احتفى بعض مشجعي النادي الأهلي المصري بلقطة اللاعب حسين الشحات عندما اعتدى على زميله اللاعب محمد الشيبي من فريق بيراميدز المنافس. انتهت المباراة بخسارة النادي الأهلي بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، ذهب الشحات إلى الشيبي وصفعه على وجهه بشكل متعمد ومهين بعد أن سبّ له الدين، اعتبر بعض المشجعين فعل الشحات من الرجولة والنخوة والتأديب المطلوب للاعب مستفز.
قبل هذه الواقعة بأيام، انتقل لاعب النادي الزمالك المصري، إمام عاشور، إلى الغريم التاريخي النادي الأهلي، اعتادت جماهير الأهلي مناداة عاشور بضمائر الأنثى واستبدال اسمه الأول إمام بـ إيمان وإلهام، ظنًا منهم بأن تشبيه الرجل بالمرأة يحط من شأنه. بعد انتقال عاشور إلى الأهلي استمرت الجماهير في نعته بإيمان وإلهام، ولكن هذه المرة جماهير فريقه السابق، جماهير الزمالك التي انقلبت عليها وبدأت في تعديل صوره ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ليظهر في هيئة أنثوية.
تكشف كرة القدم، دونًا عن بقية الرياضات في مصر، عن جماهير تنز ذكورية خالصة، تظهر في كلمات الأغاني والهتافات والتشجيع المغّلف بالذكورية
تكشف كرة القدم، دونًا عن بقية الرياضات في مصر، عن جماهير تنز ذكورية خالصة، تظهر في كلمات الأغاني والهتافات والتشجيع المغّلف بالتستوستيرون. من جهة لأنها الرياضة الأكثر شعبية وانتشارًا للذكور بالأساس وقلما تجد إناثًا مشجعين أو مهتمين بكرة القدم، ومن جهة أخرى أنها الرياضة الأكثر حظًا وتأثيرًا في غالبية فئات المجتمع المصري الذين يؤمنون بأفضلية الرجل وقوامته على المرأة، وليس بالمفهوم الديني فقط، ولكن بالمفهوم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
ليس الخطاب الذكوري وحسب الذي يتضح في كرة القدم، ولكن تحضر بقوة خطابات الكراهية والتحريض والعنصرية بجميع أشكالها، بينما يطغى خطاب الذكورية كقالب جامع لكل هذه الأشكال، فتُستخدم المرأة كإساءة للخصم، وهذه الإساءة تحديدًا تتضمن خليط من العنصرية والتحريض والكراهية في آنٍ واحد.
يساعد في انتشار هذا الخطاب الذكوري المتنامي، على نطاق واسع، الإعلام والصحافة الرياضية والإعلاميون والمسؤولون في مجال الرياضة، إلى جانب روابط المشجعين، وأخص بالذكر منهم أكبر مجموعتي تشجيع في مصر، ألتراس أهلاوي وألتراس وايت نايتس، الذين يعتبران من المرأة سُبّة، ويتبعون أسلوب شتيمة الخصم وصنع الأغاني التي تهين أمهات المنافسين كتدليل على تفوقهم.
طالما استخدم المشجعون فعل الممارسة الجنسية على أنه عملية إخضاع بالأساس يفرضها الذكر على الأنثى، فيتمادون في الإشارة والإيماءة والقول إلى ممارسة الجنس مع الخصم، بما يعني إخضاعه وإذلاله، وربما في إشارة المدير الفني للنادي الأهلي دليل على ذلك. في آخر لقاء جمع بين الفريقين، والذي انتهي بنتيجة 4 أهداف للأهلي مقابل هدف واحد للزمالك، وبعدما أحرز الأهلي الهدف الثاني، أشار السويسري مارسيل كولر، المدير الفني للنادي الأهلي، بإشارة لتحفيز لاعبيه تحمل معنى مزدوج، وهي الإشارة التي لم يكن يعنيها كما تداولها الجمهور بعد ذلك على نطاق واسع على صفحات المشجعين والسوشيال ميديا، كان كولر يقصد الاحتفال بالهدف وتشجيع لاعبيه وإرشادهم إلى الاستمرار في اللعب بنفس الشكل، أما المعنى الآخر الذي فضّله الجمهور فيحمل إيحاء جنسي بمعنى مضاجعة الخصم.
تجاهل الجمهور المعنى الأصيل للإشارة، وتداول المعنى المجازي الذي حمل لمسة ساخرة بكل تأكيد، جعلتني شخصيًا – أنا الذي أشجع الزمالك- أضحك من خفتها، ولكن الأزمة إن الغالبية لا يأخذونها بالمعنى الخفيف الساخر، ولكن بالمعنى العنصري الثقيل والذكوري المهين للخصم والمنقص من شأن المرأة.
جماهير النادي الأهلي أيضًا منذ بضع سنوات، استبدلت اسم مهاجم الزمالك السابق باسم مرسي إلى بسمة، وفي المقابل استبدلت جماهير الزمالك اسم مهاجم الأهلي السابق عمرو جمال إلى ياسمين رئيس نظرًا للشبه بينه وبين الممثلة الشهيرة.
ليس الخطاب الذكوري وحسب الذي يتضح في كرة القدم، ولكن تحضر خطابات الكراهية والتحريض والعنصرية بجميع أشكالها
لا يتوقف هذا السلوك عند الجماهير، بل يمتد كذلك إلى رؤساء الأندية، كما هو الحال مع رئيس نادي الزمالك، المستشار مرتضى منصور، فهو خير معبر عن الذكورية السامة في الرياضة المصرية، لا ينفك المستشار عن الإساءة لخصومه وشتمهم بأعراض أمهاتهم، واستبدال أسمائهم أو ضمائرهم بضمائر مؤنثة بغرض الحط من شأنهم والتحقير منهم، إلى جانب تحكمه في النادي من منطق "كبير العائلة"، فمن غير المستغرب أن تجد قرارًا يمنع أعضاء النادي من ارتداء ملابس معينة ويمنع السيدات من الملابس القصيرة.
يرى البعض في كرة القدم ملهاة للشعوب، ولكن الكثير من الأدباء والمفكرين عشقوا هذه اللعبة، بل وتمادوا في فلسفة فكرتها والإشادة بها، لعل أبرز هؤلاء الأديب والروائي المصري نجيب محفوظ الذي لم يتوقف عشقه للعبة عند التشجيع فقط، بل مارسها لسنوات عديدة.
لا أنكر استخدام الحكومات وأذرعها الأمنية لجماهير الكرة ومجالس إدارات الأندية من أجل تكريس التفرقة وإشاعة الكراهية وتجييش الجماهير بما يُسهّل السيطرة عليهم، فضلًا عن توجيه الرأي العام إلى قضايا ثانوية وتشتيت الاهتمام بالأزمات الحقيقية، وفي نفس الوقت لا يمكن تجاهل ما لكرة القدم ولروابط المشجعين من أهمية في العملية السياسية إذا ما تمتعت البلاد بالقليل من الحرية، فكان لروابط المشجعين دور هام خلال ثورة 25 يناير 2011 في التصدي للبلطجية ولعساكر الأمن، وفي الفترة التي تلت الثورة شهدنا ابتعاد الألتراس بشكل كبير عن الخطابات العنصرية والذكورية، وكان التركيز بشكل أكبر على الخطاب السياسي ومناهضة السلطة.
لذلك فإن المناخ الخانق للحريات ليس بالضرورة يؤثر على المهتمين بالشأن العام فقط أو على السياسيين والصحفيين والكُتّاب وحدهم، إنما يمتد تأثيره على شرائح أوسع تطول المجتمع ككل، فخلال الفترات التي لا يستطيع جمهور الكرة خلالها سب السلطة أو النظام أو مجالس الإدارة على أقل تقدير، يوجّه جم غضبه إلى الجمهور المنافس، وتتدنى أساليب التعبير ويصبح الانحطاط والدناءة سمات ملازمة لشكل الخطاب، وصولًا إلى التحريض والعنصرية والذكورية السامة.