أظهر التقرير الذي نشرته منظمة الأغذية والزراعة – الفاو وبرنامج الغذاء العالمي بخصوص بؤر الجوع الساخنة عالميًا أن لبنان من بين 20 بؤرة مهددة بخطر المجاعة حول العالم. وذكر المدير العام لمنظمة الفاو، شو دونيو، أن حجم المعاناة في هذه المناطق ينذر بالخطر، ويتطلب تحركات عاجلة من أجل إنقاذ الأرواح وحماية سبل العيش.
بدأت بعض "عوارض" المجاعة بالظهور في لبنان من فترة إلى أخرى، من التصارع داخل المتاجر الكبيرة للحصول على المواد المدعومة، إلى الأخبار من داخل السجون حول عدم وجود كميات كافية من الطعام
وبالرغم من أن لبنان واجه الكثير من الأزمات والحروب في العقود الأخيرة، فإن خطر حصول مجاعة بالمعنى الحرفي والحقيقي، ودخول لبنان قائمة البؤر المهددة بالجوع الحاد، والتي تضم دولًا كأفغانستان، سوريا، فنزويلا واليمن، لم يكن ليخطر في بال اللبنانيين قبل حلول الأزمة الاقتصادية الأخيرة.
المنظومة الفاسدة.. الطريق إلى الهاوية
فنّد الأستاذ الجامعي وأحد أبرز وجوه انتفاضة 17 تشرين، باسل صالح، في حديث مع ألترا صوت الأسباب التي أوصلت الأمور في لبنان إلى هذا المستوى، معتبرًا أنها تراكمات لسياسات خاطئة امتدت منذ الحرب الأهلية، وترسّخت في الفترة التي تلتها مع التركيز على إشكاليات سياسة إعادة الإعمار وإدخال البلاد في نظام اقتصادي ريعي، على حساب القطاعات المنتجة. وتطرّق صالح إلى أمور الفساد الداخلية التي أرهقت الخزينة، كقطاع الكهرباء الذي كلّف لبنان 40 مليار دولار بدون أية نتيجة، واتخام القطاع العام بجحافل من الموظفين الذين لا حاجة لهم، وصولًا إلى النظام المصرفي الذي وضع السياسات المالية التي مهّدت إلى الانهيار الذي تشهده الحياة في لبنان اليوم، ناهيك عن تهريب البضائع المدعومة والمحروقات إلى سوريا، وفساد كبار التجار واحتكارهم للمواد لرفع أسعارها، وصولًا إلى كارثة انفجار مرفأ بيروت، وانزياح تجارة الترانزيت في المنطقة نحو مرفأ حيفا، في ظل "حفلة التطبيع العربية مع إسرائيل" على حد وصف صالح.
اقرأ/ي أيضًا: وكالات الأمم المتحدة تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة في 20 "بؤرة جوع ساخنة"
ولا يتوقع صالح أية ردة فعل إيجابية من الساسة اللبنانيين بعد التحذيرات باقتراب المجاعة، فهم بحسب قوله "لم يحركوا ساكنًا في الوقت الذي وصل سعر صرف الدولار إلى أرقام قياسية، وفشلوا في تأليف حكومة بعد أشهر طويلة من تكليف سعد الحريري". وأضاف صالح "الأمور في لبنان تسير باتجاه الهاوية على كافة الصعد، والاقتصاد الهش المبني على الخدمات لا يمكنه الصمود في وجه أي كارثة تصيب البلاد، فيما يَظهر سوء الإدارة في التعامل مع الملفات، ما ينعكس بشكل سلبي ومدمر على المجتمع، وآخرها كان التعامل الكارثي مع جائحة كوفيد -19".
وأعاد صالح التأكيد على مطالب الانتفاضة كمدخل وحيد لإنقاذ لبنان، المتمثلة باسترداد الأموال المنهوبة، واستعادة الأملاك البحرية والمشاعات، ومحاسبة الفاسدين وإقرار قوانين لمحاسبة الوزراء المتعاقبين وحاكم مصرف لبنان وفريق عمله ومن يقف خلفه.
تخوّف اللبنانيين من المجاعة يرافقه انهيار في الأمن المجتمعي
بالرغم من التطمينات التي يحصل عليها اللبنانيون من القادة السياسيين بعدم حصول مجاعة، لأسباب كثيرة من بينها تركيبة لبنان، وأموال المغتربين التي تُرسل إلى ذويهم، فإن بعض "عوارض" المجاعة بدأت تظهر من فترة إلى أخرى، من التصارع داخل المتاجر الكبيرة للحصول على المواد المدعومة، إلى الأخبار من داخل السجون حول عدم وجود كميات كافية من الخبز والطعام للمساجين. كما شهد لبنان في الأشهر الأخيرة زيادة واضحة في الجرائم المرتبطة بالسرقة كعمليات السطو، التزوير، النشل وسرقة السيارات، وهذه كلها مؤشرات توحي باقتراب انهيار الأمن المجتمعي، وهو انهيار يتزامن ويترافق في العادة مع وصول المجاعات.
في الأشهر الأخيرة انتشرت الكثير من الشائعات في لبنان تخوّفت من الوصول إلى وضع يصبح فيه تأمين أبسط مقومات الحياة أمرًا عسيرًا. وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قد حذّر في شهر كانون الأول/ديسمبر 2020، من أن لبنان قد يكون على وشك المجاعة، في الوقت الذي سرت أخبار يومها عن قيام حزبه بتخزين كميات كبيرة من القمح في مناطقه في الجبل، بينما يستمر حزب الله في بيع مواد غذائية يستوردها بنفسه، لمناصريه حاملي البطاقة الحزبية، بأسعار مقبولة، الأمر الذي يعيد الحديث عن التقسيم المقنّع، وعن حاجة كل مواطن الارتهان للحزب المسيطر في منطقته، لإيجاد ما يسد رمقه في ظل تفاقم الأزمة.
اقرأ/ي أيضًا:
مؤشر جديد يظهر ضعف التزام الشركات العالمية بمعايير اتفاق باريس للمناخ
التراجع الحاد في النشاط السياحي يهدد بإعادة تشكيل الاقتصاد الإسباني