يلوم الأبنودي، طوال كتابه الصغير "ابن عروس.. ليس مصريًا وليس شاعرًا" (الهيئة المصرية للكتاب، 2015)، الخيالَ الشعبي على اختلاقه قصة ابن عروس، وما نسجه حولها وخلعه عليه صفة روبن هود الشعبي، الذي كان قاطع طريق يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء، ثم أعجبته صبية في ليلة عرسها فخطفها من فوق هودجها، بعد أن هام بحبها زمنًا، وقبل أن يهمّ بها، تلت عليه العروس أبياتًا من الشعر هزّت وجدانه الهائم بها، وردته إلى صوابه فأطلقها، وتصوف ودخل في طوائف الدراويش، وأطلق مربعات مقفاة تُشبه الشعر، حتى أطلق الناس عليه ابن عروس.
نفى الأبنودي قصة ابن عروس جملةً وتفصيلًا، واعتبره شخصية من صناعة الخيال الشعبي
ينفي الأبنودي هذه القصة جملةً وتفصيلًا، و يرى أنها من صناعة خيال شعبي فحسب، ولا أساس لها من الصحة، ويعذر الخيال الشعبي كونه شفاهيًا أكثر من كونه ميالًا إلى التوثيق، لكنه يعيب على غيره من الباحثين المصريين في التراث الذين انجرفوا خلف هذه الحكاية، التي انتشرت في صعيد مصر، حيث نشأ الأبنودي وتربى، وتبناها الجدود والجدات، فلا يجوز للباحثين من أمثال محمود فهمي إبراهيم تصديق ما ورد من الوريقات الساذجة المطبوعة عن ابن عروس المصري.
اقرأ/ي أيضًا: التراث الصوفي وتجديد الخطاب الديني
أما عن الأصل الحقيقي لابن عروس، فيظهر في مؤلف عمر بن على الراشدي، "ابتسام الغروس ووشي الطروس"، حيث وقع فيه التعريف بأبي العباس أحمد بن عبد الله محمد بن أبي بكر بن عروس الهواري، الذي يُرجع أصله إلى عرب تميم، ومولده بالجزيرة بقرية تسمى المزاتين. ثم ذهب إلى تونس وأقام فيها، وعاش في بنزرت فترة من الزمان، وقال مربعه الشهير عنها: جميع البلاد شوليت/ حتى لسبتة الحصينة/ أنا مثل بنزرت ما رأيت/ الوادي وسط المدينة".
وكان من أشهر ما عُرف أو أذيع عنه من كرامات، بصفته من أهل التصوف، أنه كان يحمل الأحمال العظيمة. و يرى أن أهل الصعيد قد نسيوا أن ابن عروس ورد إلى مصر مع الشاذلي، وكان تابعه وأنه لم يكن لصًا، ولا شاعرًا، وأنهما كانا متلازمين حتى سبق الأجل إلى أحدهما فدفن الآخر، ويورد من المربعات أدلة على ذلك.
يطال تعديل الأبنودي مفردة "المربعات" نفسها، ويقول إنها التسمية الشعبية المصرية كونه يعتمد على الشطرات الأربع، أما في شمال إفريقيا قاطبة فيطلقون عليه اسم "الرباعي".
يظهر الأصل الحقيقي لابن عروس في كتاب "ابتسام الغروس ووشي الطروس" لعمر بن على الراشدي
في كتابه، يورد ما جاء على لسان سيدي عبد الرحمن المجذوب من رباعيات، ويصحح الصورة الذهنية عن المجاذيب في الأدب الشعبي المصري، من أنها وردت عن خفيفي الظل الذين يلبسون البالي من الثياب، ولا يحكمون قولًا ولا بولًا، لكنه حين يورد الحديث عن ابن عروس وعبد الرحمن المجذوب فهما أهل عمل وعلم، لكنه الانجذاب الروحاني هو ما أضفى على وعيهما هذه الصفة. ثم يتحدث عن علي النابي، وهو ناظر رزاعي مصري، اشتهر جل حديثه مستخدمًا المربعات، ثم عرّج على المربعات المصرية، ويأتي على مغمورها ومعروفها مما رويت به السيرة الهلالية، ومنها: "ولا بد من يوم محتوم/ تترد فيه المظالم/ أبيض على كل مظلوم/ أسود على كل ظالم"، ومنها: "أوعى تقول للندل يا عم/ ولا تكلمه بقلب راضي/ ولا حد خالي من الهم/ حتى الحصى في الأراضي".
اقرأ/ي أيضًا: الصوفية في تونس.. رقم بلا معنى؟
يعود في الخلاصة إلى القول بأن المربعات كانت لمتصوف من أهل المغرب العربي، وأنها انتقلت من شمال أفريقيا حتى وصلت صعيد مصر، وأن ابن عروس اشتهر بحمل الأحمال وكان يعمل حمالًا، وسمي في صعيد مصر بأبي الحمول لهول وجسامة ما كان يحمله، وأن هناك طريقة صوفية في صعيد مصر مقرها مدينة إخميم، في سوهاج تحمل اسمه، وأن الرجل كان مثله مثل الفقراء الزهاد، يردد مربعات أو رباعيات من عاصرهم مثل عبد الرحمن المجذوب.
اقرأ/ي أيضًا: