تعالي نلعب لعبة الهدنة؛ قلت لها ذلك وانتصرت عليها، أو ربما انتصرت هي علي، في الحقيقة ذلك التفصيل غير مهم البتة؛ طالما أننا خلقنا هدنة عبثية واستطعنا تمرير الرسائل والحمام والنمل والقطط بين سوريين متجاورين، الهدنة بيننا كانت تحصيل حاصل إذ من الطبيعي ألا تستمر الحروب إلى الأبد.
نحن بحاجة التوقف لأخذ نفس يشبه ما يطلقون عيه تعبير استراحة المحارب، ألا يمكن أن نأخذ هذا النفس دون هدنة مثلًا؟
بهذه القناعة نستطيع خلق الكثير من الوداعة والتملّق، وبينهما نستطيع -وهذا هو المهم- أن نعيد ترتيب أوراقنا الداخلية؛ تمركز الجنود، استجرار الدعم المادي والمعنوي -لأني للأمانة لا أعرف ما معنى كلمة الدعم اللوجستي، لن أتقوّلها- أيضًا بين الوداعة والتمّلق سنكتشف مكامن الضعف والقوة، إنها (أقصد الهدنة) الوسيلة الأفضل للتحايل على الموت المعلن بموت مفاجئٍ.
اقرأ/ي أيضًا: الهدنة الروسية الأمريكية.. طبخة السم
في المرة الماضية -وكان ذلك منذ زمن- استمتعنا بالهدنة التي لم تنجح لأننا أعلنا على الملأ أننا لن نلتزمها، أعتقد أن القليل من زيادة الملح في الطعام كان وراء انثقاب الهدنة كما لو أنها صحيفة بيد مخبر خارج للتو من فيلم مصري قديم، إذن سيتجرأ أحدنا على تجاوز خطوطه الحمراء، كأن تتحجج هي بأن الأولاد يلعبون لعبة عنيفة وعليها أو عليّ أن أوقفهم ولو استلزم الأمر استعمال العصا، واستعمال العصي كما هو متفق عليه يخالف شروط الوداعة، أو أن أتحجج أنا بأن الجارة التي على الشرفة المجاورة لا تروقني فهي تراقب كل خطواتنا، وربما تتلصص علينا من ثقب المفتاح، وعليّ أن ألوّح لها لتكفّ عما تقترفه؛ فيتدخل زوجها معتبرًا إياي متحرشًا، وحينها سندخل في عراك قد يبدأ بالشتائم ولا ينتهي بإسقاط أكياس القمامة على كل من يمرّ بين بيتينا.
ما الحلّ إذن؟ فنحن بحاجة التوقف لأخذ نفس يشبه ما يطلقون عيه تعبير استراحة المحارب، ألا يمكن أن نأخذ هذا النفس ونستغرق به بعيدًا دون هدنة مثلًا، ونستمر في ذلك حتى القيامة؟ كان يمكن أن يحدث ذلك لولا تدخل الجيران والجارات وأشقائها وأشقائي والشقيقات من كلا الطرفين.
أما الآن فكما يقول جارنا البقال مدندنًا آخر الليل: "فات المعاد"، هو ليس جارنا للأمانة ولكنّ زوجاته "الضرائر" هنّ جاراتنا، وهو يداوم عليهنّ محاولا تطبيق شرع الله: "فإن لم تعدلوا ولن تعدلوا"، أعرف أنه أخذ المسألة من آخرها واعتبر العدل أمرًا مستحيلًا، غير أنه بحنكته وعقله التجاري استطاع إقناعهن على الدوام بأن كل واحدة منهن هي الزوجة المفضلة لديه. يقال بأنه في السر أعطى كل واحدة منهن ليرة ذهبية، وفي العلن خطب خطبة عصماء قال فيها: إن التي لديها الليرة الذهبية هي الأفضل، وحتى اليوم تعتقد كل واحدة أنها التي كان يقصدها.
هذه الهدنة تشبه ما فعله جدي إذ وضع السيف بينه وبين جدتي على الفراش وبعد السيف أنجب أربعة أولاد
في الهدنة التي تحدث عادة بين السماء والأرض، ينشر النمل مؤونته من الحَبِّ لتجفّ بعد حروب المطر والوحل، ثم يعيدها إلى قريته، فإن لم نستطع فعل ذلك فاعلموا أن الهدنة لا تعدو كونها حدثًا هامشيًّا سرعان ما سنعود منه إلى المتن الذي اعتدناه.
هوامش:
غفران طحان: "نحمل في جعبتنا ذكرى سيئة عمّا يسمى بالهدنة، فهي في تلك الأيام، كانت أكثر حماسًا من الحرب في استقبال الموت".
دمر حبيب: "الهدنة هي اللحظة التي تفكر فيها بأنك قادر على الاسترخاء للحظة من غير تفكير".
صلاح إبراهيم الحسن: "في الهدنة لا يموت الموت، ولا ينام، إنه ثعلبٌ يغمض عينًا ويفتح الأخرى".
حسن إبراهيم الحسن: "هذه الهدنة تشبه ما فعله جدي إذ وضع السيف بينه وبين جدتي على الفراش وبعد السيف أنجب أربعة أولاد".
عودة إلى المتن:
تعالي نُدخلِ الهدنة إلى البيت، وبعدها يمكنك أن تصرخي: النجدة.. النجدة ثمة هدنةٌ في البيت.
اقرأ/ي أيضًا: