24-أغسطس-2018

أصبح "طب الخرافة" في المغرب بديلًا لفشل القطاع الصحي العام (مواقع التواصل الاجتماعي)

طابور طويل من النساء والرجال يصطفون في الزقاق، يظهر على محياهم علامات الإعياء والعوز والمرض، جميعهم قدموا من أماكن مختلفة في مدينة الدار البيضاء، وبعضهم من خارجها، آملين أن يجدوا شفاء مرضهم عند "الحاج الكواي"، وهم يتناقلون فيما بينهم قصص الناس الذين استرجعوا عافيتهم على يده بعد أن تقطعت بهم السبل وأغلقت أمامهم الأبواب.

بات المرض أكثر ما يؤرق المغاربة، خصوصًا الفقراء منهم، الذين بسبب تدهور المستشفيات العامة، باتوا يلجأون لما يعرف بـ"طب الخرافة"

لا يملك "الحاج" أي خبرة أو شهادة طبية، ومع ذلك يدعي بأنه يستطيع علاج المرضى فقط ببركته وطريقته الغريبة في العلاج؛ الكيّ، حيث يقوم بتسخين قضبان حديدية تشبه قضبان الشواء على النار، ثم يضعها في موضع الألم، مقابل 50 درهمًا لكل مريض. وبالنظر إلى المكان المكتظ فإن الرجل يبدو أنه يربح في اليوم الواحد على الأقل ثلاثة آلاف درهم أي حوالي 300 دولار أمريكي.

اقرأ/ي أيضًا: "الرقية الشرعية".. طريق الدجالين إلى المال والجنس!

فاطمة واحدة من النساء اللواتي أَتَين للتداوي بالكي، رغم أنها امرأة في الثلاثينات، لكنها بالكاد تستطيع المشي نتيجة ساقها المتورمة. قالت فاطمة لـ"ألترا صوت"، إنها تربي أربعة أبناء، وزوجها يعمل باليومية، وليس لديها من يساعدها.

سألتها إن كانت قد زارت المستشفى فأجابت: "ذهبت للمستشفى مرتين، لكن بدون جدوى، في المرة الأولى لم يكن الطبيب موجودًا كما أخبروني، وفي المرة الثانية كان المشفى مكتظًا، وبعد انتظار طويل نظر الطبيب إلى رجلي المريضة نظرة سريعة، ثم كتب لي أدوية، بدون أي فحوصات أو شيء"، مضيفةً: "اقتطعنا من مأكلنا وحاجاتنا البسيطة، واشتريت الوصفة بأجرة زوجي الأسبوعية، وتناولتها وما زالت ساقي منتفخة إلى الآن".

وردًا على سؤال إذا ما كانت تعتقد أن الكي سيعالج ساقها، أجابت: "ليس لدي حل.. ليس لدي حل. لو كنت أملك المال لذهبت للعيادات الخاصة، أو مستشفيات فرنسا لأتلقى العلاج كما يفعل الوزراء والمسؤولين. نحن (المزلوطين) ليس لنا سوى الله". صمتت قليلًا، ثم أكملت والدموع على خديها: "أخشى فقط أن أصبح عاجزة في شبابي وأترك أولادي بدون معيل".

حال فاطمة ومثيلاتها يظهر فداحة الوضع الصحي في البلاد، إذ بات المرض هو أكثر ما يؤرق المغاربة في عيشهم، ولا سيما الفقراء منهم، باعتباره مشكلة تهدد فناء أعمارهم قبل موعدها في ظل غياب مستشفيات عمومية مجهزة وبكوادر طبية كفؤة.

وضع يعيشه القطاع، وصفتها "الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة" بـ"الأسوأ في تاريخ المغرب"، حيث قالت في تقرير لها حول واقع الصحة العمومية، إن "ما يناهز 70% من المستشفيات المغربية العمومية الموزعة على مختلف الجهات، هي غير صالحة، ويجب إغلاقها، لأنها لا تتوفر على أدنى الشروط اللازمة لاستقبال المرضى وتقديم العلاج لهم".

بدورها، تضع منظمة الصحة العالمية المغرب في مراتب متأخرة حتى عربيًا، من حيث إحصائيات عدد الأطباء مقارنة مع نسبة السكان، إذ لا يحصل كل ألفي مغربي سوى على طبيب واحد، فيما يتوفر لكل ألفين من مواطني تونس مثلًا على ثلاثة أطباء، ولدى كل ألفي جزائري طبيبين، أما إسبانيا القريبة من المغرب فتملك ثمانية أطباء لكل ألفي إسباني.

القطاع العام في المغرب

وبسبب الهشاشة التي تعتري جل المستشفيات العمومية، وما يعني ذلك من نقص في الأدوية والتجهيزات الطبية والأطباء، صار الكثير من الناس يفضلون التوجه نحو العيادات الخاصة للعلاج، رغم أنها مكلفة. في حين لا يتردد سياسيو البلد وكبار موظفيه وأثرياؤه من الطيران إلى مستشفيات فرنسا وإسبانيا بمجرد إصابتهم بالمرض أو إصابة أحد أفراد عائلاتهم.

 بينما لا يجد فقراء البلاد إمكانية للسفر أو المال للتداوي في العيادات الخاصة، فيبحثون لأنفسهم على بدائل تقليدية للعلاج، الشيء الذي تسبب في عودة قوية لـ"طب الخرافة"، بعد أن فشلت المنظومة الصحية المغربية في تلبية حاجات المجتمع، فأصبح الناس يتقاطرون على أماكن الأضرحة، والزوايا الصوفية، ومحلات الحجامة والكي، ومراكز الرقية والأعشاب، وغيرها من الأشكال الشعبية التي تدعي قدرتها على منافسة الطب الحديث.

وهكذا نشأت في البلاد منظومة صحية موازية كاملة تنتمي "للطب الخرافي"، يقتات عليها جيش من الدجالين ومرتزقي الأوهام، تجد لها بيئة خصبة للانتعاش في الأوساط الشعبية الفقيرة، عزّزت وجودها الموروثات الثقافية الرائجة عن المرض والصحة.

فشلت المنظومة الصحية المغربية في تلبية حاجات المجتمع، فاتجه القادرون للعيادات الخاصة، والفقراء للأضرحة وأماكن الحجامة والكي والرقية

وبنفس الطريقة أيضا ساهم انهيار قطاع الصحة بالبلاد في إفساح المجال لشركات الأدوية المحلية وقطاع الصحة الخاص، لشفط الأموال من جيوب المغاربة، حتى لو كان لأمر يتعلق بأحد أهم حقوق الإنسان، وهو الصحة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"إيديا" ليست الاستثناء.. الحق في الصحة مهدد مغربيًا

من المسؤول؟.. أسعار الأدوية بالمغرب تضاعف ثمنها الدولي