يندرج كتاب المعاجم التاريخيّة - مقارنات ومقاربات ضمن سلسلة "دراسات معجمية ولسانية" التي يشرف على إصدارها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في إطار استراتيجيته الهادفة إلى تذليل تحديات النهضة العربية الحديثة، والتي مثّل الاهتمام باللغة العربية والنهوض بالإنتاج البحثي أهم ركائزها. فالأمم تنهض بلغتها، من دون انعزال عن اللغات الأجنبية، وهو ما يعمل معهد الدوحة للدراسات العليا الذي أسسه المركز على الاعتناء به. ولهذا شرع المركز في إصدار سلسلة "ترجمان" لترجمة الكتب إلى العربية بالتزامن مع إطلاقه في 25 أيار/ مايو 2013 معجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي عمل علماؤه ولا يزالون على إنجازه (ينظر لاحقًا الكلام عنه). وسوف تضطلع سلسلتنا هذه بنشر الكتب العربية المتميزة في مجال علوم اللسانيات والمعجميات، وسنعمل على أن تشكّل والأخيرة إضافة جديدة إلى رصيدنا المعجمي الغني.
يحتوي كتاب "المعاجم التاريخيّة" على مقارنات ومقاربات لستة عشر عالمًا عربيًّا، والإنجليزية ليندا ماغلستون المتخصصة في تاريخ اللغة الإنجليزية والصناعة المعجمية، والألماني لوتز إدزارد المتخصص باللسانيات العربية والساميّة
يحتوي الكتاب، كما يشهد عنوانه، على مقارنات ومقاربات لستة عشر عالمًا عربيًّا، والإنجليزية ليندا ماغلستون المتخصصة في تاريخ اللغة الإنجليزية والصناعة المعجمية، والألماني لوتز إدزارد المتخصص باللسانيات العربية والساميّة، فيما يتخصص الآخرون بالمعجميات والآداب والإنسانيات والتربية ولغات الحضارات القديمة، والحاسوبيات، واللسانيات العامة والفارسية والمقارِنة بين العربية والساميّة والأفريقية. وقد تولّى حسن حمزة تحرير مادة الكتاب، وهو يقع في 641 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
كان المعجم الثنائي اللغة أسبقَ ظهورًا من المعجم الأحادي اللغة، لمسيس الحاجة إليه في علاقات الشعوب بعضها ببعض، وقد تأخر "المعجم التاريخي" كثيرًا، إذ لا بدّ لظهوره من الحاجة إليه. فبدأ العمل فيه في القرن التاسع عشر الميلادي في ألمانيا الأخوَان غريم، نتيجة الحاجة إلى تحقيق الوحدة الألمانية وإعادة لهجاتها إلى أصلٍ واحد، ثم أخذت المعاجم التاريخية بعدها تبصر النور تدريجيًّا في أوروبا. أما في العالَم العربي، فكان التفكير الشائع لدى العرب أنّ كلّ تغيير في اللغة فساد، لأن لغتهم توقيف وإلهامٌ، وليست مواضعةً واصطلاحًا، وأن التطور اللغوي فسادٌ ناشئ عن اختلاط العرب بغيرهم، فلم تسجّل المعاجم العربية تغييرات تُذكر بعد عصور الفصاحة والاحتجاج.
ومن المفارقات اللافتة ذكر المعاجم الأوروبية مفردات عربية كـ "الجَبْر" و"السَّمْت" و"النظير" على سبيل المثال لا الحصر، ولا يكون الذي تذكره موجودًا في المعاجم العربية، التي بقيت الألفاظ والدلالات الجديدة التي تدخلها نادرة، وهو نقص قام للأسف عالم معجميات هولندي بسدّه في مستدركه على المعاجم العربية Supplément aux dictionnaires arabes (وهو صادر عام 1881)، حتى إنّ المعجم الوسيط يشير إلى أنّ بطرس البستاني وسعيد الشرتوني ولويس المعلوف حاولوا "تدارك هذا النقص وهم متأثّرون بالمعاجم الغربية الحديثة".
حينما أُسِّس مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1932، نصت وثيقته التأسيسية على "وضع معجم تاريخيّ للّغة العربيّة"، ولكنّه لم يستطع التنفيذ إلا بعد ثلاثة عقود، وبعد انضمام المستشرق الألماني أوغيست فيشر إليه، عارضًا مشروعه الخاص عام 1936، والأكثر أسفًا أن حظ المجمع من مشروع المعجم كان الموافقة عليه فحسب، بينما بقي عمله العلمي فرديًّا لفيشر وحده مع "مساعد مصري [...] وعدد من القرّاء والنساخين المصريين"، كما ورد في مقدمة رئيس المجمع إبراهيم مدكور. وجاءت ثالثة الأثافي بتوقف المشروع بعد وفاة فيشر، وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد كان محركه الوحيد؟
وبعد أربعين عامًا، قام مشروع لمعجم تاريخي في تونس، فأعدّ القيّمون عليه جذاذات لما يقرب من مئة من الشعراء الجاهليين، ولكن المشروع توقّف بعد سنوات، تبعه مشروع اتّحاد المجامع العربية ولم يخرج إلى النور شيءٌ من عمله.
أمّا المشروع الأخير، فهو مشروع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، هو معجم تاريخي متجدد، يَجْرُد ذاكرة كل ألفاظ اللغة العربية ويوثّقها توثيقًا تاريخيًّا، ويربط كلًّا منها بدلالاته عبر سياق الزمن والاستخدام، ويرصد معانيها منذ أول استعمال لها في النصوص المكتوبة أو النقوش المكتشفة وتحوّلها النحوي والدلاليفي كل الفترات الزمنية؛ ما يعين في اكتشاف تاريخية تطوّر فكر الأمّة وحضارتها لغويًّا واصطلاحيًّا، ومفاصل تكوّن شخصيتها، وطبيعة التأثيرات والتأثرات التي خلّفها اتّصالها بغيرها، والإشارة إلى نظائر الألفاظ في اللغات الساميّة، ليكون هذا المعجم بعد إتمام مراحل ثلاث مقرَّرة، سجلًّا تاريخيًّا للغة العربية على امتداد عشرين قرنًا من الزمان.
أُطلق مشروع المعجم في 25 أيار/ مايو 2013 في الجلسة الأولى لـ "المجلس العلمي" للمعجم (يضم حوالي 300 عالم لغوي ومعجمي وحاسوبي) في الدوحة، بعد سلسلة اجتماعات تحضيرية ولقاءات علمية استمرت منذ عام 2011، وكانت الجلسة برئاسة عزمي بشارة، لتنتقل الرئاسة بعدها إلى رمزي بعلبكي. وأطلقت الجلسة صفحة إلكترونية مؤقتة للمعجم، ثم عدَّلت رابطها بعد ذلك في "مؤتمر إطلاق البوابة الإلكترونية للمعجم" في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2018، ليصبح: https://www.dohadictionary.org . (تضمّن الموقع صفحة بمقدمة تفصيلية مهمة تشرح منهج العاملين على المعجم، يمكن الاطلاع عليها في https://bit.ly/3B4M7Zq).
حينما أُسِّس مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1932، نصت وثيقته التأسيسية على "وضع معجم تاريخيّ للّغة العربيّة"، ولكنّه لم يستطع التنفيذ إلا بعد ثلاثة عقود
إثر تعاون مستمر منذ عام 2013 حتى عام 2018 بين المجلس العلمي والهيئة التنفيذية للمعجم إنجازًا للمرحلة الأولى منه، بحشد زهاء مئة ألف مدخل معجمي تتناول النصوص الموثقة منذ أقدم نص عربي حتى عام 200 للهجرة، وما طرأ عليها من تغيرات في مبانيها ومعانيها (على أن تليها مراحل أخرى: الثانية حتى عام 500 للهجرة، والثالثة حتى 800 للهجرة... حتى الوصول إلى عصرنا الراهن). وقد أشار بشارة في مقالة له في صفحته على الإنترنت في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2020، إلى أن "التعديل ظل ممكنًا لعامين بعد الإنجاز؛ لأن صيغة النشر على الإنترنت مكّنت مئات الخبراء من التفاعل مع المعجم والإدلاء باقتراحاتهم وإدخال بعض التصويبات"، مضيفًا: "قبل عامين [يعني تاريخ إطلاق البوابة الإلكترونية في عام 2018] أصبح أوّل معجم تاريخي للغة العربية متاحًا على الإنترنت، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها الجمع بين إتاحته مجانًا لجميع المستخدمين وسهولة البحث [...] وقد اكتشفت خلال هذه العملية أخطاء كثيرة لمحققين وأخطاء مطبعية في النصوص [...] شرع خبراء المعجم منذ أكثر من عام بتحرير ألفاظ المرحلة الثانية الجديدة [...] واتُّخذ القرار بتحيين المعجم أولًا بأول؛ وبدأ إعداد مدونة المرحلة الثالثة (من عام 500ه حتى عصرنا هذا)".
يقع الكتاب في قسمَين وستة عشر فصلًا، القسم الأول نظريّ في علاقة المعجم بالتاريخ، وفيه ثلاثة أبواب: يُخصَّص الباب الأول منها للنظر في قضية التأريخ في التراث العربي، وتعالج الفصول الثلاثة التأريخ، الذي يرى حسن حمزة أنه الغائب الأكبر في المعاجم العربية.
في الفصل الثاني، يسعى رمزي بعلبكي إلى تتبّع ملامح الوعي التاريخي في التراث المعجمي العربي، مبيِّنًا أن العلماء العرب القدامى لم يكونوا غافلين تمامًا عن الجوانب التاريخية في اللغة، مقدّمًا أمثلةً كثيرة عن نظر النحويّين إلى الوضع والشذوذ وعصور الاحتجاج، وقضايا الغريب والأمثال ولحن العامّة عند المعجميّين.
أمّا الفصل الثالث، فيتناول فيه إبراهيم بن مراد مستويات التأريخ في المعجم، انطلاقًا من المدوَّنة النصّية والمدوّنة القاموسية، متوقفًا أمام صعوبات تأريخ العربية القديمة؛ جاعلًا هذه النصوص أنواعًا في نسبتها وتاريخها، فيميّز بين صحيح النسبة معلوم التاريخ منها التي يمكن التأريخ لها بدقّة، ونصوص منحولة يجب إسقاطها، ونصوص لا يمكن تأريخها إلا بالتقريب، اعتمادًا على وفاة صاحبها أو ظهورها في فترة زمنية يمكن تقديرها.
وينظر علي القاسمي، في الفصل الرابع، في منهجيّات صناعة المعاجم التاريخية التي تختلف باختلاف أغراض المعجم، والجمهور المستهدَف، وفلسفته الفكرية والتاريخية، ومدرسته المعجمية، والمدّة المخصّصة لإنجازه، والمبالغ المرصودة له. ويقدّم أمثلة لاختيارات المعاجم الأجنبية المتعلّقة بالنطق والدلالة والتأريخ والتأثيل، ولبعض ما اختاره معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.
في الفصل الخامس، يدرس عبد العلي الودغيري قضية مهمة هي العلاقة بين التأثيل والتأريخ، اللذين يرى أنهما يتداخلان، وأنّ التأثيل ركن أساسي في تأريخ مسار الكلمة، وأن أساس العملية التأريخية تأثيلي بامتياز. ويستعرض الفصل أمثلة متعدّدة من التأثيل وأشكاله وشروطه في العربية وغيرها، ويرى أنّ العرب أسهموا بقسط وافر في عملية التأثيل الداخلي، وأنّ جهودًا تُبذل في العصر الحديث للتأثيل الخارجي في المقترَضات.
في الفصل السادس، يبحث حسين السوداني قضيّة المعنى النووي الذي تتناسل منه سائر معاني اللفظ في مسيرته الاستعمالية عبر الزمان، وهي قضية مركزية في المعجم التاريخي؛ لأنّ المعنى النووي يسمح بفهم الجديد قياسًا على الراسخ القديم، فكأنّه حاضنة متعالية عن أعراض التاريخ ومتحكّمة في ترابط المعاني الجديدة لتلك الأعراض فيتكامل المعنى النووي مع البعد الأنثروبولوجي الموسوعي الذي يشكّل ذاكرة اللغة.
في الفصل السابع، يتوقّف محمد حسان الطيّان إحصائيًّا وصوتيًّا أمام المعاجم العربية القديمة (مع أنّها لا تشكّل جزءًا من مدوّنة المعجم التاريخي)، التي تبقى "أساسًا ومُحْتكَمًا" للقضايا التي تعرض للعاملين على إنجاز المعجم التاريخي.
في الفصل الثامن، يتناول علي أشرف صادقي، في نصٍّ مترجم من الإنجليزية إلى العربية، تجربةَ المعجم الشامل للغة الفارسية، ويشرح مراحل إنجازه، ومنهج عمله، وخطّة إنجازه، ومصادر المدوّنة وجمعها منذ القرن الرابع الهجري، إضافة إلى معايير انتقاء المفردات في المداخل، ومعالجة المصطلحات، وحزمة البرامج التي اعتُمِدت في عملية الإنجاز.
يتناول الفصل الثامن تجربةَ المعجم الشامل للغة الفارسية، ويشرح مراحل إنجازه، ومنهج عمله، وخطّة إنجازه، ومصادر المدوّنة
في الفصل التاسع، تتحدّث ليندا ماغلستون ببحثٍ في نصّ مترجم من الإنجليزية إلى العربية عن تجربة النسخة الأولى من معجمأكسفورد التاريخي للغة الإنكليزية، وتتوقّف أمام مقارناتٍ بين هذا المعجم ومخطوط معجم كلارك عن الكلمات الإنجليزية في زمن الحرب English Words in War-time يتناول المفردات الإنجليزية المولَّدة في أثناء الحرب العالمية الأولى. وتنتقد أيضًا المعايير المعتمَدة لتأريخ النصوص في معجم أكسفورد، وتقابل بين هذا المنهج ومنهج كلارك في اختيار الموادّ توثيقها وتأريخها ومعالجتها.
يبيّن عبد الحميد الهرامة، في مقدمة القسم الثاني، أهمية المعجم التاريخي في إعادة قراءة التراث العربي الإسلامي؛ أما الباب الرابع فيه، فمخصَّص لدراسة موقف معجم الدوحة التاريخي للغة العربية من النظائر الساميّة والمقترَضات.
في الفصل العاشر، يدرس لوتز إدزارد في نصٍّ مترجم من الإنجليزية إلى العربية، النظائرَ المذكورة للتوّ في معجم الدوحة، مقابِلًا بين مفردات منتزعة من اللغات الساميّة وبعض ما ورد منها في معاجم تأثيلية للغات الساميّة والعبرية والجعزية. وقد اعتمد إدزارد أسلوب طرح الأسئلة والإجابة عنها بأمثلة خاصّة، وتتعلّق الأسئلة بتحديد الجذور المشترَكة، وإثبات القرابة بينها، وإمكانية ردّها إلى أصل مشترَك، ودرجة الانتظام فيها، والروابط الدلاليّة بينها واحتمال التماثل اللفظي لجذور مختلفة فيها.
وفي الفصل الحادي عشر، يُعنى محمد مرقطن بصناعة المعجم التاريخي العربي في ضوء اللغات الساميّة لدراسة تأثيل اللغة العربية وعلاقاتها باللغات الأخرى، بالعودة إلى الجذور التاريخية للعربية، وتأثيل الألفاظ العربية في ضوء اللغات الساميّة بالعودة إلى المنابع الأولى للمعجمية العربية، وعلاقة المعجم العربي للعربية الشمالية ببعض اللغات الساميّة، ولا سيّما العلاقة بعربية النقوش الجنوبية، وبغيرها من اللغات الأخرى، مثل الفارسية، واليونانية، واللاتينية، وغيرها.
في الفصل الثاني عشر، يبحث محمد العبيدي قضية المعنى في صناعة المعجم التاريخي من خلال تجربته في معجم الدوحة التاريخي، فيرى أنّ فهم المعنى هو الذي يحدِّد التأريخ، واختيار الشواهد، وطبيعة التعريف، من خلال أمثلة تحدد الصعوبات أمام المعجمي خلال التجاذب بين المعنيين المعجمي والمجازي، وبين دلالتَي المادّة والصيغة، والإشكالات التي يفرضها اختلاف تواريخ النصوص وما فيها من تصحيف وتحريف في تعريف الوحدات المعجمية في النصوص العربية القديمة.
يهتم محمد محجوب، في الفصل الثالث عشر، بقضية الوسم في معجم الدوحة وعلاقته بقضية التعريف، فيسترسل في الحديث عن أنواع الوسوم والاضطراب فيها بسبب التجاذب بين بنية الكلمة ودلالتها، ويقف بخاصة أمام التكامل بين الوسم والتعريف، وأنّ التعريف يجب أن يعكس الوسم ليكون الوسم موجِّهًا له؛ لأنّ الأخير يحدد الخصائص الصرفية والتركيبية للوحدة المعجمية، أمّا الأول فخصائصها الدلالية والمفهومية.
ويتناول حسين الزراعي، في الفصل الرابع عشر، بالبحث ثلاث قضايا في معجم الدوحة: الأولى دور الوسم في رَوز سلامة بنية اللفظ، استنادًا إلى تكامل السمات الدلالية مع السمات الصرفية والتركيبية. والثانية تمثيل السمات الضرورية التي يتطلب التعريف استحضارها، لضمان صحّته ودقّته. والثالثة أمثلة عن تطوّر التعريف بتطوّر المعاني عن معانٍ أقدم، وتتعلق بالمجاز وأنواعه ووضع الضوابط له.
أمّا الباب السادس، فيشتمل على قضيّتين لطيفتَين ومختلفتين؛ إذ يركز رشيد بلحبيب، في الفصل الخامس عشر، على مسوِّغات وضوابط استخدام معجم العين للخليل بن أحمد مصدرًا من مصادر معجم الدوحة، مع أنّ الأصل أن لا تكون المعاجم السابقة جزءًا من مدوّنة المعاجم اللاحقة، لكنه يسعى إلى إثبات خصوصيّة معجم العين ومدوّنته في السياق العربي، التي رجّحت تفصيل اعتماده، من تناول مقدّمته، وشواهده، وبعض تعريفاته بعد استبعاد ما ورد فيه في سياقات غير استعمالية.
ويختتم الكتاب بالفصل السادس عشر، الذي يُعنى فيه أدي ولد آدب بالنظر في الانتقال بتطبيقات المعجم التاريخي من التأريخ للألفاظ إلى التأريخ للنصوص، متخذًا نموذجًا مطالعَ قصائد البين، وأوّلها: "بان الخليط"، يليها "إنّ الخليط أجَدُّوا البين"، ثم "بانتْ سعاد". وقد بلغ عدد المطالع المرصودة لديه (بين 94 قبل الهجرة و170 هجري) ستة وأربعين مطلعًا عند خمسة وثلاثين شاعرًا. ويربط الباحث انقطاع هذه المطالع في الفترة النبوية والراشدة وبداية العصر الأموي حتى استحكام المُلك في أيام بني مروان بالظروف الاجتماعية والسياسية. وقد انقطع المطلعان الأوّلان إلى غير رجعة، أمّا مطلع "بانت سعاد" فقد استمرّ طويلًا، لارتباطه بالفترة النبوية.