أطلق الكاتب والباحث الأردنيّ المُتخصِّص في الحركات الإسلاميّة محمد أبو رمان قبل أيام قليلة كتابه الجديد "أسرار الطريق الصوفيّ: مجتمع التصوّف والزوايا والحضرات في الأردن" الصادر حديثًا عن مؤسّسة "فريدريش أيبرت" الألمانيّة ضمن مشروع قائم منذ أكثر من 13 عامًا بينها وبين المؤلّف الذي قدّم خلال هذه الفترة عشرات الكتب المعنيّة بدراسة الحركات الإسلاميّة والبحث في الظواهر الدينيّة، بالإضافة إلى قضايا الإرهاب والتطرّف أيضًا.
يسعى كتاب "أسرار الطريق الصوفيّ" إلى إخراج التصوّف الأردنيّ من سياق الصور الانطباعيّة المُسبقة، وتحليل أبعادهُ الثقافيّة والمُجتمعيّة
الغاية الأساسيّة من الكتاب تتمثّل في إخراج التصوّف الأردنيّ من سياق الصور الانطباعيّة المُسبقة، وتحليل أبعادهُ الثقافيّة والمُجتمعيّة وفقًا لأبو رمّان الذي يقول في تمهيد الكتاب إنّ الكتابة في موضوع التصوّف بالتحديد تختلف تمامًا عن الكتابة في مجال الحركات أو المدارس الإسلاميّة الأخرى، مُرجعًا السبب إلى امتلاك التصوّف لمصادر فكريّة وثقافيّة مُتفرِّدة، بل ولغة مُختلفة تمامًا، وإن كان الجميع ينهل أساسًا من معين واحد هو الإسلام.
اقرأ/ي أيضًا: محمد أبو رمان.. سيرة مختصرة للسلفية الأردنية
ويُضيف مؤلّف "الصراع على السلفيّة" أنّه "بالرغم من تشعّب الطرق والمناهج الصوفيّة وتعدّدها، وبالرغم من اتّساع حجم التراث الصوفيّ وتنوّعه، ما بين الكتب المتخّصصة بالتصوّف، التي ألفها علماء التصوّف، أو الكتب العلميّة المتخصّصة في علوم التشريع وتفسير القرآن وفق المنظور الصوفيّ، وكتب الشّعر والطرق والأذكار وتاريخ التصوّف ومدارس، إلّا أنّه – مع ذلك – ثمّة أصول ومفاهيم عامّة وأرضيّة مُشتركة يقف عليها الصوفيون جميعًا، ولو من الناحية النظريّة".
وللتصوّف، بحسب الباحث، لغة خاصّة، تختلف عمّا هو سائد في الأدبيّات الإسلاميّة عمومًا، مصدرها خصوصيّة التصوّف الكامنة في ارتباطه بعلم مُختلف يُحدِّدهُ في "علم القلوب" أو "الروح"، وهو ما يجعلهُ ملتصقًا بدرجة كبيرة بـ "عالم الغيب"، بما هو عالم لا محسوس، ولا معقول، ولامرئيّ أيضًا. وهذه اللغة، كما يُقدِّمها أبو رمّان، واقعيّة مُرتبطة "بالخبرات التي يعيشها الصوفيون أنفسهم، وهي مُتجدِّدة ومتطوّرة".
في الفصل الأوّل من الكتاب المعنون بـ"الدولة والمجتمع بين الصوفيّة والسلفيّة"، يسعى محمد أبو رمّان إلى قراءة وتحليل أثر السياسات الدينيّة الرسميّة على ترجيح كفّة أي اتّجاه، سلفيّ أو صوفيّ، على الآخر، وينطلق بعد ذلك لمُناقشة التحوّلات التي حدثت في الثقافة الدينيّة المُجتمعيّة منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، مُشيرًا في هذا السياق إلى أنّ الدولة الأردنيّة لا تتبنّى أي مذهب دينيّ أو طائفيّ مُعيّن، وأنّ النموذج التي تبدو الدولة قريبة منه هو النموذج العلمانيّ المُحافظ، ولكن ذلك في المُقابل لا ينفي وجود مزاج مُعيَّن يطغى على خطاب الدولة وكذلك سياساتها الدينيّة في فترة مُعيّنة، إذ توجد تفريعات مُهمّة في دراسة هذا المزاج، يتعمد على دراسته من خلال توجّهات المؤسّسات الدينيّة الرسميّة، وخطاب الدولة الدينيّ.
وخصّص مؤلّف "السلفيون والربيع العربيّ" الفصل الثاني الذي عنونه بـ "من الطرُقية إلى الشبكيّة" لتناول تحوّلات المشهد الصوفيّ في الأردن من خلال البحث في الطرق الصوفيّة من حيث التأسيس والانتشار، ودراسة التصوّف المؤسّسي والشبكيّ من خلال جيل الشباب. ويذكر أنّ الطرق الصوفية دخلت إلى المجتمع الأردنيّ عبر "إقامة الزوايا منذ بداية الخمسينيّات، وقبل ذلك، كان هناك موروث صوفيّ، وشيوخ صوفيّون، لكن لم توجد في أغلب مناطق المملكة زوايا لها شيوخ ومريدون وأتباع وتقاليد". ويؤكّد في هذا السياق أنّ هناك أسباب عديدة للموجة الصوفيّة الأولى، ترتبط جميعها بالهجرة من فلسطين إلى الأردن بعد النكبة عام 1948، بالإضافة إلى وحدة الضفّتين خلال عام 1950، حيث انتقل العديد من المشايخ الصوفيين إلى الأردن، قبل أن تأتي نكسة حرب 1967 لتُعزِّز هذا التواجد الصوفيّ، وتُساهم في زيادة عدد الزوايا وانتشارها.
بالرغم من تشعّب الطرق والمناهج الصوفيّة وتعدّدها، ثمّة أصول ومفاهيم عامّة وأرضيّة مُشتركة يقف عليها الصوفيون جميعًا
أمّا الفصل الثالث "في البيت الصوفيّ: الطريقة، الشيوخ، والزوايا"، يدخل أبو رمّان إلى داخل البيت الصوفيّ حيث يتعرّف "على أصول الطرق ومشايخها ومساراتها، وزواياها، ونُحاول أن نرسم صورة عن الحضرات أو جلسات الذكر التي تقيمها، وسماتها الرئيسيّة من خلال التعرّف على المدرسة الشاذليّة، والفروع الرفاعيّة، والخلوتيّة الجامعة الرحمانيّة، والنقشبنديّة الحقّانيّة، والباعلوية".
اقرأ/ي أيضًا: فاس.. حاضرة التصوف الإسلامي
ويُخصّص الفصل الرابع والأخير المعنون بـ"في محراب التصوّف: المجتمع والمرأة والثقافة" لتشكّلات التصوّف العميقة في المجتمع، إن كان ذلك من خلال استطلاع التغيّرات التي تحدث لدى المتصوّفين، أو من خلال التصوّف النسويّ في الأردن، بالإضافة إلى المجالات التي يرى أبو رمّان أنّها قد لا تظهر على السطح مُباشرةً في التأثير والأثر الصوفيّ على الثقافة والأدب والغناء والفنّ.
اقرأ/ي أيضًا:
المولد النبويّ في الأردن: موسم الخلافات والتكفير
الزاوية التيجانية.. قِبلة العشاق ومورد النُسّاك في الصحراء الجزائرية