بعد بضعة عقود من الديمقراطية الغربية ازدهر الاستبداد من جديد في عصرنا، ويستمتع به رؤساء الدول ورجال الدين وشيوخ القبائل وكبار ملاك الشركات وزعماء الأحزاب السياسية وغيرهم من أصحاب السلطة. ونرى في عدد متزايد من الدول في العالم أن فقط من يشن حروبًا (على شعبه قبل كل شيء) ويمارس التعذيب والتحريض والإرهاب ضد خصومه هو من الفائزين ويحتفظ بسلطته. في ما يلي يجد المستبد العصري بعض النصائح للحفاظ عليها.
الآخرون سبب المشاكل
في كل بلد من بلدان العالم، بما في ذلك في بلدك على الأغلب، توجد مشاكل بسيطة هنا وهناك: الجريمة، الفقر، سوء التعليم، نقص الماء، تدمير شامل للبيئة، مستشفيات سيئة، فساد... والأخير، كما يقال، هو شرط لكل ما سبق، ولكن لا تسمع لمن يقول ذلك، فبدون فساد لا يمكنك إطلاقًا أن تحكم وأن تستبد، وهل حقوق الإنسان لا تسري عليك يا ترى؟ اتفقنا إذن.
الناس في عصر ما بعد الحقائق مستعدون ليلتهوا بمواضيع جانبية
إن لم تستطع العمل على تحسين تلك الأوضاع السيئة في بلدك أو لم يمكنك تخفيف آثارها عن طريق توزيع المال والصدقات من ريع بعض الثروات الواقعة تحت أرض بلدك، فهذا لا يعني أنك مسؤول عن البؤس. قدم نفسك بصفتك الرجل الذي يحاول بلا هوادة أن يكافح هذه الآفات كلها، والرجل الذي يعرف أن هناك أعداء يريدون الشر لبلدك. هؤلاء الأعداء أقوياء وجبارون ومقاومتهم هي أساس شرعيتك. ولا تخف أن يغضب عليك الشعب بسبب الفقر والظلم، لأن الناس في عصر ما بعد الحقائق مستعدون ليلتهوا بمواضيع أخرى تمامًا، خاصة إن كانوا وطنيين (انظر فقرة الوطنية).
اقرأ/ي أيضًا: كيف أصبح مستبدًا أفضل؟ (1- 6)
قم بمعاقبة بعض المسؤولين الصغار أو المتوسطين بين كل فترة وأخرى، بعد أن اعترفوا بذنوبهم علنًا. لن يغير هذا شيئًا في الواقع بالطبع، ولكن إن أجبرتهم على الاعترافات أمام الكاميرا سيفرح الناس بمشاهدة ذلك في التلفاز وسيعتقدون أنك لا تعرف التعب في العمل لتحسين الأوضاع. وذكّر الناس أيضًا أن ذلك يحتاج إلى نفس طويل، لأن أعداء شعبك يتآمرون عليه باستمرار، منهم الأمريكان واليهود والماسونيون (لا يهم أن أحدًا لا يعرف من هم الماسونيون)، ومنهم مواطنو بلدك الذي نفيتهم إلى الخارج والذين باتوا يمارسون الخيانة ضد الأمة من وراء البحار. أو تحدث عن جيرانك الذين يموّلون خصومك. عن المجتمع المدني، والمثليين، والمدمنين، وعبدة الشيطان، والأجانب، وأتباع الديانات الأخرى وأصحاب اللون الآخر... فكر قليلًا، وسوف يخطر ببالك شيء من هذا.
ابحث عن قوة عظمى، إن لم تكن أنت بنفسك قوة عظمى واستملها إليك. أين المعارضة التي ستتجرأ على مناهضتك إذا كنتَ شريكًا لدولة نووية؟ والأفضل من ذلك أنه في هذه الحالة لا يمكن حتى للأمريكان أن يتحركوا ضدك، ولو كنت تحارب شعبك منذ سنوات، فمن يريد حربًا عالمية؟ سيفضلون حربًا صغيرة تقتصر على بلدك وتدينها الأمم المتحدة لفظيًا. ها قد فزتَ على المجتمع الدولي! السياسة مسلية أحيانًا.
أين المعارضة التي ستتجرأ على مناهضتك إذا كنتَ شريكًا لدولة نووية؟
الخروج من المنظمات الدولية
لا ضرورة لأن تترك عضوية بلادك في الأمم المتحدة، فالأمم المتحدة تتيح لك أن تجمّل صورتك أو أن تحتضنك دولة قوية كما أسلفنا. ولكن اخرج من محكمة العدل الدولية إن انضممت إليها سهوًا في يوم ما، وإلا ستخاطر على اتهامك من قبلها وسيتوجب عليك أيضًا أن تسلم إليها بعض من يزورونك من زملائك المستبدين، وهذا يتنافى مع تقاليد حسن الضيافة التي تمارسها. ولكن قل علنًا شيئًا آخر، مثلًا إن محكمة لاهاي منحازة ضد قارتك مما يعبر عن تكبر غربي بغيض.
اقرأ/ي أيضًا: كيف أصبح مستبدًا أفضل؟ (2- 6)
هكذا تكون أثبتّ لشعبك مرة أخرى أنك تحميه من شر العالم، إلى جانب حماية شخصك. لا بأس بشيء من العزلة لكل مستبد، فاستمتع بقليل من الهدوء. وأخيرًا:
استمتع بحياتك الاستبدادية!
كُتبت هذه النصائح قبيل نصر دونالد ترامب الأكبر الذي دشن عصرًا جديدًا من الاستبداد الشعبوي والذي أثبت أيضًا أنه يمكن لأي وغد جاهل أن يصبح رئيسًا لدولة ديمقراطية إذا كان يملك المال وقال هذيانًا عن "النخب الفاسدة". كل شيء ممكن الآن، ليس فقط بمعنى أن حتى أقدم الأنظمة الديمقراطية يمكن تحويلها إلى استبدادية إن كان المواطنون لا يهمهم ذلك. بل الأهم من ذلك أن المقاييس العالمية تغيرت جذريًا، فالديمقراطيات الليبرالية اختفت باستثناء بقية صغيرة، وبالتالي لم يعد يُؤخذ بها كنموذج للحوكمة في العالم. أصبح النقاقون المتغطرسون في الغرب أقلية أخيرًا ولم يعودوا عائقًا أمامك. بإمكانك أن تتفاءل أيها المستبد! ارتح واستمتع بحياتك وسلطتك. فسلطتك هي أهم من كل شيء.
اقرأ/ي أيضًا: