لم يكن من المتوقع أن ينتهي الربيع العربي بهذه السرعة. أو أن ينحسر انتشاره في بقية الدول، بعد أن راهن الجميع على انتشاره وتوسعه ليشمل كل الدول العربية. كما أنه لا أحد توقع أن تتحول بعض الثورات إلى صراعات عسكرية وأن تنشب ثورات مضادة ضد الثورات التي أطاحت بالأنظمة الدكتاتورية. وأن يدخل العالم العربي حالةً جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار والحروب الطائفية التي كانت في البدء ثورات مطالبةً بالديمقراطية والعدالة. إلا أن الأنظمة العربية نجحت في تحويلها إلى ما هي عليه الآن بهدف القضاء عليها وإجهاضها. مستخدمةً في ذلك عدة أساليب، منها:
عسكرة الثورات وإضفاء الطابع الإرهابي عليها
بعد فشل الأنظمة العربية في القضاء على الثورات التي خرجت بهدف إسقاطها، عبر الوسائل التقليدية التي تمارسها منذ نشأتها كالاعتقالات والتعذيب وترهيب الناس عسكريًا وأمنيًا؛ باتت تفكر في طريقةٍ لتحويل تلك الثورات من ثوراتٍ شعبية إلى صراعات عسكرية مع الشعب ذاته، تبرر من خلالها جرائمها بحقه.
عملت الأنظمة العربية على تحويل الثورات إلى صراعات عسكرية مع الشعب
وكانت الطريقة الوحيدة لإحداث ذلك هي استخدام العنف المفرط بحق الشعب عن طريق زج الجيش في الصراع. وبالتالي لم يكن من السهل على الشعب مواجهة تلك القوة بمفرده، واستمرار سلمية ثورته. وكان حينها من الضروري وجودة قوة قادرة على حماية الشعب وثورته من بطش وعنف النظام. وما لبث أن تحوّل الأمر إلى صراع عسكري مباشر معه كما أرادت لهُ أن يكون. وبالتالي نجحت في تحييد الشعب الذي يعتبر الورقة الأقوى في الثورة جانبًا، وتحويل الثورة إلى صراع مسلح مع تلك الفصائل التي تُحاول جعلها – إعلاميًا – فصائل إرهابية متشدِّدة بهدف كسب تأييد دولي في محاربتها والقضاء عليها من أجل، كما تدعي تلك الأنظمة، ضمان عدم انتشارها وتوسعها في المنقطة. ومن أجل ألا تُشكل أيضًا خطرًا مباشرًا على الدول الأوروبية التي تكن عداءً واضحًا للجماعات الإرهابية المتشددة في المنطقة. وتعتبر هذه الوسيلة من أبرز الوسائل التي أخرت نجاح عدد من الثورات العربية، كالثورة السورية. بالإضافة إلى ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي جعل عددًا من الدول تعيد دراسة مواقفها من الثورة. كما بات التنظيم ورقة قويةً في يد النظام الذي خيّرَ الأوروبيين بينه وبين التنظيم الإرهابي، أي بين السيئ والأسوأ.
اقرأ/ي أيضًا: كريم مروة: ثورات الربيع العربي بوصلة نحو المستقبل
الثورات المضادّة والانقلابات العسكرية
شكلت الثورات المضادة والانقلابات العسكرية ضربةً عنيفة جداً للثورات العربية التي نجحت في خلع وإسقاط الأنظمة الحاكمة في بعض الدول. كما أعادت تلك الدول إلى ما كانت عليه قبل الثورة. تمامًا كما حدث في مصر. حيث أعاد الانقلاب، الذي قاده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب شرعيًا من قبل الشعب محمد مرسي، مصر إلى ما كانت عليه قبل ثورة يناير. وعادت من جديد إلى الساحة المصرية سياسة القمع والعزل وتهميش الشعب وإضعافه بحيث لا يتمكن من قيادة ثورة جديدة ضدّه. تمامًا كما لو أنّ ثورة لم تحدث. بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية في مصر بعد ذلك الانقلاب الذي اتضح لاحقًا أنهُ مدعوم من عدّة دول أجنبية وعربية تكنّ عداءً واضحًا لثورات الربيع العربي، وتحاول إجهاضها، وعلى رأسها الإمارات.
الأمر أيضًا ذاتهُ حدث في اليمن، حيث قامت ميلشيات الحوثي بدعم من الرئيس اليمني المخلوع، وعدّة دول، بانقلاب عسكري ضد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. والاستيلاء على السلطة اليمن. وبالتالي القضاء على الثورة اليمنية وإجهاضها بقوة السلاح. كما تؤكد عدّة دلائل تورط الإمارات مجددًا في دعم نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والحوثيين في انقلابهم.
دعمت الإمارات الأنظمة القديمة في مختلف بلدان الربيع العربي، ما جعلها تترأس قائمة الثورة المضادة
وهذا أيضًا ما يحدث في ليبيا، حيث يقود اللواء خليفة حفتر ثورة مضادةً وصراعًا عسكريًا ضد الفصائل التي ساهمت في إسقاط نظام الرئيس معمر القذافي. وهنا للإمارات دور أيضًا، حيث أنها تدعم وبشكلٍ واضح اللواء حفتر في معركته ضد الفصائل التي يُطلق عليها "الميلشيات الإرهابية". وبالتالي إجهاض الثورة الليبية أيضًا، بدعمٍ إماراتي واضح لا لُبس فيه.
اقرأ/ي أيضًا: حرب الإمارات ضد الشرعية اليمنية
ما ذكرناه سابقًا جعل من انتشار وتوسع ثورات الربيع العربي أمرًا صعبًا للغاية. لأنّ الخوف الشعبي في بعض الدول من ملاقاة ذات المصير الذي لاقتهُ الثورة المصرية، بالإضافة إلى الوصول إلى صراع عسكري كما هو الحال في سوريا، حال دون توسع وانتشار الربيع العربي الذي نجحت الأنظمة العربية في تحويله إلى صراع دموي وأهلي وطائفي أيضًا، من أجل إجهاض تلك الثورات.
اقرأ/ي أيضًا: