وثّقت الكاميرا مشهدًا مفزعًا لواقعة هجوم سمكة قرش على سائح روسي في مدينة الغردقة، عندما كان يسبح في البحر الأحمر منذ أيام، ولم ينقص المشهد سوى الموسيقى التصويرية للفيلم الأيقوني "Jaws" لمخرجه ستيفن سبيلبرغ، الفيلم الأبرز الذي زرع في أذهان البشر الرعب من السباحة في البحار والمحيطات، واعتماد القروش في القاموس العالمي للبشر كعدو رئيسٍ ومفترسٍ مرعب.
عزيزي الذي تخشى السباحة حتى لا يأكلك القرش، عليك أن تنتبه إلى موطأ قدميك وأنت تصعد الدرج، لأن هناك ما يقرب من 700 ألف حالة وفاة سنويًا نتيجة السقوط، حسب منظمة الصحة العالمية، بينما تُسجّل حوالي 37 مليون حادثة سقوط سنويًا تستدعي درجة خطورتها تلقي عناية طبية. لقي في المقابل 9 أشخاص حتفهم، من جميع أنحاء العالم في عام 2022، بسبب هجمات القروش، 5 حالات سُجّلت كهجوم غير مبرر، و4 حالات كهجوم استفزازي.
بات خطر التعرض للعض من قبل سمكة قرش منخفض للغاية، وتظهر الاتجاهات قصيرة المدى أن كلًا من اللدغات القاتلة وغير المميتة آخذة في التناقص
يشير التقرير السنوي للملف الدولي لهجمات القروش في العالم، الصادر عن متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي (ISAF) إلى تسجيل 108 حالة هجوم لأسماك القرش على البشر خلال العام الماضي، أغلبها في شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، صُنفت 57 حالة منها كهجوم غير مبرر، بينما صنفت 32 حالة أخرى كهجوم استفزازي، وباقي الحالات كانت لأسباب متفرقة بين هجمات القوارب أو نتاج كوارث بيئية، أو بحثًا عن غذاء أو لأسباب أخرى مجهولة.
يؤكد الملف الدولي لهجمات القرش على أن خطر التعرض للعض من قبل سمكة قرش منخفض للغاية، وتظهر الاتجاهات قصيرة المدى أن كلًا من اللدغات القاتلة وغير المميتة آخذة في التناقص، وأن العدد الإجمالي للدغات أسماك القرش غير المبررة في جميع أنحاء العالم منخفض للغاية، بالنظر إلى عدد الأشخاص المشاركين في أنشطة الاستجمام المائي، كما أن هناك تراجعًا في معدلات الوفيات منذ عقود، ما يعكس التقدم في سلامة الشواطئ والعلاج الطبي والوعي العام.
يعتبر الملف الدولي لهجمات القروش، التابع لمتحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي، قاعدة البيانات الوحيدة التي تم إنشاؤها علميًا والتي توثق وتراقب هجمات أسماك القرش على أساس عالمي، بدأ الملف الدولي لهجمات القروش عمله في عام 1958، وسجّل ما يقارب من سبعة آلاف حالة هجوم على البشر، أغلبها هجمات أو عضات غير مميتة، منذ القرن السادس عشر حتى الوقت الحاضر.
بصيغة أوضح، إن هجمات وعضات القروش على مدار 500 عامًا من التاريخ البشري، تعادل حالات السقوط التي استوجبت رعاية طبية خلال 70 يومًا فقط، فانتبه من الدرج والنافذة قد يكونان أخطر من القروش.
لم تكتفِ الصحافة بتناول حادث هجوم القرش على السائح الروسي خبريًا أو كمتابعات، إنما اتجهت الزاوية الصحفية والإعلامية لطرح الخبر في قالب توعوي على هيئة نصائح في حال تعرض القارئ لهجوم من سمك القرش، امتلأت الصفحات والقنوات بنصائح، في أغلبها مضللة وخاطئة، وبعضها لجأ إلى آراء من خبراء الغطس أو الهيئات المسؤولة عن المسطحات المائية.
جاءت النصائح ساذجة، على أفضل تعبير، وبها استخفاف من صدمة مجابهة سمكة قرش يصل طولها لخمسة أمتار ووزنها لـ 600 كيلو جرام داخل بيئتها الطبيعية، فمن ضمن النصائح أن يحافظ الشخص على ثباته الانفعالي، ويخفف من حركته فوق الماء، ويُفضل أن يغطس لأن القروش ضعيفة النظر تحت الماء، وإذا وجد نفسه يتعرض للهجوم فيحاول أن يلكم القرش في المناطق الحساسة كالعين أو الخياشيم!
هجمات وعضات القرش على مدار 500 عامًا من التاريخ البشري تعادل حالات السقوط التي استوجبت رعاية طبية خلال 70 يومًا فقط، وبهذا فإن الدرج والنافذة أخطر من القروش
تذكرت المشهد الهزلي من فيلم "الناظر"، عندما ذهب الفنان الراحل علاء ولي الدين إلى البلطجي "اللمبي" الذي قام بدوره محمد سعد، كي يعلّمه أصول "الصياعة"، فأخبره أن يصيح في عدوه الذي يتفاخر بجسده الضخم "اوعى يغرّك جسمك".. جاءت النصائح بهذا الشكل، "اضرب القرش في عينه.. اوعى يغرّك جسمه!" بدلًا عن توعية الناس إلى ندرة هذه الهجمات، للدرجة التي لا تستوجب القلق أو الخوف، وإنها لو حدثت، فالنتيجة محسومة سلفًا.
خاتمة
مطبوع على ظهر النسخة العربية المترجمة من كتاب "المياه كلها بلون الغرق" لـ "إميل سيوران": "حين يُشبع الطغاة شراستهم يتحوّلون إلى رجال طيبين. وكان يمكن أن تعود الأمور إلى نصابها لولا غيرةُ العبيد، ورغبتهم في إشباع شراستهم هم أيضًا. إنّ طموح الخروف إلى أن يتقمص دور الذئب هو باعث أغلب الأحداث. كلّ من ليس له نابٌ يحلم به. ويريد أن يفترس هو أيضًا".