صدر حديثًا عن دار ابن رشد في إسطنبول كتاب "إعادة صناعة الطوائف.. أفكار حافة الهاوية" للكاتب الفلسطيني حسين شاويش، الذي يحاول الإجابة على أسئلة إشكالية من قبيل: لماذا أمكن إنشاء أنظمة محاصصة سياسية طائفية في القرن الواحد والعشرين؟ وهل نستطيع تتبّع الجذور الاجتماعية - التاريخيّة لعمليّات التديّن والتطيّف في منطقتنا، منذ خمسة قرون على الأقل، وعلى كلّ الأصعدة؟ ما هو دور فشل عملية التحديث اقتصاديًّا وثقافيًّا ومن ثمّة فشل بناء الهوية الوطنية - القومية الجامعة؟ وكيف نفهم دور "صانعي الأيديولوجيات الطائفية" في اختراع تواريخ ومظلوميّات تبرّر لصراع الهويّات الطائفية ومن ثمّة "لبننة" الساحة العربية؟ وهل يكفي اتّهام القوى الكبرى قديمًا وحديثًا في زرع الطائفية في بلادنا، أم أنّ العامل الذاتي ليس أقلّ أهميّة؟
هل نستطيع تتبّع الجذور الاجتماعية - التاريخيّة لعمليّات التديّن والتطيّف في منطقتنا، منذ خمسة قرون على الأقل، وعلى كلّ الأصعدة؟
يستعرض الكتاب نماذج للسرديّات الطائفية، مستفيضًا في شرح المثال العراقي الحديث بشكل خاص، لأنّه يوضّح دور العوامل المختلفة المحلّية والإقليمية والعالمية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية في الوقت نفسه.
يؤكد شاويش أنّ الكتاب يحاول بشكل مباشر أو غير مباشر أن يقرع الأجراس. من خلال وصف كيفية اختراع سردية سياسية محضة لطائفة ما، وكأن ذلك جوهرها، بحيث يُحول بعضها إلى مجرد آلة حرب تستخدمها قوى ما ضد أخرى.
من المقاربات التي لا تكاد تغيب عن أي من معالجات الكتاب لموضوع صناعة الطائفة هو كشف البعد الخارجي في صراعات الطوائف الأيديولوجية والسياسية، بما في ذلك الدعم السياسي لـ"مؤسساتها" الأيديولوجية. وليس هذا "الخارج" مجرد إمبرياليين يبحثون عن أسواق ومواد أولية وأيدٍ عاملة رخيصة، بل إنّه يحمل لنا سرديته الطائفية التي أنتجها الاستشراق على مدار أكثر من قرنين وحولها إلى "علم" شرقيات وإسلاميات تحكم نظرة سياسيي الغرب وتنتقل بألف طريقة وطريقة إلى أدمغة أحزابنا وسياسيينا أنفسهم. كما أن ذلك "الخارج" يشمل القوى الإقليمية أيضًا التي يبنّى الكثير منها "طائفة الأكثرية" لديه واعتبر نفسه المرجع الإقليمي لرعايا تلك الطائفة في كل مكان. وهنا يصبح "الفكر الطائفي" هو نوع من "أيديولوجيا مد النفوذ الإقليمي"، كما في تجارب بلدان الهلال الخصيب.
يقع الكتاب بين البحث الأكاديمي والكتابة الفكرية المتأملة. والهدف من ذلك جعل المادة مفهومة للقارئ غير المتخصص، دون التخلّي عن القدر الضروري من الدقّة في الرصد والتحليل العلمّيين.
يذكر أن حسين شاويش مواليد 1953 لأسرة فلسطينية لاجئة إلى سوريا. درس الطب البشري وعلم النفس. مقيم في برلين منذ 1990. من أعماله: "الرماد الثقيل، أو الطائفية جذورًا ومصائر"، و"الإسلام عشقًا".