بعد أسابيع من الاحتجاجات الواسعة ضد حكومة الشيخة حسينة، التي تحولت إلى أعمال عنف أدت إلى سقوط 300 قتيل، أجبر المتظاهرون الشيخة حسينة على الاستقالة والفرار من البلاد نحو الهند، بعد حكم دام أكثر من 15 عامًا لبنغلادش.
ولعب الطلاب والشباب أدوارًا محورية في الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت الحكومة وغيرت وجه البلاد.
وقد التقى مراسل وكالة "أسوشيتد برس" عددًا من هؤلاء الشباب، الذين شاركوا في الاحتجاجات، من بينهم جناتول بروم، التي كانت تهم بمغادرة بنغلادش للدراسة، وربما العثور على وظيفة في الخارج بعد أن تنال شهادتها الجامعية.
لعب الطلاب والشباب أدوارًا محورية في الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت حكومة الشيخة حسينة وغيرت وجه بنغلادش
تعترف بروم: بأنها "محبطة من نظام لا يعترف بالتفوق، ويوفر فرصة قليلة للشباب".
تشير الفتاة، البالغة من العمر 21 عامًا إلى أنها ستغادر البلاد في وقت قريب، إذا تملك عائلتها ما يكفي من المال لتدفع الرسوم في الجامعات الأجنبية، لها ولشقيقها الأكبر.
وبحسب الوكالة الأميركية، فإن الأحداث الأخيرة أعطت لبروم الأمل في أنها قد تتمكن يومًا ما من العودة إلى بنغلادش، التي حكمتها الشيخة حسينة لمدة 15 عامًا، وهربت من البلاد الأسبوع الماضي، بعد اتساع نطاق مظاهرات الشباب. وكانت بيروم بينهم.
في يونيو/حزيران الماضي، نزل الطلاب إلى شوارع بنغلادش، مطالبين بإلغاء القوانيين التي خصصت ما يصل إلى 30 % من الوظائف الحكومية لأحفاد قدامى المحاربين، الذين خاضوا حرب استقلال البلاد عام 1971 ضد باكستان، قائلين: إن "أحفاد مؤيدي رابطة عوامي، التي قادت هذا النضال، كانوا بالفعل جزءًا من النخبة"، وهذا يعني أن 44 % فقط من وظائف الخدمة المدنية تم منحها على أساس من يستحقها.
توضح "أسوشيتد برس" أنه لم يكن من قبيل المصادفة أن تكون هذه الوظائف في قلب المعركة، فهي أكثر الوظائف استقرارًا وأفضلها أجرًا، في بلد ازدهر اقتصاديًا في السنوات الأخيرة، لكنه لم يخلق ما يكفي من الوظائف المهنية الثابتة للطبقة الوسطى المتعلمة.
تشير الوكالة أن قيادة "جيل زد" للانتفاضة لم تكن مفاجئة، إذ إن الشباب مثل بروم هم من بين الأكثر إحباطًا وتأثرًا بتقلص الفرص في بنغلادش. وفي الوقت نفسه، لم يكونوا مقتنعين بالروايات التاريخية التي قدمتها الحكومة لتمرير نظام الحصص.
ووفق "أسوشيتد برس"، كان قابلية الجيل الجديد للانفصال عن الماضي واضحة، خاصة عندما استخفت الشيخة حسينة بمطالبهم في منتصف تموز/يوليو، حين تساءلت: "من؟ إن لم يكن مقاتلو الحرية هم من ينبغي منحهم وظائف حكومية".
وأمعنت حسينة في استخفافها بمطالب الشبان المتظاهرين، قائلة: "من يستحق ذلك؟" أحفاد رازاكار؟"، فقد استخدمت حسينة، كلمة مسيئة للغاية تشير إلى أولئك الذين تعاونوا مع باكستان لقمع نضال البنغال من أجل الاستقلال.
لكن المتظاهرين الشباب ارتدوا الكلمة كـ"شارة شرف"، وساروا في حرم جامعة دكا، وهتفوا: "من أنت؟ من أكون؟ رازاكار. من قال هذا؟ الدكتاتور".
في اليوم التالي، قتلت قوات الأمن عدد من المتظاهرين خلال الاشتباكات مع قوات الأمن، ما أدى إلى اتساع رقعة الاحتجاجات.
تلفت الأستاذة في جامعة كورنيل، التي تدرس العنف السياسي والتاريخ العسكري لبنغلادش، سابرينا كريم، إلى أن العديد من المتظاهرين كانوا صغارًا في السن، لدرجة أنهم لا يستطيعون تذكر الفترة التي لم تكن فيها الشيخة حسينة رئيسة للوزراء.
لقد نشأوا، مثل الأجيال التي سبقتهم، على قصص نضال الاستقلال مع عائلة حسينة. كان والدها الشيخ مجيب الرحمن أول زعيم لبنغلادش المستقلة، واغتيل لاحقًا خلال انقلاب عسكري. لكن بالنسبة لكريم "هذه الرواية لا تعني كثيرًا للمتظاهرين الشباب، كما كانت تعني لأجدادهم".
بالنسبة لنورين سلطانة توما، التي ألتقها الوكالة، فإن مساواة حسينة بين المتظاهرين الطلاب والخونة، جعلتها تدرك الفجوة بين ما يريده الشباب وما يمكن أن تقدمه الحكومة.
تقول الطالبة، البالغة من العمر 22 عامًا وتدرس في جامعة دكا، إنها "شاهدت بنغلادش تصبح غير محصنة ضد عدم المساواة، لقد فقد الناس الأمل في أن الأمور ستتحسن".
في حين تفتخر رئيسة الوزراء، التي بقيت أطول مدة في الحكم، بتعزيز نصيب الفرد من الدخل، وتحويل اقتصاد البلاد إلى منافس على الصعيد عالمي. فقد تحولت الحقول الزراعية إلى مصانع للملابس وأصبحت الطرق الوعرة طرقًا سريعة متعرجة. لكن توما تؤكد أنها رأت المعركة اليومية للأشخاص الذين يحاولون شراء الضروريات أو العثور على عمل، في حين كانت مطالبتهم بحقوقهم الأساسية تقابل بالإهانات والعنف.
وتشدد توما: "لم يعد من الممكن التسامح معها"، في إشارة للشيخة حسينة.
شعر شباب بنغلادش، الذين يمثلون 18 مليون في بلد يبلغ عدد سكانه 170 مليون، بشدة هذه الضائقة الاقتصادية، فهم يعانون البطالة.
مساواة الشيخة حسينة بين المتظاهرين الطلاب والخونة، جعل الشباب يدركون أن الفجوة هائلة بين ما يريدنه وما يمكن أن تقدمه الحكومة
ووفقًا للباحث في مركز أبحاث "Chatham House"، شيتيغ باجباي، بعد الوباء أصبحت وظائف القطاع الخاص نادرة أكثر.
لذا يحاول العديد من الشباب الدراسة أو الانتقال إلى الخارج بعد التخرج على أمل العثور على عمل لائق، وهو ما يعني هجرة الأدمغة والقضاء على الطبقة الوسطى، وفق ما تقول الوكالة الأميركية.
يتحدث جاناتون نهار أنكان، البالغ من العمر 28 عامًا، والذي يعمل مع منظمة غير ربحية في دكا، وانضم إلى الاحتجاجات، قائلًا: "لقد اتسعت الاختلافات الطبقية".
تلفت "أسوشيتد برس"، إلى أنه "على الرغم من هذه المشاكل، لا يبدو أن أيًا من المتظاهرين كان يعتقد حقًا أن حركتهم ستكون قادرة على الإطاحة بحسينة".
كان رفيغ خان، البالغ من العمر 24 عامًا، في الشارع يستعد للانضمام إلى احتجاج عندما سمع أن حسينة قد استقالت وهربت من البلاد. اتصل بمنزله مرارًا وتكرارًا لمعرفة ما إذا كان بإمكانه التحقق من هذه الأخبار.
وقال: "في الأيام الأخيرة من المظاهرات، انضم أشخاص من جميع الطبقات والمهن والأديان إلى الطلاب في الشوارع. عانقوا بعضهم البعض، بينما جلس الآخرون على الأرض غير مصدقين لما حدث".
وأضاف: "لا أستطيع وصف الفرح الذي شعر به الناس في ذلك اليوم".
تشير "أسوشيتد برس"، إلى أن بعض هذه النشوة ستتلاشى الآن، بعد أن أصبح الحائز على جائزة نوبل، محمد يونس، رئيسًا مؤقتًا للحكومة. إذ سيتعين عليه إلى جانب مجلس الوزراء، الذي ضم اثنين من قادة الاحتجاج الطلابي، استعادة السلام وبناء المؤسسات والإعداد لانتخابات جديدة ستشهدها بنغلادش.
الأمل بالنسبة لمعظم الطلاب هو أن تحصل الحكومة المؤقتة على الوقت لإصلاح مؤسسات بنغلادش في حين يتم تشكيل حزب سياسي جديد، لا تقوده العائلات السياسية القديمة.
يقول خان: "إذا طلب مني التصويت في الانتخابات الآن، فلا أعرف لمن سأصوت"، وأضاف: "لا نريد استبدال دكتاتورية بأخرى".
توضح الوكالة إلى أنه غالبًا ما يتم وصف الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع بأنهم جيل "كاره للسياسة". لكن أخصائي الأمن الرقمي والمتخرج حديثًا من جامعة دكا، أزاهر الدين أنيك، البالغ من العمر 26 عامًا، يعتبر هذا التوصيف خاطئ.
هم لا يكرهون السياسة، بل يكرهون فقط السياسيين الذين ساهموا في الانقسام ببنغلادش، كما يعتقد.
وعلى الرغم من أنه يعترف بأن الإصلاحات الهيكلية التي تحتاجها البلاد الآن قد تكون أكثر صعوبة من عزل رئيسة الوزراء. إلا أنه لأول مرة منذ فترة طويلة يأمل في أن تتحقق الإصلاحات، قائلًا: "تجربتي الأخيرة هي أن المستحيل يمكن أن يحدث، وربما لم يفت الأوان بعد".