دخلت زينب عالم الرياضة، في سن الثالثة عشر، من باب الصدفة البحتة. كانت تلعب مع أخيها في بيت مهجور ووجدوا حلقة حديدية. ومن هناك بدأ شغفها بكرة السلة. أصبحت هذه الحلقة تستخدم لتسديد الطابات بعد أن علقتها على إحدى نوافذ المنزل. وفي ذلك الوقت كانت مباريات الرياضي والحكمة هي صيحة الموسم في لبنان. زاد حماسها للعب، لعب كرة السلّة على وجه الخصوص.
تعاني الفتيات صعوبة حقيقية في امتهان الرياضة في لبنان، فكيف إن كانت فتاة وفلسطينية
بقي شغف زينب بكرة السلّة سنينًا طويلة هواية لا أكثر. لم تجد من يدرّبها أو من يهتم بهوايتها وموهبتها، مع أنها وبشهادة الكثيرين، لديها مهارات عالية. اشتغلت زينب على موهبتها وصقلت مهاراتها بنفسها. ففي المدرسة لا توجد دورات كرة سلة ولا أية كرة أخرى خاصة بالبنات. تقولها بحسرة "لو كنت صبيًّا للعبت على الأقل في فريق المدرسة أو الجامعة" لكن بالطّبع هذا لم يكن متاحًاّ. تتساءل زينب لمَ لا يوجد حتى فرق مختلطة في المدارس. فعلى الأقل لا تحرم القتيات من شغفهن الرياضي. وإذا ما سألت عن السبب، يكون الجواب بأنه ليس هناك لاعبات. وهذا غير حقيقي ،لأنّ أحدًا لم يتكلف عناء العمل عن الموضوع من الأساس والتفكير في هوايات رياضية للفتيات، بعيدًا عن الخياطة والطبخ وصفوف التّدبير المنزلي عمومًا الّتي تخصص المدارس إجمالًا صفوفًا كاملة لها. فزينب، مثلًا، خلال دراستها الجامعية، تمكّنت مع مجموعة من الفتيات (فتاة من كل كلّية) من تشكيل فريق كرة سلّة، إلّا أن المدرب لم يستطع الحصول على أي تمويل، فقط لأنّهنّ فتيات.
تقول زينب بأنها أدركت ولأول مرة بأنها لاعبة جيّدة عندما رآها جارها، وهو مدرّب رياضي قديم. وقد أخبر هذا المدرب رفيقتها بأنها "لاعبة بحجم فريق". تتذكّر زينب تلك الجملة بغبطة عارمة. فعندما أصبحت في المرحلة الثانوية، شاركت زينب بمباراة ودية مع نادي "الفدا صيدا" وهو نادي احترافي درجة ثالثة. وعندما رآها المدرب طلب منها الانضمام إلى فريقه. بحسب زينب، كان هناك مستويان: مستوى للمبتدئين الصغار أي من هم بعمرها، ومستوى متقدّم. وكان حلم جميع البنات، آنذاك في مستوى "المبتدئين" أن يلعبن في المرحلة المتقدمة. ولكن زينب لم تحتج أن تتمنّى أمرا كذاك حتّى. فقد طلب منها المدرب أن تلعب معهم في المرحلة المتقدمة، بعد أوّل تمرين. علم النّادي، فيما بعد، بأنّها فلسطينية. بالتّالي لا يمكنها توقيع عقد معهم. فقد كان هذا الفريق وقتها فريقا من الدرجة الثالثة. وعليه لا يحق للنادي التوقيع مع زينب لأنها ليست لبنانية.
ميادين الكرة في هذه البلاد لا تنصف الأنثى ولا تنصف الأجنبي. والفلسطيني في لبنان هو أجنبي. زينب، ولأنّها فلسطينية، لم تستطع يومًا أن تلعب باسمها. زينب ولأنّها فتاة لم تستطع يومًا أن تلعب بشكل احترافي. فبالرغم من ندرة الفرص التي أتاحت لها اللعب مع نادٍ احترافي، فهي لم تستطع التوقيع معهم بشكل رسمي لأنها لا تحمل الجنسية اللبنانية. وهنا تعود زينب وتستذكر بأنها لو كانت صبيًا لربما استطاعت أن تلعب في نادٍ احترافي حقيقي. "لربّما لو كنت صبيًّا، كنت مكان إسماعيل أحمد فهو أجنبي حصل على الجنسية فقط لكي يلعب". يُسمح لفرق الدرجة الأولى التوقيع مع أجنبي. لكن "لنكن واقعيين بما أن الفريق يحق له بثلاثة لاعبين أجانب فسوف يفضل الإتيان بأجنبي من الخارج عوضًا عن التوقيع مع فلسطيني من لبنان". تضيف زينب بأن اتحاد كرة السلة في لبنان يعمل على أمر آخر، وهو تجنيس الّلاعبين، فحتى الآن، تمّ تجنيس اللاعبين إسماعيل أحمد وفوغل. ولكن في الفرق النسائية هذا غير وارد. لا يحق للفرق النسائية التوقيع مع أجانب. إلّأ أنّ وبحسب زينب، على ما يبدو بأن اتحاد كرة السلة يعيد النظر بهذا الموضوع، لجهة السماح للنوادي النسائية بالتوقيع مع أجانب.
اقرأ/ي أيضًا: كرة القدم النسائية في لبنان.. أحوالها ومستقبلها
وقعت زينب لأول مرّة عقدًا مع فريق درجة أولى مع نادي "البيليفرز" أو أبناء الكنيسة، كما سمّتهم زينب. وقّعت لكن باسم آخر، لبناني طبعًا. وهذا التوقيع لم يترتّب عليه أية فائدة ماديّة. فالفائدة الوحيدة هي اللعب، وهذه الفائدة كانت كافية بالنسبة لزينب الّتي احتسبتها تعويضًا عن كل السنين التي لم تتح لها فيها فرصة اللعب مع فريق درجة أولى. ومع أنّ الفريق مسجّل في الدرجة الاولى إلّا أنّه كان دون المستوى. إذ أصيبت معظم الفتيات ولم يكن هناك من تأمين صحّي. وبسبب الإصابات المتكررة وغياب الاهتمام تراجع الفريق إلى الدرجة الثانية. فانسحبت زينب.
كانت زينب قد حصلت على فرصة ذهبيّة في السابق، للّعب مع نادي الأنترنيك. وهو نادٍ عريق في كرة السلّة، لكن ما منعها في ذلك الوقت من انتهاز الفرصة هو بعد مكان التدريب وتوقيته المسائي إذ استحال عليها كفتاة في هذا المجتمع، لم تكن تمتلك سيّارة في ذلك الوقت، أن تعود في وقت متأخّر جدًا من مكان بعيد جدًا عن صيدا؟ "لو كنت صبيًّا لفعلتها"، تقول.
لم يعد حلم زينب اللعب. حلمها الآن هو التدريب. عملت زينب في تدريب كرة السلة للفتيات الصغيرات. وبدأت عملها التدريبي مع جمعية "بايسز"، الممولة من رجال أعمال فلسطينيين. هدف هذه الجمعية، إيجاد بديل للأطفال الفلسطينين عن الشارع. فهذه الجمعية تقوم بتمويل نشاطات كروية: كرة قدم، كرة سلّة،... رشّحها أحد الأصدقاء للتدريب في هذه الجمعية التي كانت تنفذ نشاطاتها من خلال جمعية محلية ذات طابع ديني.
بدأت زينب بتدريب الفريق الّذي تكوّن بغالبيته من فتيات صغيرات من فلسطين تتراوح أعمارهنّ بين 8-12 سنة. دربتهم كرة السلة من ألفها. لم يكن هناك فريق في الأساس. ولكن أتت فكرة فريق كرة سلّة للإناث، كون "بايسز" لا تموّل أي نشاط رياضي، إلّا إذا ما كان هناك فريق صبيان وفريق بنات. وهذا أمرُ جميل ويحتسب لهذه الجمعية طبعًا. وبمَا أنّه لم يكن واردًا إنشاء فريق كرة قدم للإناث، كان البديل فريق كرة سلة. بدأت زينب "الكوتشينغ" من الصفر. فالفتيات بطبيعة الحال، لم يكنّ على دراية بماهيّة الطّابة لدرجة أنّ زينب تستذكر بابتسامة كيف كانت الفتيات كلّما نجحن بتسديد طابة، كنّ يقلن "غووول" لهذه الدرجة كنّ جاهلات بكرة السلّة، الجديدة تماما عليهنّ.
تقول زينب بأنّ ما ساعدها على التدريب والتميّز في هذا المجال، هو كونها درّبت نفسها بنفسها منذ البداية. فهي تعرف بالضّبط صعوبة كل خطوة وكل مرحلة من مراحل التدرّب وتحسين الأداء. وعليه هي تعلم بالضّبط ما يحتاج إليه المتدرّب وتعلم كيف توجّهه. فبعد مرور ثلاثة أشهر، شارك فريق زينب مع فرق كان لها أكثر من سنة، لكن لاعبات الفريق الذي دربته كنّ مميزات جدا. ومع الوقت وبعد مرور موسم ونصف أي ما يعادل السنة وبضعة أشهر، تحسّن أداء الفتيات بشكل ملحوظ وعليه، وترشّحت خمس فتيات للمشاركة في مباريات خارج لبنان.
إلّا أن الأمور لم تجر كما يجب. فالجمعيّة الدينية التي كانت مسؤولة عن هذا النشاط الرياضي، ارتأت أن الفتيات كبرن ولا يجوز لهنّ "النطنطة" بعد الآن على حدّ تعبيرهم. تمكّنت زينب من إقناع "البايسز" بالتعاقد معها بشكل فردي بعيدًا عن الجمعيات، ووافقوا أن يقوموا بهذا الاستثناء لأجلها. شرط أن تؤمّن ملعبًا مجّانيًّا. فالجمعية تؤمّن الأحذية، اللّباس الموحد، الطابات وتقوم بترتيب مخيمّات تدريبية من وقت لآخر وتؤمّن مشاركة اللّاعبات في مباريات خارجيّة. بقي على زينب تأمين الملعب. الأمر الّذي بات حملًا على زينب لصعوبة إقناع أي جهة باستخدام النادي دون مقابل. لذلك تواصلت مع الأونروا من أجل تأمين ملعب داخل مخيم عين الحلوة، كون غالبية البنات يسكنَّ في المخيّم. لم تبدِ الأونروا اهتمامًا كبيرًا ومنذ ثلاثة أشهر وحتى الآن زينب بانتظار الرّد.
البنات محرومات من التدريب الآن. مطلبها الوحيد هو إيجاد ملعب.
تعشق زينب كرة السلة فهي أولويّة بحياتها. لذلك هي أدرى النّاس بتعلّق أولئك الفتيات باللعبة، والأذى النّفسي الّذي لحق بهنّ بعد إيقافهن عن التدرّب. وهي على استعداد لتدريبهن حتّى لو "ببلاش". وهذا ما تفعله أصلًا منذ ثلاثة أشهر مع فريق مخيم شاتيلا للفتيات في بيروت، فهي تتكبّد عناء الطريق من صور إلى بيروت، أسبوعيًّا، لتدريب الفريق الّذي هو بحاجة إليها، بسبب خبرتها في التدريب ولكونها على استعداد لمشاركة خبرتها بلا أي مقابل. تقول زينب إنه لو كان الفريق لبنانيًّا، "عالأرجح ما كنت بقبل دربو ببلاش" لكن أولئك الفتيات اللواتي بغالبيتهن من المخيمات، وضعهن مختلف وقد استحقّين تدريبها بلا مقابل. فما تشعره زينب وهي تمارس هذه الرياضة لا يضاهيه شعور آخر. تعقّب قائلة "قد أكون مريضة، وحرارتي أربعين، وإن طلب مني أحد لعب كرة السلّة. لن يمنعني شيء، وسألعب بكل سرور وعزم".
من المؤكّد أنّ النظرة الرياضيّة للفتاة فيها الكثير من الإجحاف والاستخفاف. فمثلًا: مباريات الرجال تعرض على التلفزيون في حين أن مباريات الإناث لا تحظى بأي تغطية إعلامية. هناك مردود مادّي للّاعبين مقابل اللعب، في حين أن اللاعبات يلعبن دون أي مقابل مادّي. النّوادي تشتري الّلاعبين، ولكن لا تشتري اللاعبات. ففي لبنان، لا يوجد دعم للأندية النسائية بشكل عام. هناك فقط، ثمانية فرق من الدرجة الأولى وهو عدد قليل جدًّا مقارنة مع فرق الرجال. في كل نادٍ هناك فريق كرة سلة رجال، لكن ليس هناك من فريق نسائي في كل نادٍ. القصة قصة "ماركت".
تعاني الفتيات صعوبة حقيقية في امتهان الرياضة في هذا البلد، فكيف إن كانت فتاة وفلسطينية. فلا أمل بأي احتراف. ومع الوقت تذبل الأحلام حتّى تضمحل في هذه البلاد التعيسة.
اقرأ/ي أيضًا: أم خليل القصّابة.. تتحدث عن "مهن القسوة"