13-فبراير-2019

وقفة احتجاجية لسودانيات ضد تطبيقات قانون النظام العام (أ.ف.ب)

يقع قانون النظام العام الموسوم بإثارة الجدل، في منطقة شديدة التنازع بين الحكومة والشارع السوداني، ليس فقط بسبب عسف مواده المُختلَف حولها، وإنما في تفسيرها وتطبيقها، والرفض الهائل له من قبل النساء تحديدًا، باعتبارهن الشريحة الأكثر تضررًا، والأكثر تعرضًا لسلطاته بشكلٍ تغول على الحريات الشخصية.

لم يكن أحد يتوقع أن يثير قانون النظام العام السوداني المثير للجدل، سخط المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، ورئاسة الجمهورية معًا!

ولم يكن أحد يتوقع أن يثير هذا القانون سخط المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، ورئاسة الجمهورية معًا! حيث وجّه له الرئيس السوداني عمر البشير، في الأيام الماضية، نقدًا صريحًا وغضبة ضارية، إلى درجة وصفه بأنه يخالف الشريعة الإسلامية.

اقرأ/ي أيضًا: من خدش الحياء إلى التخابر.. الناشطة السودانية ويني عمر تواجه مؤامرة السلطة

اعتذار متأخر

وأعلن البشيرعن اجتماع مع أجهزة الشرطة والقضاء والنيابة بشأن الأخطاء التي ترافق تطبيق القانون، وانتهاك الخصوصية في بعض الأحوال، مما "يخالف مقاصد الشريعة"، بل إنه اعتبره أحد أسباب تفجر غضب الشباب، قائلًا: "مقصد الشريعة هو الستر. لكن التطبيق استُغل للابتزاز أحيانًا. وأنا سأوكل النيابة والشركة لإيقاف هذا العبث".

وبالفعل شرعت الجهات المختصة في إجراء تعديلات على هذا القانون، وتقدمت لجنة التشريع بمجلس ولاية الخرطوم باعتذارها لكل الذين تضرروا جراء تطبيق قانون النظام العام.

قانون مثير للجدل

صدر قانون النظام العام لولاية الخرطوم في عام 1996. ويقع القانون في سبعة فصول و26 مادة، خُصص الفصل الأول للأحكام التمهيدية والتعريفات والتفسيرات، ومكان سريان القانون، وهو ولاية الخرطوم.

وتعرض الفصل الثانى (ابتداءً من المادة الخامسة) إلى إقامة الحفلات الغنائية، بالنص على الحصول على تصديق مسبق ومحدد بزمن تنتهي فيه، إلى جانب منع الرقص المختلط بين الرجال والنساء، أو عدم السماح للنساء بالرقص أمام الرجال، وتحريم ما سُمي بـ"الأغاني الهابطة".

فيما حمل الفصل الثالث من قانون النظام العام، ضوابط استخدام المركبات العامة والخاصة، وأماكن جلوس الرجال والنساء في المواصلات العامة، مركزًا على تنظيم مقاعد ومداخل خاصة للنساء في المركبات العامة، وعدم تجاوزها إلى أماكن الرجال. 

وتعرض القانون كذلك إلى منع تظليل المركبات الخاصة والعامة إلا بعد الحصول على تصديق مكتوب صادر من وزير الداخلية أو من يفوضه. كما تشدد في منح الترخيص لمحلات تصفيف الشعر، ووضع معايير وصفت بـ"القاسية" في التصديق لمحال تصفيف الشعر للنساء، بحيث لا يعمل فيها الرجال، وتطل على الشوارع الرئيسية، وتختار له نساء تثق فيهن الحكومة، علاوة على حق الأجهزة الشرطية في التجسس ومراقبة تلك المحال واقتحامها في أي وقت. كما يمنع بيع الطعام والشراب في نهار رمضان.

الأخذ بالشبهات

ومن أبرز المواد التي أثارت الجدل على نطاق واسع، مادتي 152 و154 من القانون الجنائي السوداني لعام 1991، والتي تتحدث عن "الأفعال الفاضحة والمُخلّة بالآداب العامة". 

وتنص المادة 152 على أن "كل من يأتي في مكان عام فعلًا أو سلوكًا فاضحًا أو مخلًا بالآداب العامة، أو يتزيّ بزيّ فاضح أو مخل بالآداب العامة، يسبب مضايقة للشعور العام؛ يعاقب بالجلد بما لا يجاوز 40 جلدة، أو بالغرامة أو بالعقوبتين معًا".

ونصت المادة 154 على أن من يتواجد من محل للدعارة، فيعتبر مرتكبًا للجريمة. وقد منح القانون لشرطة النظام العام سلطة تقديرية لتوقيف كل رجل أو امرأة ترى الشرطة أنه يرتدي "زيًا خادشًا للحياء".

الإساءة لصورة السودان

من جانبهم وصف مراقبون مواد القانون بأنها فضفاضة، بما يتيح سلطة تقديرية للسلطات التنفيذية، وأن استمرار القانون بشكله الحالي يحدث تشوهات في مؤسسات الدولة، تسيء لصورة السودان في الخارج، إلى جانب أنها أثارت ضجر المجتمع السوداني، علاوة على الإساءة في تقييم وتنفيذ بنود القانون، والتي تصل إلى حد إطلاق النار واستخدام القوة القاتلة.

ولعل الانتقاد الدائم له من قبل المنظمات الدولية جعل الحكومة تعيد النظر فيه، لا سيّما وأن الولايات المتحدة الأمريكية انتقدت المواد المتعلقة بتوقيف آلاف من النساء بموجب مادة "الزي الفاضح"، واعتبرتها تمثل "انتهاكًا لسلامة المواطنين وكرامتهم والحريات المدنية".

كما أن الولايات المتحدة وضعت إلغاء قانون النظام العام، كأحد الشروط للحوار مع الخرطوم ضمن مساعي رفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب.

ضد قانون النظام العام

وفي استطلاع أجراه مراسل "ألترا صوت" على شريحة من السودانيين عبر تطبيق فيسبوك، كان محور السؤال فيه: "هل تؤيد قانون النظام العام أم ترفضه بالمرة؟"، شارك فيه أكثر من 530 شخصًا، جاءت نسبة الإجابات فيه حتى لحظة تحرير هذا التقرير، كالتالي: 17% مع قانون النظام العام. 83% ضد قانون النظام العام.

وفي التعليقات، اعتبر بعض المشاركين أن المشكلة ليست في القانون بحد ذاته، وإنما في التطبيق، بينما أشار آخرون إلى أن المشكلة في القانون والتطبيق معًا. 

الجلد بسبب البنطال

شرطة النظام العام والتي أطلق عليها مؤخرًا اسم شرطة أمن المجتمع، تعمل كآلية تنفيذ للقانون. وعلى الرغم من أنها جزء من الشرطة السودانية، إلا أنها تعتبر بمثابة قوة خاصة أشبه بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية. 

ومن أشهر الوقائع ذات الصلة، قضية الصحفية لبنى أحمد حسين، والناشطة الإعلامية ويني عمر، اللتين قبض عليهما بسبب ارتدائهما للبنطال. وحكم عليهما بالجلد 40 جلدة. وتحولت تلك الواقعة إلى قضية رأي عام، أثارت الشارع السوداني.

ملاحقات مستمرة

بدأت الأزمة الأخيرة عندما كانت الناشطة والمدونة ويني عمر، تقف على قارعة الطريق العام هي وزميلتها، في تلك اللحظة اعترضتها سيارة يقودها وكيل نيابة برفقة ضابط شرطة بالقرب من مكان عملها. وبعد حوار قصير تم اقتيادها إلى قسم شرطة النظام العام، بحجة أن ملابسها غير محتشمة، حيث احتجزت لخمس ساعات قبل إطلاق سراحها بالضمان. وقالت ويني لدى استجوابها من قاضي المحكمة، إنها "لم ترتد زيًا فاضحًا، وإنها مسلمة وتعرف الدين جيدًا".

في استفتاء أجراه مراسل "ألترا صوت" على فيسبوك، شارك فيه أكثر من 530 شخصًا، أجاب 83% برفضهم لقانون النظام العام في السودان

ولربما أيضاً أثار حنق الحكومة على هذا القانون تعرض شخصيات وثيقة الصلة بدوائر نافذة في الدولة، لملاحقة شرطة النظام العام، وتوجيه اتهامات لهم بمارسة الأفعال الفاضحة، وقامت المحكمة فيما بعد بتبرئتهم .

 

اقرأ/ي أيضًا:

قانون الجرائم الإلكترونية في السودان.. وراء المعارضة في كل مكان

ختان الإناث في السودان.. "ختم العفة" باستئصال شأفة الحياة