مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق، والمزمع إجراؤها في أيلول/سبتمبر المقبل، أخذت الأحزاب السياسية تجري إحماءً يوميًا على كلاسيكو الخطاب الطائفي. طفحت الفضائيات العراقية بالخطابات الطائفية القبيحة لقادة وأعضاء الكتل السياسية الذين بدؤوا مبكرًا بتسديد الضربات لبعضهم البعض. ضربات تنبش التاريخ الحديث للعراق، وتحيل كل فعل سياسي إلى حدث طائفي. الجميع يتحدّث عن "الإقصاء" كمفردة سحريّة. والجميع يحمّل مسؤولية الدم المهدور في الشوارع للجميع.
وعلى هذا الأساس، صارت عواطف نعمة يساندها كاظم الصيادي، النائبان في البرلمان، لاعبي وسط للأحزاب الشيعية، ويناولان كرة مظلومية الطائفة الشيعية إلى نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، ليسدّد أهدافًا تلو الأخرى في المرمى السني المتهم بتدمير العملية السياسية في البلاد، وفتح الأبواب أمام الإرهاب.
مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات بالعراق، طفحت الفضائيات العراقية بالخطابات الطائفية القبيحة لقادة وأعضاء الكتل السياسية
بالمقابل، يقف السياسيان أسامة النجيفي وشقيقه أثيل، أمام مرمى الأحزاب الشيعية ينتظران كرة مظلومية الطائفة السنيّة من النائبة عتاب الدوري ليسددا أهدافًا على خصومهم الشيعة المتهمين باحتكار السلطة، وتدمير الجيش، وإشاعة الفساد، وتنمية الميليشيات.
وبين الفريقين، ثمّة بالتأكيد مباريات أخرى بين أحزاب شيعية وسنيّة، ولاعبين بُدلاء ينتظرون أدوارهم على دكّة الاحتياط بانتظار اللحظات الأخيرة في مباريات الانتخابات المحليّة، التي تمثّل إحماء لدوري الانتخابات البرلمانية التي ستجري في عام 2018.
اقرأ/ي أيضًا: أرامل العراق.. أرقام عالية ومعاناة مضاعفة
غير أنه ليس منصفًا تشبيه كل هذه الأحزاب والشخصيّات المتوّرطة بإراقة الدم والتأجيج الطائفي وتشويه السياسة كفعل، وتحويل الأخلاق إلى شيء مطاطّي بكرة القدم. ولا يبدو أمرًا مستساغًا أبدًا المقارنة بين كرة القدم، التي تحوّلت هي الأخرى من تسليّة إلى حقل تجاري دخل فيه الساسة من أبواب مشرّعة، وما يحدث في العراق.
فهنا، في هذه البلاد النازفة كل يوم موت وجوع وخراب، كل لعبة بين السياسيين تكّلف مقتلة. أخذ العراقيون يلعنون وصول موعد الانتخابات لأنّها دائمًا ما تتزامن مع حدث مفجع يحيل أجسادهم إلى لحم متناثر. وتحوّل التصويت إلى هباء طالما أنه يؤدي إلى النتائج نفسها.
ما لا يثير الغرابة بالمجتمع العراقي، هم فرسان الطوائف الذين يختالون بياقاتهم البيضاء وأحذيتهم اللامعة على دماء العراقيين
والحال، لا يبدو مستغربًا أيضًا أن تتنافس الكتل السياسية الطائفية نفسها على إيجاد أوراق لتسويات سياسية، وأخرى إصلاحية بالتزامن مع مواعيد الانتخابات، غير أن هذه الأوراق في نهاية الأمر لا تقود إلا إلى لعبة أخرى يفضّلها ساسة عراق اليوم: لعبة الكراسي، إذ تتبادل هذه الأحزاب الأدوار في إدارة الوزارات، بينما يظلّ حزب "الدعوة" ممسكًا بمنصب رئيس مجلس الوزراء.
بيد أن الذي لا يثير الغرابة أبدًا بعد إشاعة الكراهية في المجتمع، وتحويل العراقيين إلى فئات طائفية وقوميّة، هو تبادل فرسان الطوائف، الذين يختالون بياقاتهم البيضاء وأحذيتهم اللامعة على دماء العراقيين، المعلومات فيما بينهم بشأن خرز المسابح والخواتم، فضلًا عن الاستثمار في "الدول الصديقة".
لكن المضحك في كل هذا هو الحديث عن "الوطن" و"الوطنية" في خطاب هذه الأحزاب، وهو الأمر الذي يتناقض تمامًا مع حديثها الفئوي، الذي يقسم البلاد إلى كانتونات طائفية وإثنية. ففي مواسم الانتخابات يختفي "العراق" ويتحوّل إلى سنّة وشيعة وكُرد، ويصبح سكّان العراق أرقامًا في المقاتل أو في صناديق الاقتراع.
اقرأ/ي أيضًا: