الصناعات التجميلية لا تهدد طبيعة المرأة وثقتها بنفسها فقط، بل إن خطرها قد يتجاوز ذلك إلى مسببات الوفاة من الأمراض الخطيرة كالسرطان، كشأن إحدى روافد صناعات التجميل وهي صناعة "النظافة النسائية" التي استولت على تفكير المرأة الحديثة، وصورتها العامة والخاصة، بما يهدد المهبل ومناطق جسدها الحساسة. صحيفة الغارديان تلقي الضوء على مخاطر هذه الصناعة التي تهدد صحة المهبل الذي ينظف نفسه ذاتيًا، في مقال ننقله لكم مترجمًا فيما يلي.
أي من هذه الأشياء التالية يجب أن لا تقترب من مهبلك: عضو ذكري، أم إصبع، أم سدادة قطنية، أم مسحوق بودرة التالك؟ وفقًا لما أصدرته هيئة المحلفين بميسوري، في تموز/يوليو، فإن الجواب هو مسحوق التالك، فقد أثبتت المحكمة مصداقية ادعاء 22 امرأة، الإصابة بسرطان المبيض الناجم عن استخدامهن لبودرة التالك الخاصة بـ"جونسون آند جونسون"، نظرًا لاحتوائها على الأسبستوس. ومُنحت هؤلاء النسوة تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهن بلغت 4.14 مليار دولار.
"لو أن الطبيعة أرادت أو هدفت إلى أن تكون رائحة المهبل كرائحة الأزهار أو الخزامى، أو أي رائحة أخرى غير رائحته، لجعلتها كذلك"
وليست تلك المرة الأولى التي تحكم المحكمة فيها لصالح نساء ادعين أن مسحوق التالك يسبب السرطان، فقد فعلت محكمة كاليفورنيا ذلك العام الماضي، على الرغم من ذلك، رُفض القرار في الاستئناف، والذي كان أيضًا ضد شركة "جونسون آند جونسون"، وتقرر إجراء محاكمة جديدة. ووفقًا للمتحدث الرسمي باسم الشركة، فإنها "ما تزال واثقة بأن منتجاتها لا تحتوي على مادة الأسبستوس، ولا تسبب سرطان المبيض وتعتزم متابعة جميع طرق الاستئناف المتاحة".
اقرأ/ي أيضًا: من يملك الآخر.. نحن أم أجسادنا؟
ويحتوي مسحوق التالك في الغالب على السليكا المعدنية. لكن، بما أن السليكا والأسبستوس غالبًا ما يتم استخراجها بالقرب من بعضها، فإنه يمكن لمسحوق التالك أن يتعرض للتلوث بالأسبستوس. وقد قدم محاميي المدعيات في قضية ميسوري، أدلة على أنه عثر مجهريًا على ألياف الأسبستوس في العديد من أنسجة مبايض النساء.
وقال مارك لانيير، المحامي الرئيسي، بعد صدور الحكم: "تبيع جونسون آند جونسون نفس المساحيق بنوعيات مختلفة من مسحوق النشا الآمنة بشكلٍ مدهش، وإذا أصرت على الاستمرار في بيع مسحوق التالك، فإنه يجب عليها أن تضع تحذيرًا جديًا على منتجاتها". وتجدر الإشارة إلى أن ست نساء من أصل 22 قد توفين بالفعل!
وتبدو فكرة بدورة الأطفال المميتة أمرًا من خيال صانع فيلم جاسوسية، غير أنه بالفعل ظلت فكرة ارتباط بدورة التالك بالسرطان، قائمة منذ عقود، رغم أن النتائج مازالت موضع نقاش واسع. ووجدت بعض الدراسات زيادة طفيفة في المخاطر، وأخرى لم تفعل.
وطبقًا لتحليل "NHS" عام 2016، فإنه "من المنطقي أن يشق التالك طريقه نحو الجهاز التناسلي العلوي، وأن يكون له نوع من التأثير البيولوجي". ولا تعتقد جمعية أوفاكوم الخيرية، التي تعمل على الحد من سرطان المبيض، أنه قد تم إثبات وجود رابط بين التالك والسرطان، قائلةً: "ما زلنا نجهل السبب الحقيقي لسرطان المبيض. لكن، من المحتمل أن يكون مزيجًا من العديد من العوامل المتوارثة والبيئية، بدلًا من سبب واحد كالتالك".
وبينما التأكيدات والأدلة ما زالت تطرح، هناك سؤال آخر يطرح نفسه، وهو: لماذا تضع أي امرأة التالك داخل مهبلها أو على فرجها؟ إن المهبل عضو مدهش. مبطن بغشاء مخاطي يحميه من الالتهابات، وهذا الغشاء المبطن ضروري في أي جزء من الجسم ينفتح على العالم الخارجي، إضافة إلى احتوائه مزيجًا ذكيًا ومعقدًا من البكتيريا، المعروفة أيضًا باسم فلورا المهبل، والتي تقوم بنفس الشيء، وتعمل معًا على الحفاظ على صحة المهبل. كما يقوم المهبل بتنظيف نفسه ذاتيًا، ويعمل على إبقاء نفسه آمنًا وصحيًا من خلال الإفرازات التي يفرزها.
ويمتلك المهبل والفرج لدى جميع النساء، القدرة على التنظيف الذاتي من خلال إفرازات مخاطية، يختلف قدرها ومظهرها خلال الدورة الشهرية. وتكون فعالة في الغالب بشكلٍ كبير، باستثناء في حالة الإلتهاب أو العدوى، بما في ذلك الأمراض المنقولة جنسيًا، والتي يمكن أن يشار إليها من خلال التغير الذي يطرأ على لون وسُمك ورائحة تلك الإفرازات، إذ قد تصبح الرائحة قوية بفعل ممارسة الرياضة أو الجنس، فإذا ما لوحظ أي شيء مختلف، أو شعرتِ بحكة ما، فيجب مراجعة الطبيب المختص. لكنك لن تعرفين شيئًا عن قوة التنظيف الطبيعية للمهبل، نظرًا لحجم وقيمة الصناعة التي نمت كي تخبر النساء أن راحتهن ليست جيدة!
بالطبع، نحب جميعًا أن نشعر بالانتعاش والنظافة، خاصةً خلال الدورة الشهرية. لكن، عملت ما تسمى "صناعة النظافة النسائية" لعقود، كل ما بوسعها كي تزيد من مخاوفنا بأننا لسنا كذلك. فقبل سبعين عامًا مضت، بيع للنساء منتجات كوتكس التي كانت من المفترض أن تشعهرن "بالانتعاش".
لم يتغير شيء. أرني حملة فوط صحية أو سدادات قطنية لم تستخدم كلمة "منعش" وسوف أبلع قنينة خل من التي تستخدم في الدش المهبلي. في كل مرة تذكر فيها "منعش"، انظر إلى الخوف الذي تستهدفه، الخوف من أن تفوح منا رائحة كريهة خلال فترة الحيض، الخوف من أن تفوح منا رائحة كريهة بشكلٍ عام، الخوف من أن يسخر منا أو يرفضنا شركاؤنا وأزواجنا بسبب مظهر أو رائحة مهبلنا أو فرجنا. فقد كانت أغنية إعلان تالك الأطفال: "رشة في اليوم، تبعد الرائحة".
هناك سبب وجيه لكون "رائحتك كريهة" من أقوى العبارات المثيرة للغضب، لأنها من أكثر الاتهامات التي نخشاها، والتي يصعب علينا معارضتها. إذ نخشى جميعًا أن تكون راحتنا كريهة.
وبحسب الاحتمالات، فإن شكل ورائحة مهبلك وفرجك طبيعية، لأنه عندما يتعلق الأمر بالأعضاء التناسلية، فإن ما هو "طبيعي"، هو فئة كبيرة للغاية. ففي بحث يدرس شكل الأعضاء التناسلية الأنثوية، وجد باحثو مستشفى "Elizabeth Garrett Anderson" في لندن، أن "الأبعاد التناسلية تختلف بشكلٍ كبير من امرأة لأخرى"، لكن "التمثيلات الدقيقة والمفصلة للأعضاء التناسلية الأنثوية تظل نادرة، على الرغم من أن صور النساء العاريات شائعة".
تتجاوز معدلات الجراحة التجميلية للأعضاء التناسلية معدلات تشخيص الأمراض التناسلية. هناك بالفعل شيء مشوه، لكنها أفكار النساء، وليست أعضاؤهن التناسلية. ولضمان النظافة، لا يحتاج الفرج لشيء غير الماء والصابون المعتدل، وتجفيف لطيف للمنطقة دون فرك. لا يحتاج المهبل للترصيع، أو القطع اللامعة (الغليتر) الداخلية، أو علاج العلقة، وهو علاج يسوق له من قبل بعض عيادات التجميل في أوروبا الشرقية على أنه مزيل للسموم وهو ليس كذلك أبدًا.
كما أن بيض اليشم الذي تدخلينه داخل المهبل، هو بدوره فكرة رهيبة، فوفقًا لجين غونتر، أخصائي أمراض النساء، فإن "اليشم يحتوى على مسام، وهو ما قد يسمح للبكتيريا أن تدخل للداخل وبالتالي يمكن للبيض أن يعمل كأداة ناقلة للعدوى، ويمكن أن تكون عامل خطر للإصابة بداء المهبل الجرثومي، أو حتى متلازمة الصدمة التسممية القاتلة".
إن الغشاء المخاطي الذي يبطن المهبل هو أيضًا مسامي جدًا، وهو ما يجعل قدرة المهبل على امتصاص الدواء ومسببات الأمراض كبيرةً للغاية. كما أن "تبخير المهبل"، الذي تم تعميمه من قبل النجمة الهوليوودية غوينيث بالترو، التي يفترض أنها تبخر مهبلها بجرعات عشبية لتحسين صحتها الفرجية والمهبلية، ليس جيدًا لصحة مهبلك.
نفس الشيء مع الأمور الغريبة الأخرى التي تقوم بها النساء ضمن "صناعة" النظافة النسائية. فحتى محلول الخل والماء الذي يرش على المهبل هو فكرة سيئة، و"الدش المهبلي" الذي تقوم به كل امرأة من أصل خمس تتراوح أعمارهن بين 15 و44، فمنتجات الدش المهبلي التجارية يمكن أن تحتوي على مطهرات، بالإضافة إلى مواد كيميائية يحتمل أن تكون خطيرة، مثل البارابين، إلى جانب العطور غير المعروفة.
ولأن هذه منتجات تجميلية، فإن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لا تطلب من الشركات المصنعة سوى عدم احتواء منتجاتها على أي مواد "مؤذية"، ولديها ثقة، لسبب أو لآخر، لأن تمتثل لذلك، كما أنها لا تطلب أي اختبار للمنتجات قبل إصدارها في السوق. باختصار، المنتجات التي تضعينها في أماكن قريبة من أجزاء مسامية للغاية في جسدك، تخضع لتنظيم أقل صرامة من حلويات السعال. وفي بريطانيا، تصنف المنتجات التجميلية على أنها منتجات عامة، وليست طبية، لذلك، فإن الأمر يعود للشركة المصنعة أو البائع في أن يجعلها آمنة أو لا!
وأي شيء يتعرض له المهبل، قد يكون خطرًا على التوازن الدقيق للبكتيريا، خاصة إذا اشترت المرأة منتجاتٍ ما، لأنها تعتقد أن هناك شيء ما خاطئ. فقد وجد الباحثون في جامعة بيتسبيرج، أنه كلما أكثرت النساء من استخدام الدش المهبلي، زاد خطر إصابتهن بداء المهبل الجرثومي، وهو التهاب يمكن أن يسبب الحكة وزيادة الإفرازات المهبلية (وهو ما يقود النساء إلى اللجوء إلى الدش المهبلي حتى بشكلٍ أكبر). ووفقًا للاستبيان، فإن الخطر تضاعف لدى المشاركات اللاتي قمن باستخدام الدش المهبلي مرة في الأسبوع.
وقد ارتبط الدش المهبلي بمعدلات أكبر لداء المهبل الجرثومي، والولادات المبكرة وسرطان عنق الرحم. وقد وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على 40 ألف امرأة في بورتوريكو والولايات المتحدة، أن الدش المهبلي ضاعف من خطر الإصابة بسرطان المبيض. كانت هناك تحذيرات، كما أشارت إحدى مقالات موقع "NHS"، إلى أنه تمت متابعة النساء اللواتي لم يصبن بالسرطان، على مدى ستة أعوام ونصف، لمعرفة ما إذا كن قد أصبن بالسرطان، أو لجأن للدش المهبلي. وقد أصيبت 40 امرأة ممن أفدن بأنهن قمن بالدش المهبلي، بالسرطان.
وتقول فانيسا ماكاي، المتحدثة باسم الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد،إن "فكرة أن المهبل يحتاج إلى تنظيف شامل بصابون معطر أو منتجات نظافة نسائية، مجرد خرافة"، مؤكدة: "من المستحسن تجنب الصابون المعطر، والمواد الهلامية والمطهرات، لأنها يمكن أن تؤثر على التوازن الصحي للبكتيريا ومستويات عامل الحموضة في المهبل وتسبب التهيج. كما تُنصح النساء باستخدام صابون عادي غير معطر لغسل المنطقة المحيطة بالمهبل (الفرج)، وليس داخلها بلطف كل يوم. خلال الدورة الشهرية، قد يكون الاغتسال أكثر من مرة يوميًا مفيدًا".
أتساءل عما إذا كانت مثل هذه التصريحات ضرورية، إذا كان الحديث عن الفرج كما الحديث عن الجنس ليس بالشيء السهل. فإذا ناقشنا مخاوفنا المرتبطة بالفرج والمهبل، مع الأطباء العامين أو المهنيين الصحيين، ومع شركائنا، ببساطة كما نفعل عندما نسعى لطلب المساعدة للتخلص من صداع الرأس، فإن مستحضرات تنظيف المنطقة الحساسة، والبخاخات، والدش المهبلي، والمناديل الرطبة، جميع هذه المنتجات التي تتعامل مع مخاوفنا وحرجنا بطريقة غير لائقة، سوف تختفي.
لو كنا أكثر انفتاحًا على الحديث عن المشاكل المهبلية، لتحسنت صحة وثقة المرأة بشكل كبير، حتى وإن كانت رائحة مناطقها الحساسة عطرة بشكل أقل
"لو أن الطبيعة أرادت أو هدفت إلى أن تكون رائحة المهبل كرائحة الأزهار والخزامى، لجعلتها كذلك"، يقول روني لامونت، المتحدث باسم الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد في حوارٍ له مع موقع "NHS". لو أننا كنا أكثر انفتاحًا على الحديث عن المشاكل المهبلية، لتحسنت صحة وثقة المرأة بشكلٍ كبير، حتى وإن كانت رائحتنا عطرة بشكلٍ أقل.
اقرأ/ي أيضًا: