مع نهاية دور المجموعات الذي خلا من المفاجآت في النسخة التاسعة من كأس العالم 1970، تأهّل إلى دور الثمانية كافّة المنتخبات الكبرى، والتي كان ضمنها كل المنتخبات التي فازت بكأس العالم في النسخ الثمان السابقة وهي البرازيل وألمانيا الغربية وإنجلترا والأوروغواي وإيطاليا، إضافة إلى تأهل المكسيك صاحبة الضيافة والبيرو والاتحاد السوفييتي، بالتالي ضم دور الثمانية 4 فرق من الأمريكيتين والعدد مثله من قارّة أوروبا..
ترقّب الجميع مواجهة ألمانيا الغربية مع إنجلترا، فهي تكرار لنهائي النسخة السابقة، والذي انتهى بفوز فريق الأسود الثلاثة 4-2 بعد التمديد، وقفت جماهير المكسيك بقوّة إلى جانب فريق ألمانيا الغربية، فشعر زملاء زيلر وبيكنباور أنّهم يلعبون في برلين، لم تنسَ فرق أمريكا اللاتينية كافّة سوء معاملة الإنجليز لهم في البطولة التي استضافوها، وقتها كان الإنجليز متكبّرين عليهم ووصل الأمر بالمدرب آلف رامزي أن وصف لاعبي الأرجنتين بالحيوانات، ولم يسمح للاعبيه أن يبادلوا قمصانهم مع نظرائهم الأرجنتينيين، وهذا ما اعتبره شعب الأمريكيتين إهانة لهم جميعاً وليس للأرجنتينيين وحدهم.
لم تنسَ الجماهير إساءة الإنجليز في استضافة فرق أميركا اللاتينية في النسخة السابقة فردّت الصاع صاعين
فقبل بدء المونديال احتجزت الشرطة الكولومبية قائد المنتخب الإنجليزي بوبي مور في مدينة كولومبيا بذريعة سرقة سوار ذهبي، ولكنّ الشرطة أفرجت عن القائد الإنجليزي بعد أن ثبتت براءته، وكانت هذه التهمة استفزازاً للإنجليز، كذلك قبل مباراة فريق الأسود الثلاثة أمام البرازيل في دور المجموعات حاصر المكسيكيون والجمهور البرازيلي مكان إقامة لاعبي آلف رامزي، وأطلقوا أصوات أبواق سياراتهم ودراجاتهم دون توقّف حتى الصباح، وذلك كي لا ينام الإنجليز ليلة لقائهم المرتقب مع البرازيل، وقبل بداية مباراة إنجلترا مع ألمانيا حاولت الصحافة الألمانية استفزاز الإنجليز عندما ذكّرت بوبي مور بحادثة السرقة التي بُرّئ منها، وهذا ما زاد أهمّية اللقاء، فهو يعني ثأر ألمانيا الغربية من خسارة نهائي ويمبلي 1966، وشماتة شعب الأمريكيتين بالإنجليز الذين لم يحترموا ضيوفهم بالسابق.
بدأت إنجلترا مباراتها مع ألمانيا الغربية بخسارتين، الأولى تجلّت بفقدان أفضل حارس بتاريخها على الإطلاق غوردون بانكس، والذي تعذّر عليه خوض اللقاء بسبب إصابته بتسمم غذائي حاد، والثانية كانت معنوية، إذ سيلعب الإنجليز بقميصهم البديل ذو اللون الأحمر بعد خسارتهم القرعة أمام لاعبي المدرّب هيلموت شون، وهذه هي المرة الثانية على التوالي التي سيلعب بها الإنجليز أمام الألمان بهذا القميص بعد نهائي 1966، ومع بداية المباراة استطاع زملاء بوبي مور امتلاك أرض الملعب وأنهوا الشوط الأول متقدّمين بهدف.
وبعدما أطلق الحكم الأرجنتيني غوريزا صافرة الشوط الثاني بأربع دقائق ضاعفت إنجلترا غلّتها بهدف ثانٍ، هدفٌ اعتقد الجميع أنه أقصى الألمان من البطولة، إذ لم تخسر إنجلترا في تاريخها أي مباراة تقدّمت بها 2-0، ولكن كان للاعبي هيلموت شون رأي آخر، حيث قلّص القائد زيلر نتيجة المباراة بالدقيقة 68، وقبل نهاية اللقاء بربع ساعة استطاع الهدّاف غيرد مولر أن يسجّل هدف التعادل، في تكرار لسيناريو نهائي 1966 والذي انتهى بالتعادل 2-2، وهو ما يعني تمديد المباراة لأشواط إضافية، حيث ابتسم الوقت الإضافي لألمانيا عندما سجّل غيرد مولر ثاني أهدافه في اللقاء بالدقيقة 108، معلناً فوز بلاده على إنجلترا 3-2، وحجز بطاقة الدور نصف النهائي، وهو الفوز الأول لألمانيا على إنجلترا بتاريخ مواجهاتهما، إذ تقابل الفريقان قبل ذلك 8 مرات، تعادلا في واحدة وخسر الألمان في 7.
تعذّر على حارس إنجلترا الأسطوري غوردون بانكس خوض مباراة ربع النهائي مع ألمانيا بسبب إصابته بتسمم غذائي
وفي مباراة أخرى من الدور ربع النهائي، واجه أصحاب الأرض فريق إيطاليا الذي اكتفى بتسجيل هدف واحد في البطولة دون أن تلج شباكه أي هدف، ورغم تقدّم أصحاب الأرض بهدف مبكّر في الدقيقة 13، إلا أن الطليان وجدوا شهيّتهم نحو الشباك قد عادت بتسجيلهم لأربعة أهداف، وبذلك حجزوا مقعدهم في دور نصف النهائي وأنهوا صيامهم عن التسجيل الذي طال لمدّة 285 دقيقة في هذه البطولة.
كذلك فعلت البرازيل وأقصت البيرو التي يدرّبها زميل بيليه السابق "ديدي" والذي أحرز مع السامبا بطولة العالم في نسختي 1958 و 1962، حيث فاز الفريق الأصفر 4-2 وحجز مكانه في الدور نصف النهائي، ورافقه فريق الأوروغواي الذي عانى الأمرّين قبل أن يغلب الاتحاد السوفييتي بهدف وحيد جاء قبل دقيقتين من نهاية الوقت الإضافي للمباراة التي انتهى وقتها الأصلي بالتعادل السلبي.
تقاسمت أوروبا والأمريكيتين مقاعد الدور نصف النهائي، وضمنت كلّ قارّة مقعداً لها في النهائيّات، إذ سيلتقي الفريق البرازيلي مع الأوروغواي في مباراة ينشدها زملاء بيليه للثأر من كارثة الماراكانازو، بينما تواجه إيطاليا ألمانيا الغربية في قمّة أوروبية خالصة، وكان من المميّز في هذا الدور أن الفرق الأربعة حاز جميعها على كأس العالم، فأحرزت لوحدها 7 بطولات من 8 نسخ سابقة، وكان التنافس الأكبر بين إيطاليا والأوروغواي والبرازيل، حيث حمل كل فريق كأس جول ريميه مرّتين، ومن سيفوز بها هذه المرّة بينهم سيحتفظ بها للأبد وفق العرف الكروي، فأيّ الفرق الأربعة سيتأهل لنهائي البطولة، ومن هو بطل العالم في النسخة التاسعة؟
تابعونا في الجزء القادم من قصة كأس العالم 1970..