ألترا صوت – فريق التحرير
سعت ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية إلى عقد تحالفاتٍ طويلة الأمد مع عددٍ من المجتمعات الإسلامية، بهدف مواجهة نفوذ المعسكرين الرأسمالي الغربي من جهة، والاشتراكي الشرقي من جهةٍ أخرى. وبحسب مؤرخي تلك المرحلة، عَمِلت القيادة الألمانية على استثمار عداء المسلمين للإمبراطورية البريطانية غربًا، والاتحاد السوفييتي شرقًا، في محاولاتها الدؤوبة لاستمالتهم إلى صفها، وتوظيفهم في خدمة أجنداتها ومشاريعها التوسعية المختلفة.
يُبيِّن الكتاب كيف حاول المسؤولون الألمان الدعاية للرايخ الثالث بوصفه نصيرًا للإسلام، ويستكشف العمل المكثف الذي قاموا به لتعبئة المسلمين
العلاقة بين النازية والعالم الإسلامي، هي موضوع كتاب المؤرخ الألماني ذو الأصول الإيرانية ديفيد معتدل المعنون بـ "في سبيل الله والفوهرر: النازيون والإسلام في الحرب العالمية الثانية"، الذي صدرت نسخته العربية حديثًا عن "مدارات للأبحاث والنشر"، ترجمة محمد صلاح علي.
اقرأ/ي أيضًا: "السقوط في الزمن".. أقدمُ المخاوف
الكتاب الصادر للمرة الأولى في عام 2014 عن "منشورات جامعة هارفرد" في الولايات المتحدة الأمريكية، يضم بين دفتيه خلاصة رحلةٍ بحثية استمرت لمدة عشر سنواتٍ، قضاها معتدل باحثًا في أكثر من ثلاثين أرشيفًا ودار محفوظاتٍ في نحو أربع عشرة دولة.
وتشمل المواد الأرشيفية التي قام الباحث الألماني بتحليلها ودراستها: تقارير سياسية وعسكرية، وبرقيات أوامر إدارية، ومنشورات دعائية، إلى جانب تسجيلات مراقبة، وخُطب، ورسائل ميدانية، ومذكرات شخصية، وغيرها من الأوراق التي قدَّمت له ما يحتاجه من معلوماتٍ مكَّنته من دراسة طبيعة العلاقة بين النازيين والعالم الإسلامي.
وتُبيِّن المواد أعلاه لديفيد معتدل، عدم دقة المقولات التي ترى في الحرب العالمية الثانية شأنًا غربيًا خالصًا لا يعني العالم الإسلامي، رغم أن معظم المعارك التي شهدتها المرحلة ما قبل النهائية من الحرب، دارت فوق أراضٍ إسلامية، نشط فيها النازيون على خط محاولات تجنيد المسلمين واستمالتهم، حيث جَهِدوا لبناء فرقٍ مسلحة قوامها مقاتلون مسلمون في أوروبا الشرقية، والبلقان، والقوقاز، والشرقين الأوسط والأقصى، وشمال أفريقيا، وغيرها.
ويعيد المؤلف رغبة النازيين بالتحالف مع المسلمين، إلى حاجتهم للقوة البشرية بعد أن طال أمد الحرب، ونقص حظوظهم في حسمها لصالحهم، إذ يفرد في كتابه حيزًا واسعًا يستعرض فيه أبرز حملات التجنيد النازية التي شملت، إلى جانب المناطق المذكورة آنفًا، مناطق سيطرتها في محيط الاتحاد السوفييتي، وآسيا الوسطى، وأذربيجان، وجزيرة القرم، وأوكرانيا، إلى جانب كلٌ من ليتوانيا، ولاتفيا، والهند، وأفغانستان.
يقدِّم المؤرخ الألماني ضمن هذا السياق أيضًا، دراسة عميقة تضيء على الكيفية التي تلقت بها مؤسسات الدولة النازية الدين الإسلامي، إضافةً إلى الطريقة التي أعادت عبرها توظيفه، داخليًا وخارجيًا، بهدف تحقيق غاياتها السياسية، دون أن يتضارب ذلك مع البروباغندا النازية القائمة على تحقير ونبذ واستهداف كل ما هو غير آري.
ولا يَغفِل هنا عن تناول البروباغندا التي وضعها النازيون في سبيل تعبئة المسلمين وتجنيدهم، إضافةً إلى الإضاءة على طريقة تعاطي قادة التشكيلات العسكرية وأفرادها مع المقاتلين المسلمين، واستعراض أوضاعهم وامتيازاتهم داخل المؤسسة العسكرية، إلى جانب دراسة الدعاية التي سعى النازيون من خلالها إلى ضمان ولائهم.
العلاقة بين النازية والعالم الإسلامي، هي موضوع كتاب "في سبيل الله والفوهرر: النازيون والإسلام في الحرب العالمية الثانية"
ومن خلال ما سبق، يُبيِّن ديفيد معتدل: "كيف حاول المسؤولون الألمان الدعاية للرايخ الثالث بوصفه نصيرًا للإسلام. ويستكشف سياسات برلين ودعايتها في ساحات الحرب الإسلامية، والعمل المكثَّف الذي قامت به السلطات النازية في سبيل تعبئة المسلمين وتجنيدهم، وتقديم الرعاية الروحية والتلقين الأيديولوجي لعشرات الآلاف من المجندين المسلمين الذين قاتلوا في صفوف القوات المسلحة الألمانية ووحدات الحماية النازية"، وفق كلمة الناشر.
اقرأ/ي أيضًا: إريك ماريا ريمارك: خذ عشرين سنة من حياتي أيها الزميل وقم
ويضيف: "يكشف الكتاب كيف انخرطت القوات الألمانية على الأرض، في شمال أفريقيا والبلقان والجبهة الشرقية، مع جماعات مسلمة متنوعة، بما في ذلك المسلمين الغجر واليهود المتحولون إلى الإسلام". ناهيك عن الإضاءة: "على التأثير العميق للحرب العالمية الثانية على المسلمين في جميع أنحاء العالم، ويعرض رؤية جديدة لسياسات الدين في أكثر الصراعات دموية في القرن العشرين".
اقرأ/ي أيضًا:
كتاب "سياسة قطر الخارجية".. حالة فرادة في السياسة الدولية
كتاب "معرفة متنازع عليها".. النظرية الاجتماعية من منظور معاصر