أحلام كالسراب نسجها خيال محمد بن سلمان منذ أن صعد خلف والده للسلطة. حاول من خلال أحلامه أن يرسم لنفسه صورة المجدد للملكة القديمة، مبشرًا بنظام اقتصادي جديد تحت ما تسمى بـ"رؤية 2030". غير أن مساعي التحول الاقتصادي أحكمتها شطحات سياسية أودت بها في مهدها.
أحلام ابن سلمان في التحول الاقتصادي، تحولت إلى سراب بفعل الشطحات السياسية التي أودت بمساعي التغيير الاقتصادي في مهدها
واصطدمت التحولات الاقتصادية منذ بدايتها بعائقين، الأول له بعد اجتماعي، ففي الوقت الذي يطالب فيه النظام السعودي المواطنين بالتقشف والادخار في المعيشة، يتجاوز إنفاق الأسرة الحاكمة للمعدلات المنطقية، وتتناقل التقارير الإخبارية مظاهر بذخ آل سعود، طوال الوقت، وهو ما يهدد بانتهاء الاتفاق غير المكتوب بين آل سعود والمواطنين، الذي ينص عل "الولاء مقابل الرخاء".
اقرأ/ي أيضًا: رأس المال يهرب من السعودية.. مغامرات ابن سلمان تقوض دعاية 2030
فيما تمثلت العقبة الثانية في فشل أغلب الخطوات التي يتخذها ولي العهد، ويرجح البعض أن السبب الرئيسي في ذلك، تكرار اختلاق الأزمات السياسية بشكل متعاقب خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
حروب واختطاف وحوادث قتل وانقلابات داخل النظام، جميعها أمور أثرت بلا شك على القدرات الاقتصادية للنظام الذي يمتلك ثروة طائلة، وأفشلت الخطط الاقتصادية. حتى أن الأرقام الرسمية للنظام السعودي، تشير إلى مدى التأثر الواضح للأسواق السعودية والقدرة الشرائية للمواطنين السعوديين على إثر كل تلك التغييرات التي جلبها معه ابن سلمان.
وتشير توقعات اقتصاديين من خارج السعودية، إلى هروب متزايد لرؤوس الأموال، ما يعني مضاعفة العبء على المواطن السعودي، واستمرار الدعم الاقتصاد والبورصة من جانب الصناديق شبه الحكومية، للتغطية على الخسائر التي تلحق بالاقتصاد بفضل الأزمات السياسية الكبرى التي يصنعها ابن سلمان.
وبدأت السعودية زيادات في الأسعار مع نهاية 2017، كان أبرزها تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في كانون الثاني/يناير الماضي، كما قفزت أسعار الوقود في المملكة لأرقام لم تشهدها من قبل منذ مطلع عام 2018، إذ يتراوح الارتفاع في أسعاره ما بين 82% إلى 126%، فأصبح لتر البنزين 91 بـ1.37 ريال بدلًا من 0.75 ريال. أدى ذلك بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعار النقل لنحو 10%. كما شهدت سلع أخري ارتفاع كبير للأسعار مع استمرار الركود.
تضخم وبطالة
وفقًا للإحصائيات الرسمية فإن القدرة الشرائية للسعوديين انخفضت، وكانت أبرز تلك الانخفاضات في شهر رمضان الماضي، حيث انخفضت القدرة الشرائية بواقع 20% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وذلك في أحد أهم مواسم رواج البيع والشراء.
ومع ارتفاع الأسعار واستمرار رفع الدعم عن العديد من السلع، وفرض مزيد من الضرائب مع ثبات الأجور إلى حد كبير، يتوقع الخبراء الاقتصاديون تزايد تأثر المواطن السعودي بشكل مباشر، مع ارتفاع معدلات التضخم لما يصل إلى 6% في 2018، مع زيادة حالة الركود الاقتصادي.
السياسات الاقتصادية لابن سلمان، أدت لانخفاض القدرة الشرائية للسعوديين بواقع 20% في رمضان الماضي، مقارنة بالعام السابق
ارتفاع الأسعار المتصاعد جنبًا إلي جنب مع ارتفاع معدلات البطالة، ساهم في زيادة معدلات التضخم وانخفاض القدرة الشرائية، حتى أن الأرقام السعودية الرسمية تعترف بذلك، ففي بيان للهيئة العامة السعودية للإحصاء، ارتفعت معدلات التضخم في شهر حزيران/يونيو الماضي بنسبة 2.1%، ليستمر الارتفاع للشهر الثامن على التوالي، فقد سجل شهر حزيران/يونيو زيادة بنسبة 0.1% مقارنة بشهر أيار/مايو من نفس العام.
اقرأ/ي أيضًا: ميزانية السعودية 2018.. حروب الطيش من جيوب المواطنين والوافدين
في الوقت نفسه تستمر معدلات البطالة في الارتفاع، فوفقًا لنفس الهيئة السعودية الرسمية، فإن معدلات البطالة ارتفعت في 2018 إلى 12.9% بعد أن كانت 12.8% في 2017.
وسجل عام 2017 نسبًا عالية في البطالة تراوحت ما بين 29% و33% بين الذكور الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و24 عامًا، ووصلت إلى 38% بين الذكور في الفئة العمرية المتراوحة بين 24 و29 عامًا. بينما وصلت نسبة البطالة بين الإناث غلى أكثر من 34% في 2017، في حين أن نسبة العائلات السعودية التي تعيلها امرأة، وصلت إلى 5% من إجمالي الأسر السعودية.
اللافت للانتباه أن هذه الزيادة في معدلات البطالة، تأتي في نفس الوقت الذي تعمل فيه السلطات السعودية على تقليل العمالة الأجنبية في إطار ما يعرف بـ"السعودة"، أي استبدال العمالة الأجنبية بأخرى سعودية. وهي من جهة أخرى سياسة كان لها أثر سلبي مباشر على الاقتصاد السعودي، إذ ساهمت بشكل كبير في قلة العرض على السلع، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، خاصة بين تجار التجزئة، كما أشارت تقارير اقتصادية.
السياسة تدمر الاقتصاد
طالب النظام السعودي الجديد، عدة مرات، المواطن السعودي بالقبول بالإجراءات الاقتصادية شديدة القسوة التي لم تعهدها السعودية من قبل، وذلك من منطلق رؤية 2030 التي يفترض أنها تهدف أساسًا غلى زيادة الموارد من المصادر غير النفطية، غير أن ذلك لم ينجح حتى الآن، بل إن القطاع الخاص غير النفطي، شهد انخفاضًا كبيرًا في نموه، مسجلًا في نيسان/أبريل الماضي أدنى مستوى له منذ تسع سنوات، فضلًا عن ذلك شهد الناتج المحلي انخفاضًا بنسبة 0.7% نهاية العام الماضي.
وعلى عكس دعوات النظام للمواطنين بتقليل الإنفاق، فإن النظام السعودي وعلى رأسه ابن سلمان، ينفق دون ضوابط، سواءً للرفاهية أو لشراء الولاءات والقبول من الخارج بصفقات السلاح الضخمة أو لشراء السكوت عن ممارسات تنتهك حقوق الإنسان، وهي السياسة التي انتهجها ابن سلمان لتعضيد حكمه.
ومن أبرز ما تداول حول البذخ المبالغ فيه، شراء ولي العهد لوحة "مخلص العالم" بنحو 450 مليون دولار، والتي أهداها لمتحف اللوفر بأبوظبي، كما قام بشراء يخت بمبلغ وصل إلى نحو 500 مليون دولار. كما كشفت تقارير شراء ابن سلمان لقصر في فرنسا بـ300 مليون دولار.
ومن أجل ضمان تأييد الرئيس الأمريكي وقعت السعودية صفقات مع الولايات المتحدة بنحو 450 مليار دولار. كما أن السعودية تنفق يوميًا الملايين على حرب في اليمن. كما أن الاقتصاد السعودي تأثر كثيرًا بالانقلابات الداخلية التي قام بها ابن سلمان، واعتقاله لعشرات من رجال الأعمال والأمراء السعوديين.
وتعد الشطحة السياسية الأخير التي كان لها أثر بالغ على الاقتصاد السعودي، أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، وقد هبطت على إثرها مؤشرات البورصة السعودية لأدنى مستوياتها.
هذا وتدخل النظام السعودي عبر الصناديق السيادية شبه الحكومية، في واقعتن كبيرتين، الأولى كانت في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي شنها ولي العهد على أمراء ووزراء ورجال أعمال سعوديين، والثانية خلال الأيام الحالية بسبب أزمة مقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وذلك لدعم الاقتصاد السعودي في وجه الخسائر الفادحة.
وفي نفس السياق، فإن إخافة المستثمرين يعد جزءًا أساسيًا في أزمة الاقتصاد السعودي، إذ كيف يمكن أن يُقنع البعض بالاستثمار في ظل اقتصاد يدار مركزيًا من قبل النظام، الأمر الذي لابد وأن يخيف المستثمرين، فضلًا عن أن القمع الذي يطال الجميع بمن فيهم أصحاب رؤوس الأموال في السعودية، هي حالة طاردة للاستثمار الأجنبي.
أكد تقرير بحثي اقتصادي أن التدخل المتطرف للسياسة في الاقتصاد، سيعرض الاقتصاد السعودي لمزيد من التدهور
وفي تقرير سابق نشرته وكالة بلومبيرغ حول هروب رؤوس الأموال من السعودية، أوردت الوكالة في تقريرها بحثًا أجرته مؤسسة "جي بي مورغان" المصرفية الشهيرة، يشير إلى توقعات بشأن تدفق رؤوس الأموال إلى خارج السعودية بنهاية 2018، تصل إلى نحو 65 مليار دولار أي 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي. وتوقع التقرير كذلك أن التداخل "المتطرف" بين السياسة والاقتصاد، سيعرض الاقتصاد السعودي لمزيد من التدهور، ما يؤثر بشكل مباشر على المواطن السعودي، الذي كما أشرنا، تتدهور قدرته الشرائية باستمرار.
اقرأ/ي أيضًا:
تباطؤ النمو الاقتصادي في السعودية.. "رؤية 2030" في مهب رياح الواقع
السعودية تفقد الاستثمارات الأجنبية.. هذا ما جناه غرور ابن سلمان