في حقول الميرسيسايد ذات اللون الأخضر الفاتح تمتد الأرض بين سهلين لتجمع ملعبي ليفربول وإيفرتون. هناك في مدينة المصانع والعمال انشقّ مرتدو اللون الأحمر عن الفريق الأزرق، مُعلنين قيام نادي ليفربول منذ سنوات مضت، لكن هذا الانشقاق لم ينسحب على السياسة الموّحدة. فالمنطقة كانت روح المعارضة في بريطانيا، معارك وصولات وجولات في وجه الملكة لسنوات طويلة وتحديات لأجل حقوق العمال لكونها أهم المناطق الصناعية، وهو ما جعلها تتعرض لأشرس هجوم جوي في الحرب العالمية من الطائرات النازية.
أعاد كلوب شيئًا إلى ليفربول إلى جانب العاملين البدني والفني، وهو ما شكّل العامل الأساس بإعادة انطلاق الفريق وهو الرعب في ملعب الأنفيلد
لم تحب مدينة ليفربول الحكم الملكي يومًا، وكان صوتها عاليًا دائمًا، فعلى سبيل المثال رفض قائد مانشستر يونايتد الحالي واين روني، وهو ابن مدينة إيفرتون وخريج أكاديميتها الكروية، رفض مرارًا غناء النشيد الوطني البريطاني والذي يقول "الله يحمي الملكة"، وعند سؤاله عن السبب كان إجابته واضحة "لماذا لا يحمي الله الأولاد الفقراء ويحمي الملكة فقط؟".
اقرأ/ي أيضًا: أغرب 4 بنود في عقود لاعبي كرة القدم
لم يكن طبيعيًا أن يخرج من رحم هذه المدينة جمهورًا عاديًا، فالصرخات غالبًا ما تعلّمها العمال في المصانع والرغبة بالفوز غالبًا ما شكّلت هاجسًا دائمًا، والبحث عن مكان لإفراغ الغضب فيه غالبًا ما كانت الإجابة عنه في ملعب الأنفيلد، ومع تقدم السنين تحوّل الملعب إلى أحد أكثر ملاعب العالم رُعبًا للخصوم، وحتى مع قيام الـ "بريميير ليغ" شكّل الأنفيلد لسنين عُقدة لجميع فرق الدوري الإنجليزي فكانت تمرّ أكثر من سنة حتى يستطيع أحد الفرق التغلب على ليفربول على أرضه.
في السنتين الأخيرتين ظهر الأنفيلد بلا روح، لم تغادر الجماهير يومًا قبل انتهاء المباراة، لكن علاقتها باللاعبين كانت فاترة لحدّ الجمود، فخسر الأنفيلد كثيرًا من رونقه وكثيرًا من تأثيره على اللاعبين وكثيرًا من الرعب الذي كان يفرضه على الخصوم، فتحوّل فوز الغريم التقليدي لليفربول مانشستر يونايتد على أرض الأخير إلى أمر دوري وطبيعي وكادت أن تسقط هالة الخوف عن الفرق الأخرى لولا وصول يورغن كلوب.
اقرأ/ي أيضًا: لاعبون وأساطير لم يلعبوا يومًا في أوروبا
"لن تسير وحدك أبدًا" هو الشعار ذاته الذي اعتاد كلوب سماعه في بوروسيا دورتموند، لم تتغير الظروف عليه كثيرًا بين الجمهورين وهو المدرب الكاريزماتي الذي يعرف كيف يوظف مئات الآلاف من المشجعين على أرض الملعب في خدمة الفريق.
أعاد كلوب الكيمياء بين الجمهور واللاعبين ونقطة الانطلاق كانت في لقاء ويست هام يونايتد حين سجّل الفريق هدف التعادل في الدقيقة الأخيرة، ليمسك كلوب بأيدي اللاعبين ويحتفلون مع الجمهور بالتعادل المتأخر. لم يسلم كلوب من الانتقادات والسخرية حينها حيث بدا ما قام به كاحتفال باللقب، إلا أنه عاد ليقطف ثمار ذلك مرارًا.
فاللاعب رقم 12 أعاد كلوب إلى بطولة "يوروبا ليغ" مرتين، بداية أمام بوروسيا دورتموند حين بدأ المباراة متأخرًا على ملعبه بهدفين بعد تعادل في ألمانيا في مباراة الذهاب، لكن روح الجمهور ونبض اللاعبين أعادا الفرق بلحظات مجنونة ليفوز بنتيجة 4-3 في الدقائق الأخيرة، حيث قال حينها قائد فريق دورتموند ماتس هومليس "لقد فقدنا السيطرة على كل شيء في الدقائق العشرين الأخيرة بسبب الضغط في الملعب". أما المرة الثانية التي جنى فيها كلوب ثمار ما فعله فكان بتأهله لنهائي "يوروبا ليغ" على حساب فياريال فبعد خسارة في إسبانيا في الدقيقة الأخيرة 1-0، فرض ليفربول بلاعبيه وجمهوره ومدربه إيقاعهم على مدى 90 دقيقة على الفريق الإسباني ليفوزوا بثلاثية نظيفة ويتأهلوا إلى المباراة النهائية.
أعاد كلوب شيئَا واحدَا إلى ليفربول إلى جانب العاملين البدني والفني، وهو ما شكّل العامل الأساس بإعادة انطلاق الفريق وهو الرعب في ملعب الأنفيلد، ففريق الميرسيسايد لا يعرف السير وحده أبدًا.
اقرأ/ي أيضًا: