صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من سلسلة ترجمان، كتاب مبادئ القانون الدولي العام لبراونلي (الطبعة الثامنة)، وهو من تأليف إيان براونلي، وتحرير جيمس كروفورد، وترجمة محمود محمد الحرثاني، ومراجعة رودريغ أبي خليل. يقع الكتاب في 1328 صفحة، ويشتمل على فهرس عام.
يعد الكتاب أحد أهم المراجع في القانون الدولي منذ ستينيات القرن العشرين؛ إذ إنه يعرض مادة علمية رصينة تتعلّق بمجالات القانون الدولي المختلفة، ويسعى على مدى ثلاثة وثلاثين فصلًا إلى تقديمه بوصفه نظامًا للعلاقات بين الدول والكيانات الأخرى، تغنيه خبرة مؤلفه التي تمتد خمسين عامًا في المرافعة أمام المحاكم الدولية والتحكيم الدولي، وجهد محرره الذي أضاف إلى المادة الأساسية للمؤلف بعد رحيله، وعدّل فيها مراعاةً لما استجد في هذا المجال من تطورات. وقد تُرجِمَ الكتاب إلى لغات عدة.
يعد كتاب "مبادئ القانون الدولي العام لبراونلي" أحد أهم المراجع في القانون الدولي، ويعرض مادة علمية رصينة تتعلّق بمجالات القانون الدولي المختلفة، ويسعى إلى تقديمه بوصفه نظامًا للعلاقات بين الدول والكيانات الأخرى
إضافة إلى العرض النظري، يعرض هذا الكتاب المنهجي عددًا كبيرًا من الأمثلة العملية عن قضايا دولية، قديمة ومعاصرة، من شتى أنحاء العالم. تتناول هذه الطبعة الثامنة، المحدّثة بالكامل، مصادر القانون الدولي وعلاقته بالقوانين الأخرى وأشخاصه، وتعالج مسائل؛ مثل: الاعتراف والسيادة والبيئة والعلاقات الدبلوماسية والخلافة في الحقوق والواجبات والجنسية والمسؤولية والمنازعات الدولية، وغير ذلك من مسائل القانون الدولي.
مصادر القانون الدولي
يضع القانون الدولي إطارًا معياريًا لسلوك العلاقات بين الدول، وبهذا المعنى، لا يمثل المجتمع الدولي استثناءً لقاعدة؛ فحيثما وُجدت البُنية الاجتماعية، وُجدَ القانون. وتحدّد مصادر القانون الدولي قواعد النظام؛ فإذا كانت القاعدة المرشحة صحيحة من وجهة نظر واحد أو أكثر من مصادر القانون الدولي المقرّرة، يمكن عندئذٍ قبولها جزءًا من القانون الدولي. وبالمثل، يسلّط انتشار المصادر وتوزّعها الضوء على اللامركزية في عملية سن القانون الدولي. وقد حظيت مصادر القانون الدولي بالإقرار الرسمي في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وتُقدَّمُ هذه المصادر منفصلةً في العادة كما في المادة 38، لكنها تؤثر في بعضها عند الممارسة.
من الشائع بين الكُتّاب التفريقُ بين مصادر القانون الرسمية والمصادر المادية؛ فالمصادر الرسمية هي الوسائل التي تضع قواعد بغية التطبيق العام، وهي مُلزمةٌ لمتلقيها قانونًا. أما المصادر المادية فتوفّر الدليل على وجود قواعد حين تنشأ تكون ملزمةً ومقتضية للتطبيق العام. مع ذلك، وفي سياق العلاقات الدولية، يكون استخدام مصطلح المصادر الرسمية مضللًا؛ لأنه يذكّرنا بأفكار ترتبط بالآلية الدستورية في سن القانون داخل الدول. فلا وجود لمثل هذه الآلية في عملية سن القانون الدولي؛ ذلك أن قرارات محكمة العدل الدولية دعمت بالإجماع قرارات الجمعية العامة بشأن بعض القضايا القانونية، كما أن بعض المعاهدات المتعددة الأطراف، التي كانت تحاول تدوين قواعد القانون الدولي وتطويرها، جميعها مهمة بنسب تتفاوت، غير أنها ليست ملزمة للدول عمومًا، وبهذا المعنى فإن المصادر الرسمية لا تكاد توجد في القانون الدولي. وحتى يوفّر القانون بديلًا أو مرادفًا دستوريًا للمصادر الرسمية، يتصرف القانون الدولي على أساس أن التراضي العام أو قَبول الدول قد يخلق قانونًا يمكن تطبيقه عمومًا. وتعريف العرف في القانون الدولي هو تصريحٌ بهذا المبدأ، وليس إشارة إلى العرف القديم كما هو الحال في القانون الإنكليزي.
بناء عليه، يصعب التفريق في القانون الدولي بين المصادر الرسمية والمادية؛ فالمصادر الرسمية تتراجع في طبيعتها إلى مبدأ شبه دستوري من التعميم الحتمي العاجز. وما يهمّنا أكثر هو تنوّع المصادر المادية، فهي الدليل البالغ الأهمية على الإجماع المعياري بين الدول والفاعلين الآخرين من ذوي الصلة في ما يتعلق بقواعد أو ممارسات معينة. وتُعدُّ قرارات محكمة العدل الدولية، وقرارات الجمعية العامة، ومعاهدات سن القانون المتعددة الأطراف دليلًا على موقف هؤلاء الفاعلين من بعض القواعد المعينة ومن حصول الإجماع وعدمه، وثمة عملية تفاعل تعطي ما سبق مكانةً هي أسمى - إلى حدٍّ ما - من المصادر المادية.
علاقات القانون الوطني بالقانون الدولي
أدّت مسألة العلاقة بين البنيتَين النظريَّتَين للقانون الوطني والقانون الدولي إلى الكثير من الغموض في الواقع. إذا كان على المرء أن يختار واحدةً من النظريات التي جرى بحثها في هذا الفصل، فيمكن تفضيل آراء اﻟﺴﲑ ﺟﲑالد فيتزموﺭﻳس وشارل روسو بوصفها أقرب إلى الحقيقة، فكل نظام مهيمنٌ في مجاله، وليس لنظام هيمنةٌ على الآخر.
مع ذلك، لا تقدم العموميات المتاحة إلا خلفية للعلاقات المعقدة بين الأنظمة الوطنية والدولية. وتنشط هنا ثلاثة عوامل: الأول، تنظيمي، فإلى أي مدى يمكن أجهزة الدول أن تستعدّ لتطبيق قواعد القانون الدولي داخليًا وخارجيًا؟ ويبدو أن هذا يشير إلى رؤية تعددية، يقع فيها على عاتق كل نظام ترتيب علاقته الخاصة مع النظم القانونية الأخرى. والثاني، صعوبة إثبات وجود قواعد معينة للقانون الدولي. وفي حالة وجود صعوبة، تعتمد المحاكم الوطنية عادة على المشورة من السلطة التنفيذية أو السوابق الموجودة، وقد لا تتفق النتيجة مع التقدير الموضوعي للقانون. والثالث، غالبًا ما تكون المحاكم، سواء الوطنية أو الدولية، معنية بمسألة أي الأنظمة هو أشدّ ملاءمة للتطبيق على ما ينشأ من قضايا خاصة. وتؤكد مسألةُ الملاءمة التمييزَ بين التنظيم؛ أي طابع الاختصاص بوصفه "وطنيًا" أو "دوليًا"، وطابع قواعد كلٍ من النظامين بوصفها أدوات مرنة للتعامل مع المنازعات وتنظيم المسائل غير الخلافية.
يصعب التفريق في القانون الدولي بين المصادر الرسمية والمادية؛ فالمصادر الرسمية تتراجع في طبيعتها إلى مبدأ شبه دستوري من التعميم الحتمي العاجز
أشخاص القانون الدولي
يُعَدّ من أشخاص القانون الدولي الكيانُ ذو الحقوق والالتزامات الدولية الذي يتمتع بأهلية الحفاظ على حقوقه من خلال رفع الدعاوى الدولية، وتحمّل مسؤولية خرق الالتزامات من خلال الخضوع لمثل هذه الدعاوى. ومع الأسف، فإن هذا التعريف ملتوٍ رغم التقليدية الكامنة فيه؛ إذ في حين تعتمدُ الدلائلُ المذكورة من الناحية النظرية على وجود شخصية قانونية، فإن الطريقة الرئيسة لتحديد ما إذا كانت الأهلية المعنية موجودة في حالة الشك هي الاستفسار عما إذا كانت في واقع الأمر قيد الاستعمال. وكل ما يمكن قوله هو أن أي كيان من ذلك النوع الذي يعترف القانون العرفي بأهلية اضطلاعه بالحقوق والواجبات ورفع الدعاوى والاستجابة للمطالبات الدولية هو شخص قانوني. وإذا لم يُلبَّ الشرط الأخير، فإن الكيان المعنيّ قد يكون شخصية قانونية من نوع مقيد جدًا، ومعتمدًا على موافقة أشخاص قانونيين مُعترف بهم أو قبولهم، وقابلًا للطعن - على الصعيد الدولي فقط - من أولئك الموافقين والمقبولين. على أن السياقات الرسمية الرئيسة التي أُثيرت فيها مسألة الشخصية شملت: أهلية رفع الدعاوى بشأن مخالفات القانون الدولي، وأهلية جعل المعاهدات والاتفاقيات سارية المفعول على المستوى الدولي، والتمتع بالامتيازات والحصانات من الولاية القضائية الوطنية. وتتمتع الدول بهذه الأنواع من الأهلية والحصانات؛ وبالفعل تزوّدنا وقائع تَشكّل الدولة، باعتبار تطورها بموجب القانون العرفي، بأمارات دالة على كيانات أخرى، وما يتعلق بهذه الكيانات من مكوّنات الشخصية.
بصرف النظر عن الدول، يجوز للمنظمات حيازة هذه الأنواع من الأهلية والحصانات إذا لبّت شروطًا معينة. وقد أُقرّت أهلية رفع الدعوى بموجب القانون الدولي، على الأقل بالنسبة إلى بعض المنظمات بعينها، في الفتوى الاستشارية الخاصة بقضية تعويض الأضرار. وأشار التقرير الأول الذي كتبه السير همفري والدوك عن قانون المعاهدات إلى أهلية المنظمات الدولية في أن تصبح أطرافًا في الاتفاقيات الدولية، وقد عكسَ هذا الأمرُ العادةَ الجارية. ومنذ ظهور قضية تعويض الأضرار، انضمت المنظمات الدولية للدول بوصفها فئة معترفًا بها من فئات الأشخاص القانونيين، وقد سهّل ذلك قبول كيانات محدودة للغاية أو هامشية على هذا النحو.
وبهذا، تمثّل الدولُ والمنظماتُ الأنواعَ العاديةَ Normal Types من الشخصية القانونية على الصعيد الدولي، لكن لا يمكن اختزال واقع العلاقات الدولية في قالبٍ بسيط. إن للأنواع العادية نظائر تثير المشكلات، وكيانات متعددة لا يمكن تصنيفها تحت أي نوع، ولكن يمكن أن تكون لها شخصية معينة، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. علاوة على ذلك، ليس التجريد في أنواع الأشخاص المقبولين في القانون شديد الاتصال بالواقع؛ لأن الاعتراف والقبول الضمني قد يحافظان على كيان يكون من بعض النواحي شاذًا، ولديه شبكة من العلاقات القانونية على الصعيد الدولي. وعلى الرغم من التعقيدات، ينبغي أن نتذكر أسبقية الدول بوصفها شخصيات قانونية.