24-أكتوبر-2018

سيمثل الذكاء الاصطناعي إضافة كبيرة لغرف الأخبار في المؤسسات الصحفية (Getty)

كيف سيكون عمل الصحفي بعد 10 سنوات من الآن؟ للإجابة على هذا السؤال، في الواقع قضت وكالة أسوشييتد برس أشهرًا للاجتماع مع قادة في مجال الذكاء الاصطناعي لبحث تداعيات الذكاء الاصطناعي المحتملة على الصحافة، لتخرج في الأخير بدراسة مفّصلة تلتقط بعض الاتجاهات المستقبلية للصحافة، بناء على حصيلة التقدم التكنولوجي وتداعياته على الإعلام، وهي نتائج تبدو في الحقيقة كسيناريو لأفلام الخيال العلمي.

في 2027 ما كان يستغرق شهورًا من العمل في التحقيق بواسطة فريق من الصحفيين، يمكن أن ينجزه صحفي واحد في يوم واحد فقط! 

من خلال مطالعة التقرير، يظهر أن ما كان يستغرق أسابيع أو أشهر من العمل في التحقيق، وبواسطة فريق كامل من الاستقصائيين، يمكن أن يأخذ في عام 2027 يومًا واحدًا فقط من قبل صحفي واحد، يستعين بأجهزة مؤتمتة وخوارزميات ذكية. وبحلول ذلك الوقت، سيكون لدى غرف الأخبار ترسانة من الأدوات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، وسيقوم الصحفيون بدمج تلك التقنيات الذكية بسلاسة في عملهم اليومي.

وحتى لا نذهب بعيدًا، فهناك عدد من المؤسسات الإعلامية التي تستخدم اليوم بالفعل برامج الذكاء الاصطناعي، لإعداد قصص إخبارية تلقائيًا. وتقوم هذه البرامج، بعد إدخال كم هائل من البيانات عليها، بتحرير مواد إخبارية، وتقديمها لمتصفحي الإنترنت. وعادة ما تكون هذه القصص مبنية على الإحصائيات والأرقام، مثل خلاصات الرياضة، والطقس، والتقارير المالية، وأرباح الشركات.

وفي عام 2015، نفذت صحيفة نيويورك تايمز مشروعها التجريبي للذكاء الاصطناعي، المعروف باسم المحرر. وتهدف من خلاله إلى تبسيط العملية الصحفية، حيث تعلّم برنامجها الذكي بمرور الوقت، التعرف على العلامات الدلالية، كما تعلم الأجزاء الأكثر أهمية من مقال ما. كما يُسهّل على صحافييها الوصول إلى المعلومات والحقائق المرتبطة بموضوعهم والموثقة ضمن أرشيف الصحيفة.

نيويورك تايمز مشروع المحرر
في عام 2015، نفذت صحيفة نيويورك تايمز مشروعها التجريبي للذكاء الاصطناعي، المعروف باسم المحرر

وتجرب نيويورك تايمز أيضًا الذكاء الاصطناعي لفلترة تعليقات القراء وتشجيع النقاش البنّاء، وحذف التعليقات المسيئة. وكانت في السابق توظف في قسم التعليقات فريقًا مكونًا من 14 شخصًا مسؤولين عن المراجعة اليدوية لأكثر من 11 ألف تعليق يوميًا، وهي الآن تسعى من خلال البرنامج ذكي إلى توفير التكاليف، وجعل المحادثات أكثر جاذبية.

وفي عام 2016، اشتركت وكالة رويترز مع شركة غرافيك للتكنولوجيا البيانية، لتزويد الناشرين الإخباريين بمجموعة واسعة من الصور والبيانات التفاعلية حول مجموعة متنوعة من الموضوعات، بما في ذلك الترفيه والرياضة والأخبار.

والجديد في هذه المقاربة، هو أن رويترز تستخدم خوارزميات ذكية، تستطيع بنفسها التعامل مع البيانات المتصلة، وتحويلها تلقائيًا إلى أشكال بصرية بيانية تقدمها للقراء.

أما صحيفة واشنطن بوست، فتجرب مشروع الأخبار الآلية، أو ما يُصطلح عليه بصحافة الروبوت، حيث تستخدم برنامجا ذكيًا يدعى هيليوغراف، يقوم بجمع المعلومات ذات الصلة بموضوع ما، ويشكلها وفق قوالب سردية مخزنة لديه، ثم ينشرها على شكل لُقمات نصية سريعة. ما حرّر صحفيي الجريدة من متابعة بعض المواضيع البسيطة، مثل نتائج الأولمبياد والدوريات الرياضية، لإنتاج محتوى آخر أكثر تعقيدًا.

وحتى هذه اللحظة، يبدو أن استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة، حسب التجارب القائمة، يشمل خمس مهمات أساسية:

  1. تتبع الأخبار العاجلة وتنبيه الصحفيين بالمعلومات الجديدة ذات الصلة بموضوع ما.
  2. إجراء بحث بشكل أسرع وأدق، وربط المعلومات بسرعة وكفاءة، وتحويلها إلى أشكال بيانية.
  3. التصحيح الإملائي والنحوي للغة بشكل تلقائي.
  4. فحص الحقائق بشكل سريع وموثوق، واكتشاف الأخبار الزائفة، مثل الخوارزميات التي بدأ فيسبوك باستعمالها من أجل التخلص من الأخبار الزائفة.
  5. توليد الأخبار القصيرة بشكل آلي في الموضوعات المبنية على البيانات الإحصائية.

وبحسب ما تنبأت به دراسة أسوشيد بريس، فسيكون في المستقبل بمقدور الذكاء الاصطناعي أن يفعل أكثر بكثير من إعداد تقارير إخبارية مباشرة. وسوف يتيح الذكاء الاصطناعي للصحفيين تحليل البيانات، وتحديد الأنماط والاتجاهات من مصادر متعددة، ورؤية الأشياء التي لا يمكن للعين المجردة رؤيتها، بالإضافة إلى تحويل البيانات والكلمات المنطوقة إلى نص سردي مطول، فضلًا عن تحليل المشاهد للكائنات أو الوجوه أو النص أو الألوان. وهكذا سندخل عصر الصحافة المعزّزة.

لكن هذا التمدد الحثيث الذي يمارسه الذكاء الاصطناعي على ميدان حساس مثل الصحافة، يجعل الكثير يتخوف من مستقبل الإعلام والصحافة، والقيم الأخلاقية الصحفية التي قد نخسرها. ولحسن الحظ لا يبدو حتى الآن أن بإمكان البرامج المؤتمتة القيام بدور الصحفي وحدها. كما لا يظهر، بعد فضيحة الأخبار الزائفة على فيسبوك التي أثرت في الانتخابات الأمريكية 2016، أن الصحافة ساحة مناسبة للعب الذكاء الاصطناعي.

يُخشى من أن يكون الذكاء الاصطناعي غير قادر على التعامل بإبداع وبقدرة التفكير النقدي، مع البيانات الصحفية

ومع ذلك قد يكون الذكاء الاصطناعي إضافة كبيرة للصحافة، "لن يحل محلها بقدر ما سيزيدها قوة ودقة"، كما كتب جوناثان شراي لمجلة كولومبيا للصحافة، إذ إن الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف هو من صنع الإنسان، ويمكن التحكم في طريقة استخدامنا له بناء على القيم الأخلاقية والتحريرية التقليدية في الصحافة.

ولهذا يَنظر قسم من المهتمين بالذكاء الاصطناعي، إلى الصحافة الذكية على أنها فرصة لتحرير الصحفيين من التقارير الروتينية، ما يوفر لهم مزيدًا من الوقت للقيام بالمهام الأكثر تعقيدًا. بالإضافة إلى أنها ستخفف بعض العبء المالي الذي تواجهه العديد من المؤسسات الصحفية.

غير أن هناك مخاوف بشأن المصداقية المتصورة للأخبار التلقائية، حيث يشك النقاد في أن الخوارزميات "عادلة ودقيقة، وخالية من الذاتية أو الخطأ أو محاولة التأثير". علاوة على ذلك، فإن الآلات لا تحل محل القدرات البشرية في الإبداع والفكاهة والتفكير النقدي، ولا تستطيع أجهزة الكمبيوتر الذكية كتابة القصص آخذة بعين الاعتبار المنظور العاطفي والتحليل الدقيق، والملاحظات المدهشة. ناهيك عن أن تقوم بعملها بطريقة شفّافة.

ثمة مخاوف بشأن مصداقية المواد الصحفية التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، إذ يشكك البعض في قدرة الخوارزميات على أن تكون عادلة ودقيقة

ما هو واضح في الوقت الحاضر، حسب الصحفية المتخصصة في التقنية كورينا أندروود، هو أن الذكاء الاصطناعي سيضمن له مكانًا في غرف الأخبار والمؤسسات الصحفية، من أجل توفير الوقت والمال، ولمساعدة الصحفيين على مواكبة النطاق المتزايد للمعلومات، وزيادة كفاءتهم وسرعتهم في إنجاز القصص الصحفية الكثيفة. ولعلّ أكبر تهديدات الذكاء الصناعي للصحافة مستقبلًا، هو احتمال فقدان كثير من الصحفيين لعملهم.