30-سبتمبر-2024
يبيت الكثير من النازحين اللبنانيين في العراء (العربي الجديد)

يبيت الكثير من النازحين اللبنانيين في العراء (العربي الجديد)

أدى العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان إلى تشريد آلاف العوائل من سكان المدن والقرى الجنوبية. فقد أجبروا على ترك منازلهم هربًا من القصف العشوائي لطائرات الاحتلال، نحو مناطق أكثر أمنًا، لكن غياب المساعدة والدعم وعدم القدرة على استيعاب العدد الكبير من النازحين في مراكز وأماكن الإيواء، بالإضافة لارتفاع أجار البيوت، دفع العديد من العائلات إلى افتراش العراء والمبيت في الشارع.

هذا ما حصل مع النازح عمر مصطفى، من بلدة زفتا في قضاء النبطية، الذي لم يجد مكانًا أمنًا يؤويه في بلدته مع اشتداد القصف، اضطر إلى النزوح رفقة عائلته سيرًا على الأقدام، قبل أن يجد لاحقًا من يقلهم إلى مدينة صيدا، حيث يتواجد حاليًا مع زوجته وأولاده الأربعة، بينما لا يملكون سوى الملابس التي كانوا يرتدونها، وليس بحوزتهم طعام أو مياه.

النازح عمر مصطفى، من بلدة زفتا في قضاء النبطية، الذي لم يجد مكانًا أمنًا يؤويه في بلدته مع اشتداد القصف، فاضطر إلى النزوح رفقة عائلته سيرًا على الأقدام

يتحدث مصطفى لـصحيفة "العربي الجديد"، عن ظروف إقامته في المدينة، ويقول: "عندما وصلنا إلى صيدا، توجهت إلى البلدية، وسجلت اسمي في لوائح مخصصة لمن ينتظرون الدعم والمساعدات والإيواء"، وأضاف: "أخبرونا أنه ليس هناك مكان، وأن المدارس امتلأت بالنازحين، ولم تعد لديها قدرة على استيعاب المزيد، وأخذوا رقم هاتفي، وما زلنا ننتظر أن يتصلوا".

وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها مصطفى وعائلته، يتساءل ماذا يمكن أن يفعله؟ أو إلى أين سيذهب مع زوجته وأولاده؟ يقول إنهم توجهوا إلى جامع الزعتري في المدينة كغيرهم من النازحين، لكن بعد أن ارتفعت الأعداد في المسجد، طلب منهم المسؤولون الخروج.

"كان الوقت ليلًا، فلم نجد أمامنا سوى الذهاب إلى الكورنيش البحري، وهناك نمنا ليلتين في العراء، بلا طعام ولا ماء ولا أغطية. في اليوم الثالث، علمنا أن عددًا من السوريين ينامون في موقف للسيارات، فتوجهنا إليه، لنجد أنفسنا مرة ثانية في العراء، ثم منحتنا امرأة تسكن في المبنى المقابل حصيرة وأغطية"، هكذا يصف مصطفى الأيام الثلاثة التي قضاها في العراء.

ويضيف: "يشعر الأولاد ليلًا بالبرد، فالموقف نصفه مسقوف، ولا نعلم ماذا سنفعل إن طالت أيام الحرب، أو إن بدأ هطول الأمطار. ليس في موقف السيارات حمامات، تذهب زوجتي إلى مكان بعيد لتقضي حاجتها، أما أنا والأولاد فنقصد ركنًا من الشارع لهذا الغرض". ويتابع: "نشعر بالإهانة، فليس لدينا مكان نذهب إليه، ولا أملك مالًا لاستئجار بيت، ولا سيارة تقلني إلى بيروت، فأنا عامل في محل لبيع المفروشات، وكنت أسكن بيتًا بالإيجار، ولولا الصواريخ التي تساقطت أمام البيت ما نزحنا". يطالب مصطفى بأن تتحمل الدولة اللبنانية مسؤولياتها وتقوم بإبوائهم، فالنزوح يشعرهم بالذل. يقول: "صحيح أن البقاء في مدرسة ليس بالأمر الهين، لكنه أفضل من النوم في العراء. منذ ثلاثة أيام ونحن على هذه الحال".

عائلات نازحو في صيدا

قصة مصطفى لا تختلف كثيرًا عن قصص العديد من النازحين. فحميد العلي، النازح من بلدة المصيلح في قضاء النبطية، ربما وضعه أصعب كون لديه طفل رضيع يبلغ من العمر أربعة أشهر. استهدفت الصواريخ الإسرائيلية المنطقة التي يقيم فيها. دُمر المبنى القريب من منزله، فشعرت زوجته وأولاده بالرعب، ولم يكن أمامه سوى أن ينزح من بيته رفقة زوجته وأطفاله الثلاثة، أكبرهم يبلغ من العمر سبعة أعوام.

يقول العلي: "وصلنا إلى مدينة صيدا سيرًا على الأقدام، لم يكن معي مال كافٍ أدفعه لاستئجار سيارة، وبعد وصولنا توجهنا إلى بلدية صيدا، وهناك أبلغنا العاملون على استقبال النازحين بأن المدارس قد امتلأت، ولا توجد أمكنة فارغة، ثم سجلوا بياناتنا ورقم الهاتف، وأبلغونا أنهم سوف يتصلون بنا في حال وجدوا مكانًا شاغرًا. لكني لا أعتقد أن هذا سيحدث، فمن الذي سيترك مكانًا يؤويه ويقيه الذل الذي نعيشه أنا وأولادي"، ويضيف: "عندها لم يكن أمامنا سوى أن نتوجه إلى كورنيش صيدا البحري، وقد بتنا ليلتين هناك، وعندما علمنا أن بعض النازحين السوريين ينامون في موقف للسيارات، فتوجهنا إليه".

ينام حميد مع أفراد أسرته في العراء، وليس معه مال لشراء الحليب لطفله ولا الحفاضات، ولم يكن أمامه إلا أن يقص قطعة من قماش كي تكون حفاضًا للرضيع. يصف العلي الوضع الذي يعيشه، ويقول: "في الليل يشعر الأولاد بالبرد، ولا يُعرف متى ستنتهي الحرب، والخوف من أن تطول يشغلهم، فلو دخل فصل الشتاء، وبدأ هطول الأمطار، عندها ستقع مصيبة كبرى".

رغم كبرها في السن وإصابتها بالسكري، غادرت الستينية أم علي، بلدتها زفتا الجنوبية متحاملة عن نفسها، لكنها لم تعد تقوى على تحمل ظروف النزوح التي لم ترحمها. تقول: "عندما استهدفوا مبنى بالقرب من بيتي، قررت النزوح مع أولادي إلى مدينة صيدا، وهناك توجهنا إلى مقر البلدية، وسجلنا الأسماء، وحاولنا الحصول على غرفة في إحدى المدارس، لكن المحاولة باءت بالفشل".
خرجت أم علي من المدرسة باكية، وهي التي لم تعتد يومًا على الإهانة، وتتحدث عن شعورها بالإهانة وخيبة الأمل. فهي مريضة بالسكري وتحتاج إلى الدواء والراحة. احتارت وأولادها في أمرهم، وأين يمكن أن يذهبوا؟ فما كان بهم إلا أن ذهبوا إلى منطقة الملعب البلدي عند المدخل الجنوبي لصيدا، حيث يوجد عدد كبير من النازحين السوريين.

هم متواجدون منذ ثلاثة أيام، وفي كل مساء، يحضر شباب متطوعون، ويقدمون لهم سندويتش لبنة، وسوى ذلك لا أحد يكترث لأمرهم. تصف أم علي وضعها لـ"العربي الجديد"، قائلةً: "أنا مريضة وأحتاج إلى عناية خاصة، ولا نعلم إلى متى سيستمر هذا الحال".

أما الشاب أحمد الحسين، البالغ من العمر 19 عامًا، فنزح إلى منطقة الحوش بمدينة صور الجنوبية، ولم يكن يتوقع أن يترك بيت عائلته ويذهب إلى مكان مجهول لا يعرفه. في بداية العدوان على لبنان لم تفكر عائلة أحمد في ترك المنزل، لكن عندما اشتد القصف على مناطق الجنوب، ووصل القصف إلى مكان قريب من سكنهم، قرروا المغادرة.

يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "في البداية كنا نرفض الخروج من البيت، فقد كان القصف بعيدًا نوعًا ما، لكن عندما اشتد القصف، واقترب، ارتدينا ملابسنا وخرجنا سريعًا من البيت. كانت أمي في بلدة البازورية، فتوجهنا إلى هناك لإحضارها، وقطعنا الطريق إلى البازورية في ثلاث ساعات بسبب القصف الذي دمر الطريق"، وأضاف: "منعنا عناصر الجيش اللبناني من المرور في الطريق الساحلي بسبب القصف، فتوجهنا إلى البازورية عن طريق البرج الشمالي، وفي الطريق تعرضنا لغارة إسرائيلية. أحضرنا أمي وسط مخاوف من أن تطاولنا الضربات، ثم توجهنا نحو مدينة صيدا".

ينام حميد مع أفراد أسرته في العراء، وليس معه مال لشراء الحليب لطفله ولا الحفاضات، ولم يكن أمامه إلا أن يقص قطعة من قماش كي تكون حفاضًا للرضيع

ويتابع: "لم يكن تنقلنا هينًا، فقد واجهتنا مصاعب عديدة، فجدي لأمي الذي نزح معنا يبلغ عمره 85 عامًا، وهو مصاب بالسكري، ويحتاج إلى دخول الحمام بشكل متكرر، وكنا نتوقف مرات عدة لهذا السبب. كما كان معنا أطفال ونساء، وعانينا جميعًا العطش والجوع والتعب. وصلنا إلى صيدا عند منتصف الليل، وتوجهنا إلى الكورنيش البحري، وبقينا هناك حتى الصباح نبحث عن مكان لننام فيه، ولم نجده".

في الصباح، ذهب بعض أفراد عائلة أحمد إلى بلدية صيدا بحثًا عن مكان للإيواء، فلم يجدوا، وعندها بدأت رحلة البحث عن بيت. حاولوا استئجار منزل، لكن الإيجارات تضاعفت، فالبيت الذي كان إيجاره 200 دولار أصبح 600 دولار.

يشير أحمد إلى أن لديهم معارف في مدينة صيدا، وقد وافقوا على استضافة جده ووالدته ووالده وأخته، أما هو وخاله فباتوا في حافلة. وفي اليوم الموالي استطاع خاله إيواء زوجته عند ابنة خالتها. ولا يزال هو وخاله ينامون في الحافلة. يقول: "لا نعرف إلى متى سيستمر هذا الكابوس الذي نعيشه. أطفال أختي وأخي في حاجة إلى الحليب، والحفاضات، والملابس، ونحن في حاجة إلى الاستحمام، والطعام، ونعيش أيامًا غاية في الصعوبة".