الترا صوت - فريق الترجمة
قبل عشرة أعوام، قتلت المصرية مروة الشربيني في مدينة دريسدن الألمانية، في جريمة إرهابية ذات صدى واسع آنذاك، لكن على ما يبدو، انحسر صداها بالتدريج، حتى في ألمانيا، إذ يبدو أن كثيرًا من الألمانيين لا يعرفون شيئًا عن شخص يُدعى مروة الشربيني.
غفل المجتمع الألماني السلوك المعادي للمسلمين وتجاهله طويلًا، ففي كثير من تقارير الجرائم ضد المسلمين لا يذكر الدافع العنصري
اكتشاف وقعت عليه الكاتبة الصحفية الألمانية فيردا أتامان، كما توضح في مقالها الذي ننقله مترجمًا فيما يلي، عن موقع صحيفة دير شبيغل الألمانية.
اقرأ/ي أيضًا: المسلم إرهابي والألماني مختل عقليًا!
إذا سألت نفسك مروة من؟ فاعلم أنك لست وحدك من لا تعرفها. منذ أسبوع وأنا أسأل الناس في محيطي، إذا كانوا يعرفون هذا الإسم. يهز غالبيتهم أكتافهم عاجزين عن تذكره، بالرغم من أنها جريمة فريدة في تاريخ البلاد. إليكم القصة الحزينة:
في الأول من تموز/يوليو عام 2009 تعرضت سيدة حامل في مدينة دريسدن للطعن في قاعة المحكمة، أثناء سير المحاكمة. قُتلت بـ16 طعنة بالسكين، أمام ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات وزوجها الذي هب لنجدتها.
والمفارقة أن الشرطي المسلح الذي اندفع إلى قاعة المحكمة لإيقاف المشاجرة، أطلق النار خطأً على زوج مروة الشربيني، ظنًا منه أنه القاتل. النتيجة، مقتل الصيدلانية مروة الشربيني وجنينها في مسرح الجريمة، ونقل زوجها طالب الدكتوراه في معهد ماكس بلانك، إلى المستشفى مصابًا بجروح حرجة، وعانى الابن من صدمة بالغة.
تضليل الواقع
هذا ليس كل شيء، فدافع القاتل كان كرهه للمسلمين، لكن التقارير لم تذكر هذا! في البداية عُنونت الحادثة بـ"مقتل شاهدة في قاعة المحكمة بعد شجار حول أرجوحة". حين قتلت مروة الشربيني كانت في قاعة المحكمة، لأنها رفعت شكوى ضد قاتلها.
كان القاتل قد نعتها بـ"الإسلامية المتطرفة والإرهابية" في حديقة بدريسدن. الوصف الصحيح للحادثة من وجهة نظري، هو: "مقتل شاهدة من قبل متطرف يميني معادٍ للإسلام". لكن بدلًا من ذلك نسمع بين الحين والآخر أنها استحقت الموت لأنها "كانت ترتدي حجابًا للرأس"!
لقد غفلنا عن السلوك المعادي للمسلمين وتجاهلناه طويلًا، ففي كثير من تقارير الجرائم لا يذكر الدافع إلا لاحقًا. قبل شهرين تعرضت سيدتان مسلمتان في برلين للسب والضرب أمام الملأ من قبل رجل عنصري.
ووفقًا لإفادتهما، لكم الرجل إحدى السيدتين في بطنها وكانت حاملًا. جاء تقرير الشرطة بعنوان: "احتدام شجار". في حين عنوت جريدة "Tagesspiegel" الخبر بـ"رجل يضرب سيدة حامل في بطنها". وهو وصف صحيح للواقعة بلا شك، لكنه عنوان مضلل بالتأكيد.
سوء حظ
عقب مقتل مروة الشربيني، لم تكن قضية معاداة الإسلام قضية مركزية، بل القضية التي شغلت الملأ حينها هي ضبط دخول الأسلحة إلى المحاكم. لم يرغب أحد على الإطلاق في أن يرى الرابط بين القصة بأكملها وألمانيا، ففي النهاية كانت الضحية طالبة ماجستير مصرية وكان القاتل مهاجرًا روسيًا ألمانيًا عاطلًا عن العمل، كل شيء واضح؟ وصف المدعي العام القضية كلها عام 2009 "عمل معادٍ للأجانب من متطرف منفرد"، تحت شعار: "مجرد حالة فردية، ولا داعي للهلع".
لكن بالطبع هناك أسباب كثيرة للهلع، حتى بعد عشرة أعوام من الحادثة، وجب على مروة الشربيني أن تموت لأن المسلمين ودينهم في ألمانيا يعتبرون دائمًا "مشكلة"، ولأن كثيرًا من المتطرفين اليمينيين أصبحوا مؤمنين بأن عليهم تنفيذ الحل بأيديهم.
أكد المكتب الاتحادي لحماية الدستور أن الاتجاه الصاعد الآن هو كراهية المسلمين. وبحسب التقرير الأخير الصادر عن المكتب فإن أجهزة الاستخبارات الألمانية تعرف أكثر من 24 ألفًا من التراس اليمين المتطرف، لديهم الرغبة في التخلص من الأجانب، خصوصًا المسلمين وطالبي اللجوء. هذا هو الموضوع الأبدي المفضل لمحبي هتلر: الاغتراب!
معاملة "سامة" للإسلام
لو دقق المرء النظر في الجدالات حول الهجرة الإسلامية في ألمانيا، سيدرك أن حالة البارانويا مبررة تمامًا. فالحديث المعتاد هنا يدور حول غطاء الراس والبرقع، وبناء المساجد والزواج القصري وتعدد الزوجات، والإرهاب والجرائم الطائفية، معرفتنا وتعاملاتنا مع الإسلام مسمومة.
والأدهى من ذلك، هو تتبع آيات العنف، كإثبات على مشروعية رفض دينٍ عالمي رفضًا كاملًا. في بعض الأحيان، أفكر بأن اهتمام اليمين المتطرف بالقرآن شغلهم عن قراءة الإنجيل!
وأسوأ ما في الأمر، هو التطبيع مع هذا السلوك المعادي، باعتباره وجهة نظر طبيعية. هل يمكنكم أن تتصوروا أن يصف بعض الصحفيين مجموعة تسمى بـ"وطنيون أوروبيون ضد تهويد الغرب" بـ"الحراك الناقد لليهودية" وتتم دعوتهم إلى البرامج الحوارية على التلفاز؟ لا، لا أتصور هذا. لكن حين يتعلق الأمر بالإسلام يكون الأمر طبيعيًا كما حدث في 2015 مع مجموعة تسمى بـ"وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب".
وافق ما يقرب من 56% من المستطلعين في دراسة تمثيلية على العبارة القائلة: "بسبب كثرة المسلمين هنا أشعر أحيانًا بالغربة في وطني". وأجاب آخرون بأن أطروحات "الأسلمة" اخترقت قلب المجتمع.
لهذه الأطروحات تاريخ طويل في ألمانيا، أشار إليه أوزان زكريا كيسكلينتش في كتابه الأخير "النقاش حول الأسلمة شأن ألماني معتاد"، فذكر في كتابه على سبيل المثال، أن الكونغرس الكولونيالي الألماني في برلين ناقش في بداية القرن العشرين خطر الأسلمة وحذر منه.
لا شيء يحدث
تصلني أحيانًا رسائل من القراء، يقولون فيها إن "نقد الإسلام ليس عنصرية، لأن المسلمين ليسوا عرقًا. ووصفك لها بالعنصرية هو استخفاف بفظائع النازية". حسنًا، من مثل صورة العدو الأول في ألمانيا النازية؟ في ذلك الوقت عُد اليهود سببًا لانهيار الغرب، عذرًا أقصد الوطن الأم. دعونا نتجنب الخوض في نقاشات مكررة، لدينا مشكلة حقيقية هي العنصرية تجاه المسلمين، ولا أحد يفعل شيئًا بشأنها.
أسوأ ما في الأمر هو التطبيع مع السلوك المعادي للمسلمين باعتباره وجهة نظر طبيعية لا تحمل تطرفًا وعنصرية!
استغرقنا الأمر 70 عامًا لكي نفتتح أخيرًا مكتبًا مختصًا بقضايا معاداة السامية على المستوى الفيدرالي في ألمانيا. ربما على المواطنين المسلمين أن ينتظروا قرونًا حتى يروا تحركات سياسية مماثلة.
اقرأ/ي أيضًا: