بعد تسعة أسابيع من مسيرات العودة التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 130 فلسطينيًا أعزل برصاص الاحتلال الإسرائيلي، لم تتلق إسرائيل تجاه جريمتها أكثر من "اللوم"، أما السفارة الأمريكية فانتقلت إلى القدس وتبعتها سفارتان لدولتين أخريين هما بارغواي ونيكاراغوا.
انحسرت القضية الفلسطينية بالنسبة للرسميات العربية بعد الثورات المضادة
وأعلنت إسرائيل الخميس المنصرم، عن مخطط بناء 2500 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، 1400 منها وُجه ببنائها فورًا، بحسب تغريدة لوزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان. لكن تراتبية الأحداث التي أنتجت وحدة فلسطينية أمام التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، تعيدنا إلى بدء مد الثورة المضادة في الوطن العربي، انطلاقًا من انقلاب عبد الفتاح السيسي وتسلمه للسلطة الفعلية في مصر، التي اعتادت أن تكون واجهة عربية وجبهة أمام إسرائيل، إلى التمدد السعودي في المنطقة، الذي ترافق مع ذلك، ومحاولة تشكيل دول سنية "معتدلة" ومتصالحة مع إسرائيل.
وقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في 3 كانون الأول/ ديسمبر 2017 عن تفاصيل "صفقة القرن" الشهيرة، التي جاءت على ما يبدو، تتويجًا لهذه التغيرات التي حلت في المنطقة. وقالت الصحيفة إن "ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التقى برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وعرض عليه أن تكون بلدة أبو ديس عاصمة لدولة فلسطين بدلًا من القدس، ووعده بإقامة دولة فلسطينية على أجزاء من الضفة الغربية وتوسيع غزة بمنحها أجزاءً من سيناء المصرية".
وأكد عباس رواية "صفقة القرن"، عندما قال "نحن لا نأخذ تعليمات من أحد ونقول لا لأي كان، إذا كان الأمر يتعلق بمصيرنا وقضيتنا وبلدنا وقضيتنا وشعبنا، لا وألف لا، لن نقبل مشروع ترامب أو تدخل دول عربية في شؤوننا".
اقرأ/ي أيضًا: #من_بغداد_إلى_القدس.. عراقيون مع فلسطين في العالم الافتراضي أيضًا
في تلك الأثناء، وبعد إعلان الرئيس الأمريكي عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، كان "محور الممانعة" المتمثل بإيران والأسد وحسن نصرالله، يوزع سيول التهديدات في كل الاتجاهات، ويؤكد أن هذه العملية لن تتم، وأن القدس ستبقى عاصمة لفلسطين.
وهاجم الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله المشروع السعودي الذي يجعل من "أبو ديس" عاصمة لفلسطين، معبرًا عن فخر لبنان بـ"إجماعنا الوطني حول القدس وحول فلسطين"، مطالبًا الأمة الإسلامية بـ"مواجهة المشروع الأمريكي".
وأضاف أن "المسؤولية لا تقع فقط على الشعب الفلسطيني، الصمود هو الحل. إذا رفضتم الخضوع للإملاءات الأمريكية وبعض العربية، إذا لم توقعوا على أي مشروع وأصريتم على القدس عاصمة أبدية لفلسطين ورفضتم كل عائلة أبو ديس، إذا رفضتم ذلك لا ترامب ولا كل العالم بإمكانه أن ينزع المقدسات والقدس".
لكن ترامب فعل، ولم يحرك نصرالله ساكنًا سوى أنه وجه خطابًا آخر يتهم به السعودية ودول التطبيع بالسكوت عن المشروع الإسرائيلي وتبريره شرعيًا، وطالب الشعب الفلسطيني الأعزل بالصمود.
أما السعودية، فقد أعلن ملكها سلمان بن عبد العزيز عن تسمية القمة العربية بـ"قمة القدس"، وشكره رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على ذلك قائلًا: "قبل أن أبدأ حديثي، أريد أن أوجه شكري وتقديري لما تحدث عنه الآن خادم الحرمين الشريفين في ما يتعلق باسم الدورة "الحالية للقمة العربية" أو المساعدات التي ستقدم للقدس"، ناسيًا أو متناسيًا العرض الذي وجه إليه من ولي العهد بخصوص أبو ديس.
وأشار الملك في كلمته الافتتاحية إلى القدس مرة واحدة، ثم واصل بقية كلامه عن حربه التي يخوضها في اليمن منذ 3 سنوات ضد الحوثيين المدعومين من إيران بحسب وصفه، وليبيا ثم عاد إلى إيران مجددًا، ليقتصر الحديث عن القدس بتصريح يتيم.
أشاد إسرائيليون بالتوافق مع السعودية بخصوص ملفات عدة
وكانت صحيفة إيلاف السعودية قد حاورت في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي لتفتح الباب لحملات علنية من التطبيع. وقال غادي أيزنكوت، بخصوص التوافق السعودي الإسرائيلي بشأن إيران: "هناك توافق تام بيننا وبين المملكة العربية السعودية والتي لم تكن يومًا من الأيام عدوة أو قاتلتنا أو قاتلناها، وأعتقد أن هناك توافقًا تامًا بيننا وبينهم فيما يتعلق بالمحور الإيراني"، مضيفًا أن "هناك الكثير من المصالح المشتركة بيننا وبين السعودية".
ثم عادت الصحيفة لتحاور وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في 26 نيسان/ أبريل الماضي. وقال الأخير لإيلاف، إن "هناك حوارًا مع دول عربية والأمور تسير في الاتجاه الصحيح، وثمة تفاهم على نحو 75 في المئة من الأمور".
ووفق هذا السياق، يبدو أن الطريق أمام إسرائيل للسيطرة على فلسطين كاملة، لا القدس وحدها، سالكة. ويبدو أن الرد الإيراني على الضربات الإسرائيلية لن يتكرر، والقرار السعودي الذي اشترى الزعامة العربية من مصر، لا ينطوي على رفض حقيقي للمشروع الإسرائيلي في فلسطين والمنطقة، ما دام أن السعودية وإسرائيل متوافقتين بشأن إيران والحد من نفوذها.
اقرأ/ي أيضًا:
رؤوس القائمة السوداء.. دولة أُخرى تفكر في نقل سفارتها بإسرائيل للقدس