حان موعد ختام النسخة التاسعة من كأس العالم المقامة في المكسيك 1970، والتي شهدت العديد من اللحظات التاريخية والمباريات الملحمية في مجرياتها، فانتظر الجميع النهائي الحلم الذي سيجمع بين البرازيل وإيطاليا في ملعب الآزتيكا.
أكدت البرازيل في هذه البطولة زعامتها لكرة القدم بجدارة وفنون ممتعة في الملعب
قبل بداية البطولة بثلاثة أشهر فقط، اتخذ الاتحاد البرازيلي قراراً بتعيين ماريو زاجالو مدرّباً لنجوم السامبا خلفاً للمدرّب جواو سالدانيا، ويرجّح البعض أن سبب إقالة الأخير كان استبعاده لبيليه من تشكيلة البرازيل في النهائيات، ما أسفر عن غضب شعبيّ عارم تدخّل الاتحاد البرازيلي على إثره وعيّن زميل بيليه في كأس العالم عام 1958 زاجالو مدرّباً، وهنا استعدّ الأخير بهذه الأشهر الثلاثة بشكل جيّد، وباتت تشكيلته مدعّمة بلاعبين خبرة كبيليه الذي نال كأس العالم مرّتين عام 1958 و 1962، وكارلوس ألبيرتو توريس، إضافة إلى جيل جديد أرعب الخصوم تمثّل بجيرزينيو وريفلينيو وآخرين.
وفي المقابل أرادت إيطاليا دخول البطولة بقوّة، لا سيما وأن أنديتها هي الأقوى على الصعيد الأوروبي، ومنتخبها حاز على النسخة الثالثة من كأس أمم أوروبا عام 1968، وتضمّ لاعبين مشهورين في عالم المستديرة كريفيرا وريفا وفاتشيتي والحارس العملاق دينوزوف، ويقودهم مدرّب اعتاد على اللعب بالأسلوب الدفاعي المتحفّظ واسمه فيروتشيو فالكاريجي، وفوق كل ذلك أرادت إيطاليا دخول كأس العالم من أجل رد الاعتبار لنفسها بعد خروجها من الدور الأول في مونديال إنجلترا أمام فريق متواضع هو كوريا الشمالية، في مفاجأة تعدّ الأبرز بتاريخ كأس العالم.
على عكس الفريق الإيطالي، وصلت البرازيل إلى المباراة النهائية دون صعوبة تذكر، حيث تخطّت الأوروغواي بثلاثية مقابل هدف في نصف النهائي، في مباراة استطاعت بها أن تثأر ممّن ارتكب بحقّها جريمة الماراكانا، وقبلها فازت على البيرو بسهولة بأربع أهداف لاثنين، وذلك بعد أن حققت العلامة الكاملة في دور المجموعات، والذي شهد أصعب مبارياتها في البطولة على الإطلاق أمام فريق إنجلترا القوي حامل لقب النسخة السابقة، حيث انتهى اللقاء بفوز برازيلي صعب 1-0.
بات ماريو زاغالو أول إنسان يفوز بكأس العالم لاعباً ومدرّباً
بالغت إيطاليا كثيراً بتحفّظها الدفاعي، حيث وصلت للدور ربع النهائي رغم تسجيلها لهدف واحد كان أمام السويد، قبل أن تتعادل مع الأوروغواي وفريق الاحتلال الإسرائيلي دون أهداف، ولكنّ شهيّة الطليان التهديفية بانت أمام أصحاب الأرض في دور ربع النهائي عندما غلبت المكسيك 4-1، قبل أن تخوض أصعب معركة لها في تاريخ مشاركاتها المونديالية وتتغلّب بصعوبة بالغة على ألمانيا بعد التمديد 4-3 في لقاء انهار به اللاعبون من شدّة التعب والحرارة المرتفعة.
كان ختام بطولة كأس العالم بالمكسيك مثاليّاً جداً، فالصراع كان محتدماً بين فريقين مثّل كلّ منهما قارّته، فهو صراع سيتضح به أي قارّة ستتفوق على الأخرى، إذ فازت أوروبا بأربع نسخ سابقة من كأس العالم حالها كحال أمريكا اللاتينية، ولا مبرر لأحد على الخسارة لأن كل أجواء النصر مهيّأة، فالأمطار هطلت قبيل بداية المباراة ولطّفت من حرارة الطقس، والأرض محايدة نوعاً ما فالمباراة تقام بقارّة أمريكا الشمالية التي لا ينتمي إليها الفريقان، وفوق كل هذا كانت إيطاليا والبرازيل تطمحان لأن تكونا أول فريق يحصل على كأس جول ريميه 3 مرّات، وبالتالي سيحتفظ بها للأبد، وهذا ما جعل كافّة أوروبا تقف إلى جانب الطليان المدافعة عن سمعة القارّة العجوز الكرويّة كما فعلت ذلك دول أمريكا اللاتينية لصالح البرازيل.
البرازيل هي الفريق الوحيد عبر التاريخ الذي فاز بكافة مبارياته في التصفيات والنهائيات وحدث ذلك في نسخة 1970
حالما أطلق الحكم الذي أتى من ألمانيا الشرقية غلوكنر صافرة بداية المباراة التي حضرها في ملعب الأزتيكا أكثر من 107 آلاف متفرّج، أراد الإيطاليون امتلاك زمام المبادرة، فحاولوا جاهدين الضغط على مرمى الحارس البرازيلي، وعلى عكس مجريات اللقاء استطاع بيليه أن يباغت الدفاع الإيطالي المحكم بهدف في الدقيقة 18، هدفٌ كاد البرازيليون أن يعززوه في أكثر من مناسبة لولا رعونة المهاجمين وتألق الحارس الإيطالي، وقبل نهاية الشوط الأول بـ8 دقائق عاقب الإيطالي بونسيجنيا البرازيليين على إهدارهم العديد من الفرص وسجّل هدف التعادل.
وفي الشوط الثاني استمر اللقاء سجالاً بين الطرفين إلى أن سجّل جيرسون هدف البرازيليين الثاني، عندها رمت إيطاليا بأوراقها لتعديل النتيجة، ما أدى لظهور العديد من الثغرات في صفوفها الخلفية، ثغراتٌ أسفر إحداها عن هدف ثالث للبرازيل عبر جيرزينيو، والذي بات اللاعب الوحيد في تاريخ كأس العالم الذي يسجّل بكافّة مباريات بلاده الستّ بكأس العالم والتي ضمنها النهائي، ومع محاولات إيطاليا اليائسة لتعديل النتيجة استطاع كارلوس ألبيرتو توريس أن يسجّل هدف بلاده الرابع من مجهود جماعي رائع، وبذلك نالت البرازيل كأس العالم للمرة الثالثة في تاريخها واحتفظت بكأس جول ريميه للأبد، وهي الفريق الوحيد الذي فاز بكافّة مبارياته في التصفيات والنهائيّات، فكان فريق البرازيل عام 1970 جديراً باللقب دون منازع، واستطاع بيليه أن يكون اللاعب الوحيد الذي فاز مع بلاده بكأس العالم 3 مرّات، وبات المدرب ماريو زاجالو أول رجل يفوز بكأس العالم كلاعب ومدرّب.
لقد أكّدت البرازيل بهذا الانتصار زعامتها الأزلية على عالم كرة القدم، وتفوّق قارّتها على منافستها أوروبا بهذه اللعبة، فكانت المكسيك بملاعبها وجماهيرها مكاناً مناسباً لتسجيل هذا الحدث التاريخي، في بطولة حظيت بالعديد من المفارقات العجيبة والحقائق الشيّقة، بطولةٌ امتلكت الحقوق الحصرية للعديد من الإنجازات الرياضيّة على الأصعدة كافّة، فما هي أبرز الأحداث الجديرة بالاهتمام التي تميّزت بها النسخة التاسعة من كأس العالم المكسيك 1970؟
تابعونا في الجزء القادم من قصة كأس العالم 1970..