يبدو أن قتال أمّة عن طريق وكيل، أفضل من موقف يُغيّر مصير أمة يُحسب على وكيلٍ يبقى طوال العمر منعوت بمفردات الخيانة. المُدرّج العربي تكتمل فيه كل أركان اللعبة، فاللاعبون موجودن، إما بطريقة مباشرة أو عبر وكلاء، إلا أن تصل إلى تصفيات كأس الملوك والرؤساء في أوروبا.
كيف تُصبح الولايات المتحدة مُخلّصة وهي المسؤولة عن تمادي إسرائيل في انتهاكاتها وتدمير دول كالعراق والصومال وأفغانستان؟!
طريقة جديدة عكفت عليها الإدارة الأمريكية السابقة في عهد أوباما لحماية المنطقة الحيوية، التي تدخل دومًا ضمن نطاق إستراتيجيتها، عن طريق وكلاء لها ومؤسسات عابرة للقارات، كان لها دور كبير في تغيير أفكار بعض الشباب التائهين، الذين وقعوا في براثن التطرف والإرهاب، فنقلتهم من شباب يحلم بالتغيير إلى دمى أو بالأحرى زومبي يتحرك وفقًا لخطة مُعيّنة.
اقرأ/ي أيضًا: أوباما والتدخل العسكري.. مسرحية من ثلاثة فصول
إنها ليست طريقة جديدة فحسب، بل نسق فرضته إدارة أوباما التي يبدو أنها كانت رافضة لنظرية بوش الإبن: القطب الواحد والتدخل بقوة لحل الأزمات من وجهة نظرها. جاءت أيضًا بعد صراعٍ طويل بين وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، على من يمثل الأمة الأمريكية في الملعب. فكانت الغلبة للخارجية، عن طريق الثالوث الذكي كما أطلقت عليه وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون: القوة الذكية الدبلوماسية والتنمية والدفاع.
كانت البداية في تطبيق هذا الثالوث مع آسيا لما تتضمنه من مناطق حيوية موارد بشرية عين الإدارات الأمريكية المتعاقبة عليها. وكانت منطقة الشرق الأوسط، إذ تحولت المنطقة بفعل ما يُسمى بالتنمية البشرية، والمؤسسات التي فككت الروابط الاجتماعي والعلائق المبنية على أسسه الثقافية والتاريخية، والتقاليد والأعراف، إلى منطقة متصارعة أهليًا.
وفي الوقت نفسه الانتقال من حالة الحرب التقليدية (جيش مقابل جيش) إلى جيوش تقتل وتدمر شعوبها. في ذلك الحين، رأينا أممًا تستنجد بالولايات المتحدة وترفع أعلامها وتستعين بها لتخلصها من بني جلدتها الذين يعيثون فيها قتلًا.
ساعدت سياسات ترامب العنصرية والانعزالية في نفس الوقت، على تصاعد دور كلٍّ من فرنسا وروسيا في المنطقة
كيف تصبح الولايات المتحدة مُخلّصةً وهي المسؤول الأول عن تمادي القوة الغاشمة لإسرائيل ضد الفلسطينيين. كيف وهي المسؤولة عن ضياع بلدٍ كالعراق بغزو ظللته حجة مُضللة، وكذا الأمر في الصومال وقطعًا أفغنستان.
ترامب وأفول نجم الولايات المتحدة
في الخامس من آب/أغسطس 2016، حذرت هيلاري كلينتون في خضم الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية، من خطر امتلاك ترامب زر الترسانة النووية، واصفةً إياه بالشخص غير المسؤول. لكن من وجهة نظري كان الأحرى بها أن تُحذر من لسانه وخطابه الشعبوية الذي يجعل منه في مصاف موظف صغير في دولة لا تساوي شيئًا على الخارطة السياسية العالمية.
اقرأ/ي أيضًا: الفضاء السيبراني.. امتداد حرب باردة بين واشنطن وموسكو
فاز ترامب، وزادت الشكوك حول فوزه والاتهامات بالتلاعب في العملية الانتخابية وتدخل روسي فيها لصالح ترامب، ومن جهة أخرى ازدادت النعرات العنصرية والمخاطر المحدقة بالديمقراطية الأمريكية، والعزلة التي أسسها ترامب لبلاده، والفجوة التي خلقها بينه وبين أوروبا.
كل هذه الإجراءات ساعدت على بزوغ نجم آخر يلعب على أوتار السياسة بدلًا من المهاترات الكلامية مع الصحف واستعراض القوة بدعم نضوح الرؤية السياسية. جاءت الفرصة لتنسحب الولايات المتحدة من دورها النافذ في الشرق الأوسط لتسلمه على طبق من فضة لفرنسا.
استغلت فرنسا الفرصة بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما ترتب عليه من انشغال بالفوضى الداخلية، وأخيرًا انشغال ألمانيا بتوحيد صفها في هيئة حكومة ائتلافية بعد الانتخابات الأخيرة، ليصبح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاعبًا أساسيًا في الشرق الأوسط، وقد بدا ذلك واضحًا بتدخله الناجح في الأزمة اللبنانية الأخيرة ومحاولته رأب الصدع الذي عاشته لبنان بعد الاستقالة التي أُجبر عليها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري.
تراجعٌ خطير للولايات المتحدة ينعكس بالضرورة على المنطقة، خاصةً وأن هناك تفكير جديّ للرئيس البيزنس مان بتقليص عدد القواعد الأمريكية في المنطقة، ما سيفتح المجال في المقابل أمام روسيا التي ستغتنم الفرصة بالضرورة.
وبالإعلان الأخير لترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، فإنه يجعل من بلاده رسميًا طرفًا في الصراع العربي الإسرائيلي، ويبدو أنها محاولة ساذجة من ترامب للهروب إلى الأمام من التهم الموجهة إليه بالاتصال مع مسؤولين روس أثناء الحملة الانتخابية.
نشهد اليوم أفول نجم الولايات المتحدة في مقابل صعود قوى أُخرى تمد أياديها في المنطقة بشكل أكثر تأثيرًا وفاعلية
وعلى ما يبدو سنشهد أفول نجم الولايات المتحدة على يد ترامب، في مقابل صعود قوى أُخرى ستمد أياديها في المنطقة بشكل أكثر فاعلية وتأثيرًا. ولعلها المرة الأولى التي تشهد فيها الولايات المتحدة هذا التراجع الكبير والسياسة غير المسؤولة، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانطلاق عصر ما كان يُسمى بالقطب الواحد.
اقرأ/ي أيضًا:
البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط