إلى العلاقة بين الدين والطاقة لاكتشاف المزيد بشأن لماذا تبدو أسعار النفط أكثر ارتباطًا بكثير بصحة الاقتصاد ككل عما سبق.
أولًا، يظل النفط مصدر الطاقة الرئيسي للاقتصاد العالمي، وهو ضروري بصفةٍ خاصة كوقودٍ لوسائل النقل. يوفر النفط 33% من إجمالي الطاقة المستهلكة حسب استعراض BP الإحصائي للطاقة العالمية.
ثانيًا، قاد سعينا الحثيث نحو مصادر جديدة للنفط إلى طفرةٍ يغذيها الدين في الولايات المتحدة، دين تستخدمه شركات الحفر للوصول إلى رواسب الطفل الصفحي العميقة وتحرير النفط الموجود بها من خلال نسخة جديدة من التكسير الهيدروليكي تدعى التكسير الهيدروليكي باستخدام كمياتٍ كبيرة من المياه الانسيابية high-volume slickwater hydraulic fracturing.
الطاقة الرخيصة كانت حجر أساس نمو الاقتصاد الصناعي. طالما ظلت الطاقة رخيصة، يمكننا النمو بمعدلٍ سريعٍ نسبيًا
اقرأ/ي أيضًا: ترامب وبوتين..أكثر من مجرد إعجاب
اتضح أن أسعار النفط المنخفضة الحالية تجعل تلك الرواسب غير مربحة في أغلبها مما أدى إلى الانخفاض المستمر للإنتاج. الكثير من شركات الحفر التي كانت تحلق عاليًا خلال الطفرة هي الآن مفلسة أو تتجه نحو الإفلاس.
الديْن، وهو ما يجب تذكره دومًا، هو ببساطة طريقة لجلب ما سوف يكون استهلاكًا مستقبليًا إلى الحاضر. لقد جلبنا استهلاك طاقة من المستقبل إلى الحاضر بالديْن من خلال طفرة التكسير في الولايات المتحدة وإلى حدٍ ما الطفرة في الرمال النفطية في كندا. كما قمنا أيضًا بنقل استهلاك الكثير للغاية من الموارد الطبيعية الأخرى والسلع تامة الصنع من المستقبل إلى الحاضر من خلال التوسع الكبير للدين الخاص والعام.
رغم ذلك فنحن نواجه نموًا اقتصاديًا عالميًا أبطأ مما كان في الماضي رغم جهودنا المالية الهرقلية. التفسير البسيط هو أن الطاقة الرخيصة كانت حجر أساس نمو الاقتصاد الصناعي. طالما ظلت الطاقة رخيصة، يمكننا النمو بمعدلٍ سريعٍ نسبيًا. بمجرد أن تصبح مرتفعة الثمن، ينخفض النمو بالنسبة لأغلب قطاعات الاقتصاد بسبب إرسال المزيد والمزيد من الموارد إلى قطاع الطاقة.
حسب ذلك المنطق إذن، كان من المفترض أن توفر أسعار اليوم المنخفضة حافزًا قويًا للاقتصاد العالمي. لماذا لا نشعر به؟ ستكون الإجابة القصيرة هي أن الديْن الذي راكمناه للحصول على طاقةٍ مرتفعة الثمن خلال فترةٍ شهدت أسعار طاقة مرتفعة ومتصاعدة على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية يعيق النمو الاقتصادي. نحن نمر بأثر الثمالة.
يتجلى أثر الثمالة كنموٍ بطيء هو انعكاسٌ للصعوبة التي يلاقيها المستهلكون في الحفاظ على نمو إنفاقهم في عالمٍ مرتفع الدين. يعني هذا أن كل شيء بات تحمل تكلفته أكثر صعوبة، وقد قاد هذا إلى تباطؤٍ متنام للاقتصاد العالمي.
الآن، نصل للاكتشاف السيئ. إذا لم نعد كمجتمع قادرين على تحمل تكلفة النفط مرتفع الثمن -وهذا هو المتبقي للإقلاع بالطائرة- فإنه طالما ظل النفط مكون الطاقة الرئيسي لاقتصادنا، سوف نظل محاصرين داخل اقتصادٍ بطيء أو منعدم النمو حيث لا تستطيع أسعار النفط الارتفاع بما يكفي لجعل الحفر مجددًا في الرواسب مرتفعة الكلفة مربحًا؛ وعندما ترتفع الأسعار، فإنها ببساطة تعتصر الحياة من النمو الاقتصادي وترسل الاقتصاد مجددًا إلى حالة تعطل أو شبه تعطل. (شرحت جايل تفربرج هذه الظاهرة على مدونتها، عالمنا المحدود).
بدلًا من أن تكون علامةً لأشياء جيدة للاقتصاد ككل، تميل الآن أسعار النفط المتناقصة حديثًا للإشارة إلى اقتصادٍ متردٍ كان من الأصل في حالة ضعف. يتضح أن سعر النفط والاقتصاد على علاقةٍ وثيقةٍ للغاية الآن، وسوف نراهما معًا كثيرًا لوقتٍ طويل في المستقبل. لكنني لا أعتقد أن زواجهما سوف يكون الزواج السعيد الذي ألمحت إليه في بداية المقال.
اقرأ/ي أيضًا: