18-أكتوبر-2024
صور عائلية في موقع الغارة الإسرائيلية (ميديل إيست آي)

صور عائلية من موقع الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قرية أيطو (ميديل إيست آي)

قصفت الطائرات الإسرائيلية، الإثنين الماضي، مبنى يؤوي عائلات نازحة في قرية إيطو بقضاء زغرتا شمال لبنان، ما أدى الهجوم إلى استشهاد 23 شخصًا. وهي المرة الأولى التي تستهدف فيها طائرات الاحتلال المناطق الشمالية البعيدة عن نفوذ حزب الله، وهذا يعني أنه لا مكان آمن في كل لبنان كله.

في هذه القرية الجبلية، انتشرت روائح الموت في مكان الاستهداف، بينما كان عمال الإنقاذ يحفرون بين الأنقاض، يجمعون أشلاء الرجال والنساء والأطفال الذين استشهدوا جراء الغارة. ملابس الأطفال الملطخة بالدماء، التي يُرجح أنها قُذفت جراء شدة الانفجار، كانت معلقةً على أشجار الزيتون، وبجانب الأحجار الملطخة بالدماء كانت توجد ملاعق، وأحذية، وأباريق قهوة، وصور عائلية.

الغارة الإسرائيلية أودت بحياة ما لا يقل عن 23 شخصًا وجرحت 8 آخرين، ولم ينجُ أحد في المبنى. كان هذا الهجوم هو الأول الذي يستهدف قرية تقطنها غالبية مسيحية في الشمال اللبناني منذ اندلاع القتال بين إسرائيل وحزب الله قبل أكثر من عام. القرية التي عادة ما تكون هادئة، تقع بعيدًا عن مناطق نفوذ حزب الله الرئيسية في جنوب وشرق البلاد، التي تحملت العبء الأكبر من الهجمات الإسرائيلية.

في هذه القرية الجبلية، انتشرت روائح الموت في مكان الاستهداف، بينما كان عمال الإنقاذ يحفرون بين الأنقاض، يجمعون أشلاء الرجال والنساء والأطفال الذين استشهدوا جراء الغارة

يقول إيلي علوان، البالغ من العمر 42 عامًا، وهو صاحب المبنى السكني المدمر، لموقع "ميدل إيست آي" إنه كان قد أجّر المبنى لحوالي 28 شخصًا من عائلة حجازي، الذين فروا من قريتهم عيترون في جنوب لبنان، وكانوا يعيشون في الشقة منذ حوالي 20 يومًا.

وأضاف إيلي أنه قبل الهجوم الإسرائيلي مباشرة في حوالي الساعة الثانية ظهرًا من يوم الإثنين الماضي، وصل خمسة أشخاص بسيارتين غير مألوفتين لسكان المنطقة، وعرضوا على العائلات النازحة المال والمساعدة، بناءً على شهادة شقيقه الذي يعيش في المنزل المجاور مع زوجته جيهان.

السيارات التي كانت موجودة في موقع الهجوم دُمرت، والأجساد تمزقت بسبب قوة الانفجار. إحدى السيارات تعرضت لأضرار أكبر من غيرها، حيث كانت متفحمة وسقفها قد دُمر بالكامل. أخبر إيلي "ميدل إيست آي"، أن هذه السيارة كانت واحدة من السيارتين اللتين جاءتا لزيارة سكان المبنى.

ادعت إسرائيل أن الهجوم استهدف هدفًا مرتبطًا بحزب الله، لكن دون أن تقدم تفاصيل أو أدلة على ذلك، إلا أن الأمم المتحدة دعت إلى تحقيق مستقل، فقد أدى الهجوم إلى قتل 12 امرأة وطفلين كانوا في المبنى السكني المكون من أربعة طوابق.

قال رينيه معوض، أحد أقارب إيلي، الذي وصل إلى مكان الحادث بعد حوالي 15 دقيقة من وقوع الهجوم، "حتى لو كان هناك شخص من حزب الله هنا، فلا يجب أن يهاجموا أماكن تأوي النساء والأطفال. إسرائيل لديها طرقها الخاصة لاستهداف هؤلاء القادة، لكن لا ينبغي أن يهاجموا حيث يوجد المدنيون".

من جهته، قال كبير الباحثين في الأزمات والصراعات والأسلحة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ريتشارد وير، لموقع "ميدل إيست آي"، "يجب أن يأخذ أي هجوم في الاعتبار القوانين الأساسية للحرب، وأن يتخذ المهاجم جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب أو تقليل الأضرار على المدنيين"، وأضاف: "إسرائيل أظهرت قدرتها على اختيار أسلحة تضبط تأثير ضرباتها"، لكن "مع إسرائيل، لا أحد في مأمن".

بدوره، قال المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، جيريمي لورانس، "لدينا مخاوف حقيقية بشأن القانون الدولي الإنساني، وقوانين الحرب ومبادئ التمييز والتناسب".

بجوار المبنى المدمر، جلست جيهان طرباي علوان، البالغة من العمر 47 عامًا، في مطبخها، وهي في حالة صدمة من الهجوم. من نافذتها المتكسرة، كان جرار يرفع قطعًا ضخمة من الخرسانة من حيث كان جيرانها الجدد قد احتموا.

روت لموقع "ميدل إيست آي" ما حدث وقت الهجوم، إذ كانت على شرفتها تكتب في دفتر ملاحظات عندما سمعت دوي انفجار هائل، وبعد ثوانٍ انقشع الدخان الكثيف ليكشف عن مشهد دموي. ركضت جيهان نحو شابة مستلقية على الأرض لمساعدتها. "كانت مغطاة بالكامل بالدماء"، تتذكر جيهان.

قبل ساعات من الهجوم، جلست جيهان مع إحدى النساء في المبنى تحتسيان القهوة. "كانوا أناسًا بسطاء، نساءً وأطفالًا، كانوا هادئين ولطفاء جدًا"، قالت وهي تشهق بالبكاء.

خلال تلك المحادثة، التي استمرت 20 دقيقة، أخبرتها المرأة كيف أنها نزحت من قريتها عيترون منذ أكثر من عام. "انتقلوا من قريتهم إلى قرى آخرى، ثم إلى بيروت، ثم إلى هنا"، قالت جيهان، وأضافت "جميعنا اعتقدنا أنه مكان آمن، لكن مع إسرائيل، لا أحد في مأمن".

بعض السكان المحليين الذي تجمعوا في موقع الهجوم، اعتبروا أن إسرائيل تحاول زرع الفتنة في لبنان، فقد دعا رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، اللبنانيين إلى "تحرير بلدهم من حزب الله".

في الأسبوع الذي تلا تصريح نتنياهو، وسعت إسرائيل من ضرباتها التي كانت تستهدف جنوب وشرق لبنان وضاحية بيروت الجنوبية، ففي العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ضربت غارتان إسرائيليتان وسط بيروت، ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 22 شخصًا وإصابة 117 آخرين.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، في الـ12 من تشرين الأول/أكتوبر، قصفت إسرائيل منطقة البترون الشمالية وقرية برجا في قضاء الشوف، وهما منطقتان لم يشملهما القصف سابقًا، وقد استهدفت الغارتان أيضًا مباني تأوي أشخاصًا نازحين من الجنوب.

زعيم تيار المردة، سليمان فرنجية، قال: "ما حدث في إيطو حدث أيضًا في دير بيلا بالبترون، والمعيصرة بكسروان وقرى آخرى، بهدف خلق أجواء سلبية وصراعات داخلية، وهو أمر خطير للغاية، خاصة بالنسبة للمسيحيين". وهذا ما أكده رينيه، قائلًا: "إسرائيل تحاول خلق صراع بيننا وبين النازحين، لكنها لن تنجح لأن هؤلاء الناس هم إخواننا وأخواتنا وهم مرحب بهم للعيش معنا".

وأكد رينيه أن غضبه ليس موجهًا على الإطلاق نحو النازحين، بل نحو الولايات المتحدة، التي حمّلها مسؤولية الخسائر الفادحة والدمار في لبنان، وقال: ينبغي على الشعب الأميركي أن يستيقظ. يجب أن يحاسبوا مسؤوليهم. أميركا لديها الكثير من المال وجيش قوي، يمكنهم صنع السلام في العالم".

أيدت جيهان ما قاله رينيه، قائلةً إن: "الدعم الأميركي غير المقبول لإسرائيل يضر فقط بسمعتها. الأميركيون سيكونون أول من يتضرر"، وأضافت: "أنا أؤمن بشيء واحد، الشر سيدمر نفسه".