لاوتزو هو أحد حكماء الصين القدامى، الذين أثروا بشكل كبير في الثقافة الصينية على مدار التاريخ، يُعتقد بأنه عاش في فترة ما بين القرن الرابع والسادس قبل الميلاد، وعلى يده بدأت الديانة أو الفلسفة الطاوية، وهو مؤلف كتابها المقدس.
حياة لاوتزو
على الرغم من حضوره المركزي في الثقافة الصينية إلى اليوم، إلا أنه مع ذلك، لا يزال شخصية مشكوك فيها تاريخيًا بين المتخصصين، من مثل بورتن واتسون، الذي يقول إن "تاو تي تشينغ" (الكتاب المقدس عند الطاوية) كان فقط "تجميعًا لأقوال بأيادي كثيرة من الطاويين".
جاءت الطاوية جنبًا إلى جنب مع الكونفوشيوسية كاستجابتين لظروف الحياة الاجتماعية والسياسية والفلسفية في الصين قبل 25 قرنًا
كل ما يُعرف حاليًا عن حياة لاوتزو هو مستقى أساسًا من سيرة ذاتية له، كتبها سيما تشيان في القرن الأول قبل الميلاد، أي بعد وفاة الرجل الحكيم بثلاثة قرون على الأقل، ولم يذكر معلومات دقيقة عنه.
اقرأ/ي أيضًا: التراث الصوفي وتجديد الخطاب الديني
وفقًا للأسطورة، كان اسم لاو تزو الحقيقي هو لاو دان، وكان يعمل حارسًا للمحفوظات في البلاط الإمبراطوري، وهذا سمح له بالوصول إلى الأعمال الكلاسيكية في ذلك الوقت، مما جعله متعلمًا، لم يفتتح مدرسة رسمية كما فعل أرسطو وعدد من الفلاسفة القدماء، لكنه جذب عددًا كبيرًا من الطلاب والتلاميذ المخلصين.
يحكي كاتب سيرته سيمان تشيان، عندما كان لاوتزو في الثمانين من عمره، انطلق إلى الحدود الغربية للصين، نحو ما يسمى الآن بإقليم التبت، بعد أن شعر بخيبة أمل من الانحطاط الأخلاقي للحياة في تشنغتشو، وعدم اتباع رجالها الطريق الفطري المؤدي إلى الخير. وهناك على الحدود طلب أحد الحراس من لاو تزو تسجيل تعاليمه قبل مغادرته من أجل مصلحة البلاد، فألّف "تاو تي تشينغ" (طريق القوة).
ومهما كانت الحقيقة، ما إذا كان لاوتزو شخصية حقيقية بالفعل أم أنها مجرد شخصية أسطورية نسجتها أياد عدة، فهو يمثل قديس الديانة الطاوية، وعُبِد أحيانًا كإله في الأوساط الشعبية، كما سعى أباطرة سلالتي الهان والتانغ، المتواليتين على حكم الصين منذ 2500 عام، إلى ادعاء الانتساب إليه واستعمال فلسفته في الحكم.
الفلسفة الطاوية
جاءت الطاوية جنبًا إلى جنب مع الكونفوشيوسية كاستجابتين لظروف الحياة الاجتماعية والسياسية والفلسفية في الصين قبل 25 قرنًا من الآن. ففي حين كانت الكونفوشيوسية تهتم بشكل كبير بالعلاقات الاجتماعية والسلوك والمجتمع الإنساني، كانت الطاوية تهتم بالشخصية الفردية والزهد والتصوف، متأثرة إلى حد كبير بالطبيعة.
في رأي لاو تزو، الكثير من الأمور التي تحدث حولنا هي "غير طبيعية"، حيث يعتبر كل من الرغبات والأذواق والأسماء والصفات التي تميز بين الخير والشر، والقبح والجمال، والعلو والدنو، هي أشياء مُختلَقة. وبالتالي ينبغي التخلي عن كل ذلك ونهج السلوك العفوي الطبيعي.
يَصطلح على هذه العملية "وُو وي" (wu-wei)، التي تحيل ترجمتها إلى "عدم فعل أي شيء" أو "التصرف التلقائي". وهذا هو الطريق للوصول إلى نقاء العقل والهدوء الداخلي بحسب لاوتزو. إذ وفقه يجب على المرء أن يسعى إلى عدم القيام بأي شيء، ولكن ماذا يعني هذا؟ هذا يعني عدم فعل أي شيء بإصرار مسبق، إنه يدعو إلى اتباع القوى الطبيعية والعفوية.
يحث الحكيم الصيني القديم على التأمل في العالم الطبيعي الرائع، وفي نظره فإن الإنسان وأنشطته هي التي شكلت آفة على النظام الأمثل لعمل الأمور، ولذلك كان ينصح الناس بالابتعاد عن حماقة الأشياء الإنسانية والعودة إلى النبع الطبيعي. وفي هذا يذكر "الألوان الخمسة تعمي العين، والنغمات الخمسة تصم الأذن، والنكهات الخمسة تتعب الذوق، والأشياء الثمينة تقود إلى الضلالة، إنه سباق لصيد جنون العقل، لذلك يسترشد الحكيم بما يشعر به وليس بما يراه".
كان ملوك سلالات الصين يعتمدون على سلطة فلسفات الحكماء غير الكونفوشيوسيين لإخضاع الناس
بهذا المعنى، يمكن فهم عقيدة الطاوية كرؤية للحياة تتعمد على التأمل الانفرادي للطبيعة ورفض الحياة المجتمعية، فمن خلال "عدم فعل شيء" يمكن للمرء "إنجاز كل شيء"، كما يعتقد لاوتزو.
اقرأ/ي أيضًا: الإسلام في الصين
كان ملوك سلالات الصين يعتمدون على سلطة فلسفات الحكماء غير الكونفوشيوسيين لإخضاع الناس، وكانت ديانة لاوتزو أحدها، بغرض إبعاد الناس على أمور السياسة والحكم. بينما سعت في نفس الوقت حركات شعبية ثائرة في ذاك الوقت إلى اتخاذ تعاليم لاوتزو دليلا لقوة الضعفاء في مواجهة الاستبداد.
اقرأ/ي أيضًا: