حين أنهى بن علي خطابه الشهير ليلة الثالث عشر من كانون الثاني/يناير 2011، كان يعتقد أن نار الاحتجاجات التي اشتعلت يوم السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2010 في محافظة سيدي بوزيد وامتدت إثرها إلى عديد المحافظات التونسية، قد انطفأت بمجرد كلمات ووعود خبرها التونسيون كما خبروا قمع نظامه واستبداده.
في ليل 13 كانون الثاني/يناير 2011، خيّم صمت رهيب على البلاد التونسية، قطعته بعض الاحتفالات المأجورة لعصابات "التجمع" (حزب بن علي)
ليلتها خيّم صمت رهيب على البلاد التونسية، قطعته بعض الاحتفالات المأجورة لعصابات "التجمع الدستوري الديمقراطي" (حزب بن علي) بعرض سخيف وإخراج مقرف، في تلك الليلة، أرسلت السفارة الفرنسية بتونس مذكرة إلى الخارجية الفرنسية تؤكد فيها عودة الهدوء إلى تونس وأن نظام بن علي باق ولا خوف عليه، أما التونسيون فقد انتظروا بزوغ فجر الرابع عشر من كانون الثاني/يناير إعلانًا للقول الفصل.
الزمان: التاسعة صباحًا، المكان: بطحاء محمد علي (المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل)، والمئات من التونسيين من نقابيين وطلبة وعمال ومعطلين كسروا الطوق الأمني المشدد وتوجهوا إلى الشارع المركزي في العاصمة تونس، شارع الحبيب بورقيبة، ليعلنوا انطلاق عصر جديد حيث الشوارع ملك للشعب والقول قوله.
المئات تحولوا خلال ساعات إلى آلاف (حوالي خمسين ألف متظاهر)، توجهوا إلى وزارة الداخلية، رمز القمع والتسلط وعنوان حكم بن علي، هناك نحت التونسيون تاريخًا جديدًا أمام أنظار العالم وأمام عيون بقية الشعب العربي التائق للحرية. "يسقط حزب الدستور.. يسقط جلاد الشعب"، "محاكمة شعبية لعصابة الطرابلسية" وغيرها، شعارات رفعها التونسيون تحديًا وعزيمة في وجه نظام حكم البلاد لثلاث وعشرين سنة بالحديد والنار، لكن الأبرز كانت "الشعب يريد إسقاط النظام"، هذا الشعار الذي ستردده إثر ذلك ملايين الحناجر العربية من تونس إلى صنعاء مرورًا بطرابلس والقاهرة ودمشق والبحرين.. الثورة المغدورة.
14 كانون الثاني/يناير 2011 هو تاريخ للتذكر، لتذكر شهدائنا وقضايانا الحقيقية والجوهرية، لتذكر من أجل ماذا ثرنا، لاستعادة وحدة صفنا
14 كانون الثاني/يناير 2011، هو عنوان للتحرر العربي وحدث مفصلي في التاريخ العربي المعاصر، يوم كسر فيه العرب مقولة كونهم شعوب نائمة لا تثور ولا تتطور، بعيدًا عن روايات المؤامرة والأيادي الخارجية والخرافات، ما وقع في تونس هو إنجاز شعبي تونسي وقوده قوافل الشهداء الذين ضحوا بدمائهم من أجل وطن حر وعيش كريم.
14 كانون الثاني/يناير 2011 هو تاريخ للتذكر، لتذكر شهدائنا وقضايانا الحقيقية والجوهرية، لتذكر من أجل ماذا ثرنا وضد من ثرنا، لاستعادة وحدة صفنا أمام الظلم والقمع والقهر، حدث لا يجب أن يمحى من ذاكرتنا كعنوان للكرامة والعزة والثورة .
أما بن علي وزمنه فهو للنسيان فالتاريخ يسير نحو الأمام، زمن بن علي عصر ولى، كنسه التونسيون وأسسوا لعهد جديد قوامه الحرية والنخوة، أما عن أولئك المتباكين عليه فقد أدمنوا الذل والمهانة والعبودية ولا عزاء لهم سوى تمني ما لا يمكن تحقيقه. التونسيون لا يزال أمامهم الكثير من التضحيات حتى تحقيق أهداف ثورتهم ولن يثنيهم عن ذلك لا الإرهاب ولا الترهيب ولا بكائيات "الأزلام" ولا نحيب وسائل الإعلام المأجورة. لا يزال الطريق طويلًا ولا تزال العزيمة وقود التحرر "فلابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر".
اقرأ/ي أيضًا: