25-نوفمبر-2018

تعاطت التقارير الإعلامية السعودية بالتضليل في قضية مقتل خاشقجي (Getty)

من خلال البحث في يوتيوب على تقارير تتناول رأي الشارع السعودي حول مقتل الصحفي جمال الخاشقجي، لم يظهر إلا تقارير محلية من داخل السعودية حول ما حدث. وكل ما يمكن إيجاده كانت تقارير تتهم دول خارجية بالتواطؤ لزعزعة أمن المملكة العربية السعودية واستقرارها، قبل الاعتراف الرسمي بالجريمة، وبعد الاعتراف الرسمي بالجريمة، حيث فبركت السيناريوهات لتتناسب مع كل مرحلة.

سمة الاستبداد الأساسية، جعل المواطن يصدق السلطة مرغمًا، ويكذب عقله وإحساسه وحواسه

تجدر الإشارة إلى عدم السماح للشارع السعودي بالتعبير عن آرائه علنًا، ومنع الإعلام السعودي من تسليط على هذه الجريمة، ومساءلة صوت الناس، فالتقارير الوافدة من داخل السعودية وغيرها من المؤسسات الإعلامية التابعة والمدعومة من السعودية، كانت عبارة عن تلميع لصورة السلطات السعودية وتحوير للحقائق، وبدت أصوات من يتكلمون حول هذه الجريمة مليئة بالخوف والفزع.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا قتلوا جمال خاشقجي؟

نحن إذًا أمام دولة لا نوافذ لها تتيح لأصوات الناس الخروج إلى العلن ولمس شعور المواطنين السعوديين. فمن المحزن أن 34 مليون سعودي صدقوا الكذبة، لكنهم يعلمون في قرارة أنفسهم، ومن داخل صميميهم أن ما يتفوهون به خارج المنطق وغير قابل للتصديق، وأن الحقيقة صارت ساطعة سطوع الشمس، لكنهم مع ذلك كذبوا أنفسهم، وهذه سمة الاستبداد الأساسية، أن تجعل المواطن يصدق السلطة ويكذب عقله وإحساسه وحواسه!

التهويم والتضليل الإعلامي

في تقرير لقناة العربية بعنوان "ردود الشارع السعودي حول قضية خاشقجي"، تم عرض آراء المواطنين من داخل السعودية، وجاءت الإجابات أقرب إلى المهزلة، إذ تصب كلها في نفس المنحى وذات الرأي والتوجه. وهي كالتالي:

  • القنوات الإعلامية  الواقفة ضد السعودية كثيرة والله يحمي السعودية منها.
  • هناك تزييف حقائق من قبل الدول المعارضة لنا، وهناك فبركة فيديوهات ضدنا.
  • هناك من يستهدفنا ليسوي تشتت عندنا، وهدفهم زعزعة الأمن بدولتنا.
  • المملكة دولة العدل والحزم والقانون.
  • هذا دليل على الشفافية من قبل دولتنا وأكثر من هكذا شفافية ما أعتقد فيه. الأمور واضحة والدولة وضحت كل شيء وهذا شيء ممتاز.

أما في تقرير لقناة العربية بعنوان "جمال خاشقجي.. هذه تفاصيل الخطأ القاتل!"، يتحدث عن أن الفريق الأمني السعودي أخفق في مهمته، وضلل قيادته حول حقيقة ما حدث. 

يتحدث التقرير عن أن السعودية كانت تتبع إستراتيجية لتحول دون استخدام "أعداء" السعودية للمعارضين في الخارج. وبحسب مسؤول سعودي، لم تكن هناك نية للقتل، كما أن الفريق الأمني ضلل قيادته، بل أبلغها بأن خاشقجي خرج من القنصلية. وأضاف التقرير: "وبالفعل لبس أحد أعضاء الفريق ثياب الصحفي جمال خاشقجي، وخرج من الباب الخلفي للقنصلية". هكذا إذن تعاطت قناة العربية مع وعي المواطنين السعوديين والعرب والمسلمين حول العالم!

صحيفة الوطن السعودية نشرت تقريرًا بعنوان "الإعلام العالمي يتجاهل مقتل 43 صحفيًا ويركز على اختفاء خاشقجي"، وحذت حذوها كل من صحف عكاظ وسبق والرياض والشرق الأوسط.

وفي فيديو لأحد الناشطين السعوديين متداول على السوشيال ميديا، يمكن أن يصل بالمشاهد إلى الضحك، حيث يصف جريمة تصفية خاشقجي بأنها "مسرحية قطرية تركية"، وذلك طبعًا قبل الاعتراف الرسمي السعودي بالجريمة.

بينما نشرت صحيفة البوابة المصرية، تقريرًا بعنوان "رسائل المصريين للسعوديين.. كلنا مع المملكة"، تناولت فيه ما قالت إنه صوت الناس في مصر. وجاء التقرير بتبريرات غاية في الركاكة وعدم الدقة، وذلك قبل الاعتراف الرسمي السعودي بالجريمة. 

أمّا أكثر ما هو مؤسف فجاء من قبل الاتحاد العام للصحفيين العرب، الذي أصدر بيانًا خجولًا دون تسمية أي طرف له علاقة بالجريمة، وذلك قبل اعتراف السعودية بالجريمة رسميًا، ليصمت الاتحاد دون أن يصدر بيانات أو تعليقات أخرى تستنكر وقع الجريمة على حرية الصحافة والتعبير.

من الجهة الأخرى

من الجهة الأخرى، برزت تقارير إعلامية من مؤسسات وقنوات إعلامية وصحفية، تقترب من الحقيقة. كما الحال في تقرير بث على قناة الجزيرة بعنوان "آراء من تونس بشأن الإعتراف السعودي بمقتل خاشقجي"، والذي ركز على الرأي الحقيقي للشارع التونسي في الجريمة، ودور القيادة السعودية فيها.

أما النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، وفي إطار الائتلاف المدني لحرية التعبير، وصفت الجريمة بأنها "غاية في الخطورة" لأنها "عملية استدراج وتصفية وجريمة نكراء ولا يمكن التسامح معها". وطالبت الأمم المتحدة بإجراء تحقيق مستقل. وبرأيهم فإن الإفلات من العقاب سوف يكرس بسبب المصالح الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية. كما أنها أعربت عن الخوف من "تواطؤ تركيا، وصمت المجتمع الدولي".

وفي تقرير بعنوان "آراء من السودان بشأن الاعتراف السعودي بمقتل الخاشقجي"، يتبين حجم السخط الشعبي العربي على هذه الجريمة، وجاء في التقرير: "الجريمة هزت الضمير العالمي، وهزت الضمير العربي والإسلامي. اغتيال الخاشقجي مدبر من السعودية لأنها معروفة بقتل المعارضين. والسجون السعودية مليئة بالمعارضين، هذه مهزلة".

كما جاء فيه: "السعودية فيها قبلة المسلمين، ولابد لهؤلاء الملوك أن يعيدوها قبلة للمسلمين بحق. الجريمة لا تمت للإسلام بصلة. إنها دليل أن الحكومات صدرها ضيق لا يتحمل النقد".

 تزيد الحسرة عندما تقوم مؤسسات بالتشفي من قتل جمال خاشقجي وتزيد الصدمة من أقلام عربية بررت الجريمة

وأما قناة الشرق المصرية المعارضة، فقد شنت هجومًا عنيفًا على السعودية متهمة إياها بـ"اللا إنسانية". وقالت مذيعة القناة في حديثها: "إن الطبيب الشرعي صلاح الطبيقي الجزار، أخذ 15 دقيقة لتقطيع خاشقجي، هل تتخيلون أن هذا الطبيب قطع جثة بني آدم في 15 دقيقة. إنه إذًا معتاد على المنشار ومعتاد على الجريمة". وأضافت: "هؤلاء كيف يعيشون؟ هل يحقنونهم بمواد معينة كي يأكلوا ويشربوا ويسيروا بعد قيامهم بمثل هذه الجريمة!".

وفي تقرير لقناة الحوار الفضائية، وهي قناة عربية تبث من لندن، فقد نشرت تقرير تحت عنوان "إشكالية الإعلام العربي وقضية خاشقجي"، وعرضت خلاله أهمية التضامن الصحفي بين الزملاء الصحفيين.

لكن تزيد الحسرة عندما تقوم مؤسسات بالتشفي من قتل جمال خاشقجي وتزيد الصدمة من أقلام عربية عملت على تبرير هذه الجريمة، ونموذج الإعلامي نديم قطيش وبرنامجه "DNA" خير مثال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"DNA"نديم قطيش.. ردح ودوغمائية لعيون السعودية

كيف ورط خاشقجي السعودية باختفائه أكثر من مقالاته؟