لم يفاجئني عبد الرحمن الأبنودي، وكنّا معًا في الرباط منذ أعوام وكان يدور الحديث بيننا حول أمل دنقل، حين قال لي: "كان في هذا الشاعر شيء من السُمّ". توقفت عند كلماته، فهو صديقه. كنت أعرف أنه كان في هذا الشاعر قسوة هائلة، كفأس قاطعة، لكن، كنت أرى فيه أيضًا، رهافةً لا تُحدّ، كان كشوكة جميلة، أو كضريح من بلّور وعظام مسنّنة. قلتُ للأبنودي: لعلّه السّمُّ الشافي، أو السّمّ المقدس، أو حكمة السُمّ. أكّد الأبنودي ما قالهُ قال: كان أمل دنقُل أعنف كائن عرفته في حياتي. وروى فصولًا من سيرته معه بكثير من الشغف، والحب الخاصّ والخالص، وبصعيديّة فجّة وآسرة لا تُنسى، لا تعرف تغليف الكلمات بالسيلوفان، ولكنْ، ليس هنا مجال تفصيلها.
حمل أمل دنقل إلى القاهرة كلّ صعيديته معه، فقاتل بها المرض وأدخلها في أساس الشعر والصداقة والعداوة والحياة والموت
كان أمل دنقُل قد مات بالسرطان. تاريخ وفاته الثامنة من صباح السبت في الحادي والعشرين من أيار/مايو 1983. هو الذي ولد في الصعيد المصري عام 1940 في قرية "القلعة"، مركز "قفط"، على مسافة قريبة من مدينة قنا، وحمل معه إلى القاهرة كلّ صعيديته وقاتل بها المرض أيضًا، وأدخلها في أساس الشعر والصداقة والعداوة والحياة والموت.
وكنتُ قد عرفتُ دنقُل في آخر أيامه. حصل ذلك خلال مهرجان "شوقي وحافظ" الذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، في مناسبة مرور خمسين عامًا على وفاة هذين الشاعرين، وعُقد ما بين السادس عشر والثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني/أوكتوبر من عام 1982. ذهبتُ إلى القاهرة يومذاك، وأنا طالع من حرائق اجتياح اسرائيل للجنوب اللبناني. كنتُ جنوبيًا أنتمي الى المحرقة، وأحمل في يدي قصائدي كما يحمل طائر آثار الحريق في ريشه وجلده وعينيه. والتقيت أمل دنقُل في القاهرة مرتين: مرّةً حين قال قصيدته المشهورة "لا تصالح"، ومرّة حين قلت "هو القلبُ أم حفنة من دخان القرى"، وقد حُمِلَ في المرتين الى قاعة الاحتفال في محفّة. سلمت عليه بصمت. بما يشبه الموت. قال لا تحزن فنحن جنوبيان. كنت أعرف أنه يحب قصيدتي، وأنني أحبّ قصيدته... قصيدته التي سمّاها "الجنوبي" ونشرها في مجلة "إبداع"، وأدخلها في مجموعته الشعرية الأخيرة "أوراق الغرفة 8"، وهي من القصائد التي كتبها في مستشفى الأمراض السرطانيّة، وكان مقيمًا في الغرفة 8 من المستشفى، فنسب هذه الأوراق إليها في المجموعة.
في قصيدة "الجنوبي"، يصف أمل دنقُل صورة عائليّة قديمة له، كان فيها طفلًا، يقف الى جانب والده. ويسأل في بداية القصيدة: من هو الطفل؟ هو أم سواه؟ ثم تكرّ الذكريات، من رفسة الفرس التي تركت في جبينه شجًّا، الى موت أبيه نازفًا، والطريق إلى قبره، إلى موت أخته ذات الربيعين، وذات القبر المنطمس، وهي ذكرياتٌ تتوالى في مخيّلةٍ غير يقينيّة، في وشاح السؤال: مَن هو الصبيُّ الصغير؟ أنا أم سواي؟ "كل هذه العذوبة، لا تنتمي الآن لي" كما يقولُ "صرتُ عنّي غريبًا"، ولا شيء يؤنس الصبيَّ الآن غير اجتماع شمل الموتى عند الصباح.
وتكرُّ فصول "الجنوبي" بعد ذلك، فيرسم وجوهه في مرايا قريبة. في وجه من كان يشاركه نصف السرير ونصف الرغيف ونصف اللفافة والكتب المستعارة، ومات حين احتقنت لوزتاه في غرفة العمليات... مات فجأةً... لكنه بقي يشاركه كسور السرير والخبز والتبغ، وترك له، وحده، المرارة... وفي وجه عاملٍ للبناء، أتى من أقاصي الصعيد ليصعد "سقالةً" في المدينة، يعمل فوقها ويغنّي للهواء. وفجأةً، وقع على الشارع، ولم يبق منه غير خيط من الدم، غطّاه أمل دنقل بنصف الصحيفة التي كان يقرؤها وهو جالس في المقهى، ويغطي بها وجهه. غطّاه، وبقي هو في العراء.
اندلع شعر أمل دنقل كسرطان في جسد الهزيمة العربية. وتجربته الشعرية تنطوي على جرعات هائلة من السُمّ والمرارة
وفي وجه "أسماء" ابنة صديقه يحيى الطاهر عبد الله، الذي مات قبله، "لم يمُت"، كما يقول، بل "صعد"، لأنه كان يحيا "كأنّ الحياة أبد"، وفي المرآة، حيث يُقيم مع صورتِهِ فيها حوارًا، ينكشف فيه الجنوبيّ صعيديًّا قلقًا من البحر والمرأة الكاذبة، لكنه يكتفي منه بالرمل، متهيّبًا قنينة الخمر والآلة الحاسبة، لكنه يكتفي منه بالثلج، زاهدًا بالصبر، لكنه راغب بإثنين فقط: الحقيقة وأوجه من ماتوا.
اقرأ/ي أيضًا: أمل دنقل: ديسمبر
حدقت يومذاك في وجه أمل دنقل قليلًا، ثم أشحت بنظري عنه، كان وجهًا عاريًا مفزعًا وموجعًا ومفجعًا. لا أثر لشعرةٍ على الجمجمة. والملامح عظام حادة وغائرة ومرسومة، وكأنها لوجه فرعوني قديم محنّط. كان الدواء قد أسقط كل شعرةٍ من شعر رأسه، والسرطان قد نال من جميع خلاياه، وجعله كعصفٍ مأكول. أغمضتُ أجفاني على "الجنوبي" كما أريده. أخذت أجمّعه من أشعاره وأشلائه وحكاياته في سيرته، وفي حكايات بعض من عرفوه. لقد اندلع شعر أمل دنقل كسرطان في جسد الهزيمة العربية. وتجربته الشعرية تنطوي على جرعات هائلة من السُمّ والمرارة. هي تجربة مَراثٍ عميقة وحزينة حتى اللبّ، وكاشفة للخلايا الخبيثة في جسد الأمة، ومُشرِّحة للبراقع الزائفة من فوقها، ولعلّ في أشعار أمل دنقل أكبر وأهم طاقة نقديّة في الشعر العربي الحديث، بلا استثناء. فلم ينتقد هزيمة حزيران 1967، والهزائم التي سبقتها وتلك التي لحقت بها، مفكّر أو شاعر كأمل دنقل. فقصائده قصائد العذاب المقطّر المتأمّل المهيب، الذي يتفجّر النُواحُ في خلايا صمته، وينشب مخالبه الحرّة في عُرْي النسيج المهلهل للبلاد المهزومة، المنخورة في قاعِ روحها، والمبعثرة أشلاؤها كجسد مفتّت... وشعره في حقيقته، أقرب ما يكون للسرطان الذي نهش جسده، وخلاياه، وأوقفه عاريًا أمام الحقيقة، بل هو كالسُمّ الذي أشار إليه الأبنودي، إلا أنه سُمّ الحكمة.
وهو بدأ يضرب ضرباته المخيفة، منذ كتب قصيدة "البكاء بين يديّ زرقاء اليمامة"، حيث يشكو فيها إلى جدّته "الزرقاء"، أوجاع من أثخنتهم الطعنات، وزحفوا في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة، مغبّري الجباه، مقطّعي السواعد، ممسكين بالراية المنكّسة، وحولهم تتناثر على الصحراء، أشلاء من قتلوا، وصور الأطفال في خوذاتهم، وأفواههم محشوّة بالدم والرمل، ويسألها عن وقفة الأعزل بين السيف والجدار، والجرذان تلعق من دمه حساءها، وعن وقفته هو "المُهان/ لا الليل يخفي عورتي ولا الجدران"، ولا تحجبه الصحيفة التي يشدها إلى وجهه... ويشكو إليها صمته وخرسه: "قيل لي اخرسْ فخرست، وعميت، وانتميت للخصيان"، وبقاءه جريح القلب والروح والغم، بين صبيةٍ مشرّدين يعبرون في آخر النهار، ونسوة مطأطئات الرؤوس، يُسقْنَ في ثياب الأسر. إنه مشهد هزيمة معاصرة بكافة تفاصيلها.
هذا "وأنتِ يا زرقاءْ / وحيدةٌ عمياءْ / وحيدةٌ عمياءْ".
فشاهد التاريخ الماضي الرائي الحديدُ البصر، الحكيمُ، الزرقاءُ، في القصيدة، صار اليوم معطَّلًا بالهزيمة. والروح التي كانت مشتعلة، ذات يوم، هي الآن عارية وبردانة. وهذا النقد الشعري الخطير لواقع الهزيمة العربية، باللجوء إلى التاريخ العربي المضيء الذي لا يفيد، بل يلغي الحاضر، بل يكسفه الحاضر بغمامته السوداء ويجعل منه أعمى، رسّخه أمل دنقُل بقصائد لاحقة، أدخل فيها التراث العربي كجزء نقدي في ترسيم صورة الحاضر، وقطف مشاهد أو لحظات من هذا التاريخ، ليبثّها في جسد الحاضر، كألغام أو أسئلة حارقة، لا كقيم ثابتة في ذاتها، لذلك فهو لم يقف عليها وقوفه على الأطلال "الجميلة"، بل استقدمها بكثير من الاستفزاز، وبقوّة نقديّة خاصّة، وسمت شعريته. انه يخاطب رمز البطولة التاريخية المعروف صلاح الدين الأيوبي، في قصيدته "خطاب غير تاريخي على قبر صلاح الدين"، من ديوان أوراق الغرفة 8 بقوله: "أنت تسترخي أخيرًا/ فوداعًا يا صلاح الدين/ يا أيها الطفلُ البدائيُّ الذي تراقَص الموتى على إيقاعه المجنونْ/ يا قاربَ الفليّن".
بدأ أمل دنقل يضرب ضرباته المخيفة، منذ كتب قصيدة "البكاء بين يديّ زرقاء اليمامة"، حيث يشكو فيها إلى جدّته "الزرقاء"، أوجاع من أثخنتهم الطعنات
ويصوره في آخر القصيدة، وقد تدّلت الورود على قبره، كالمظليين... وهذا التوظيف الاتهامي للتاريخ العربي، في شعره، في ما يقيمه من تناظر كاشف بل فاضح بين الماضي والحاضر، يصل به الى توتّره العالي في قصيدة "من أوراق أبي نؤاس" في مجموعة "العهد الآتي". فهو، في الورقة السابعة من هذه القصيدة، يجمع بين موقف الحسين في كربلاء، وموته، من أجل جرعةٍ من الماء، وإيماءة إلى أبي نؤاس، الذي يشرب المُدام، لكي يتناسى الدماء.
والقصيدة جميلة، وجارحة. وتبدأ بسؤال الشيخ: لماذا مات الحسين في كربلاء؟ فيجيبه: ماتَ من أجل جرعة ماء... ويضيف: أخذته السيوف من أجل الذهب المتلألئ في كل عين... يكتب الشاعر: "إن تكن كلماتُ الحسين/ وسيوف الحسين/ وجلالُ الحسين/ سقطت دون أن تنقذ الحقّ من ذهب الأمراءْ/ أفتقدر أن تنقذ الحقّ ثرثرةُ الشعراء/ والفراتُ لسانٌ من الدمِ لا يجد الشفتين".
وهذه التأمليّة لدى أمل دنقُل، المبنيّة على جدل التاريخ العربي، ماضيه بحاضره، استعاض بها عن استدراج الرموز اليونانية أو السومريّة أو الفرعونية أو التموزيّة، إلى حقل القصيدة، على غرار ما عُرف على أيدي رواد الحداثة العربية الأوائل، كبدر شاكر السيّاب ويوسف الخال وأدونيس، متأثرين بالحداثة الغربية، في لجوئها الى الرموز الإغريقية، خاصةً، في هذا المجال... حيث كثر استخدام رموز ميدوزا وسيزيف وسربروس، وما أشبه ذلك من رموز الميثولوجيا الإغريقية. ولم يبرأ أمل دنقل من أحد هذه الرموز، وهو رمز سبارتاكوس، في قصيدته "كلمات سبارتاكوس الأخيرة" - من ديوان البكاء بين يدي زرقاء اليمامة - إلا أنه استخدمه في إطار الطاقة النقديّة لشعره، مثلما استخدم رمز صلاح الدين، وزرقاء اليمامة، ولنقُلْ إنه "عرّبه"، واتخذ منه اشارة تاريخية، للعنة التي تحلّ بمن يقول "لا"، في وجه مَنْ قالوا "نَعَم"... "لأنّ من يقول لا، لا يرتوي إلاّ من الدموعْ... فالانحناء مُرّ / والعنكبوت فوق أعناق الرجال ينسج الردى /... والله لم يغفر خطيئة الشيطان حين قالَ لا".
وهو يستنبط من هذه القصيدة، حكمة مرّة: إنها حكمة تُخلَّصِ القتيل من القاتل الذي يقتله: "يا قاتلي/ إني صفحتُ عنك/ في اللحظة التي استرحت بعدها مني/ استرحتُ منك".
فالتراث على العموم، ليس مفصولًا عن الواقع في قصائد أمل دنقل، بل هو مستدرج لكي يلتاث بهذا الواقع، ويصبح جزءًا منه. وهو لم يقف عند حدود هذا الاستدراج والتورية، بل نراه في قصائد أخرى، خاصة في مجموعته "تعليق على ما حَدَث"، قد عاقر الواقع معاقرة مباشرة، فوضع اللحم على اللحم. والجرح على الجرح، والدم على الدم، بلا فواصل أو مسافات أقنعة أو رموز تراث. إنه بالعين المجرّدة العارية، يراقب ما يحدث ويكشف عن أحشاء التفاصيل بهذه المراقبة. ففي قصيدة "حمامة" من المجموعة المذكورة يَتبع أمل دنقل تحركات وخط سير حمامة في شوارع القاهرة. فيصفها أول ما يصفها، وهي تتفزّع، من صوت سيارة مجنونة السائق، أطلقت بوقها، وكانت جالسة تحلم باسترخاء، أين؟ على تمثال نهضة مصر.
التراث على العموم ليس مفصولًا عن الواقع في قصائد أمل دنقل، بل هو مستدرج لكي يلتاث بهذا الواقع، ويصبح جزءًا منه
المشهد الثاني يرصدها وهي تطير خائفة، لتحط فوق قبّة الجامعة النحاس. لكنها تعود فتحلّق مرتاعة في الأفق، بعد أن تدقّ ساعة الجامعة أجراسها. المشهد الثالث، الممزوج بخطاب الشاعر لها، يصفها وهي مستقرّة فوق رأس الجسر. لكنها ترتعب وتتأهب للطيران خائفةً من حركة شرطي المرور حين يدير يده، فتظنّه ناطورًا يصدّ الطير، فتمتلئ بالرعب... وتعود للطيران... ويخاطبها الشاعر بقوله: "أيتها الحمامة التعبى/ دوري على قبابِ هذه المدينة الحزينة/ وأنشدي للموت فيها والأسى والذعر/ حتى نرى عند قدوم الفجر/ جناحك الملقى على قاعدة التمثالِ في وتعرفين راحة السكينة".
فالحمامة هنا هي الإنسان، والذعر مناخ المدينة.
وهذا الالتقاط الشعري للتفاصيل لدى أمل دنقل، ومتابعتها، ومزج التأمل بالحكمة بالمرارة، لعله أخذه من أحمد عبد المعطي حجازي ونسج عليه وطوّره. فالشعر المصري الحديث على العموم، يتسم بهذا التأمّل وهذا الهدوء وهذا الحزن اللاذع. ولا تغلب عليه سطوة اللغة، كما في شعر الشام الحديث ما خلا محمد عفيفي مطر.
وقد ولد أمل دنقل ولمع شعره، ثم انطفأت جذوة حياته بسرعة، بين شاعرين كبيرين معروفين، سبقاه الى الشعر والشهرة، هما صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي. وكان هو أقرب روحًا وقالبًا إلى حجازي منه إلى عبد الصبور. لقد نقل تجربة التأمّل الميتافيزيقي لدى صلاح عبد الصبور من السماء إلى الأرض المصرية والتاريخ العربي والشوارع والمقاهي والحواري والناس العاديين، وكان حجازي قد مهّد له الطريق لذلك. واستعمل في قصائده، وهي لا تخرج عن كونها قصائد مراثٍ لكل شيء، تقنيّة السرد الحكائي، والتفاصيل والحوار، والتأمل الكاشف والنقدي، الهادئ في ظاهره، إلا أنه صاخب في ما ينطوي عليه من أسئلة. فقصائده كالبحر الهادئ والمخيف. والخيط الحكائي الذي يشدّها، يمنحها ميزة التشويق، وفضول المتابعة، كما يمنحها ميزة السرْد الشعري الهادئ واللالغوي، بل قيمتها هي بالضبط، في اللالغة التي تميّزها، وتمويت الإيقاعات الصلبة أو الصاخبة، والوصفية الاتهامية التي سميناها نقدية في أساسها.
"الزهور تحمل أسماء قاتليها في بطاقة" كما يقول. و"الشوارع في آخر الليل... آه"، و"القطارات ترحل فوق قضيبين: ما كانَ ما سيكون"... "قبّليني لأنقل سرّي إلى شفتيكِ"، وهكذا، فهو قادر على إخضاع أكبر القضايا وأصغر التفاصيل والأشياء والمرئيات لهذا التخفيف السردي الخاص، وليغسل كل شيء بماء الخوف والتأمل واليأس الذي هو ذاتي وعام، هادئ ومقتحم وسامٌّ وجميل... صعلوك ومقتحم وخطير.
تروي عبلة الرويني، زوجته، في كتابه الذي صدر عنه بعنوان "الجنوبي"، وفيه تفاصيل عن حياتهما القصيرة معًا، وعن بعض علاقاته وصداقاته وعداواته الأدبية والحياتية، أنهم حذروها منه قبل اللقاء الأول به، لإجراء مقابلة صحافية معه. قالوا لها: "حذارِ، ستجدينه سليط اللسان، شديد القبح". وتروي أنه كان في بعض أفكاره "نيتشوّيًا" نسبة لنيتشه، وأنّ الأدباء كانوا يتحاشونه لخشونته، وأنهم كانوا يتحاشون المرور أمام مقهى ريش في القاهرة الذي كان معتادًا على الجلوس فيه... وأنه حين التقاها لأول مرّة، وكانت خجلة من بعض البثور في وجهها، قال لها إنه يحبّ هذه البثور بالذات، وأن صديقًا مغربيًّا زارهما وكان شديد الإعجاب به، وكان أعرج يتوكأ على عكاز، ففاجأه أمل بقوله: أهلًا بالأعرج... وأنه أخيرًا، في أخريات أيامه وهو في مستشفى الأمراض السرطانية، في الغرفة رقم 8 بالذات، كان يقلع أضراسه بالكماشة، وقد أصرّ على قلع ضرسٍ من هذه الأضراس، وإهدائه إليها...
حسنًا... إنه أمل دنقُل.