نصف الأجسام ونرسمها ونصورها. في غالب الأحيان تكون أجسام النساء هي الأكثر إثرة في موضوع التصوير والوصف. لم يصف لنا الشعر أجسام رجال، قيل في بعضهم إنهم ضخام الجسوم شديدو البأس، لكن وصف أجسامهم كان دومًا متعذرًا. إذ ما الذي تريد ثقافة أبوية أن تصفه في أجسام الرجال؟ هؤلاء، بموجب هذه الثقافة، أصحاب أجسام تترك أثرها في الآخرين لكنها لا توصف بوصفها مشتهاة. جسم المرأة على العكس كان دائمًا باعثًا على الوصف والتشبيب والمديح. ولم يشذ شعراء وكتّاب العصر الحديث عن هذه العادة. لقد فرض على المرأة أن تخرج إلى الفضاء العام بجسم يتحدث. وحيث إن الجسم الصحيح، غير المعتل بعلة تقعده أو تثنيه، هو الجسم الذي يعيش في صمت أعضائه. فإن الجسم المستعد للإغواء هو جسم صاخب ويريد إعلان خطاب الغواية بوصف هذا الإعلان يهمل في طياته، وظائف أخرى لهذا الجسم تخص صاحبته تحديدًا.
لم يصف لنا الشعر أجسام رجال، قيل في بعضهم إنهم ضخام الجسوم شديدو البأس، لكن وصف أجسامهم كان دومًا متعذرًا. إذ ما الذي تريد ثقافة أبوية أن تصفه في أجسام الرجال؟
كل ألم هو لغة، لغة تسرق من الجسم حياده، وتعلن أنه جاهز لأداء وظيفة محددة أو تغييب وظائف أخرى. وعليه يكون جسم المرأة ناطقًا حين تجد نفسها مدفوعة لارتداء حذاء بكعب عال، يقسر جسمها باختبار الألم على الخروج عن طبيعته الصامتة. وإظهار ما يعتبره الرجال فتنتها، التي تصبح بالألم فتنة ناطقة.
الثقافة الأبوية بهذا المعنى هي ثقافة من لا يملكون وقتًا للتعرّف والاختبار والمعايشة. تريد أن يكون الطبق جاهزًا للتناول. لهذا تفرض على المرأة أن تغيّب جسمها الخاص وتظهر ما يراه الرجل كافيًا لاستثارة رغبته أو حاجته على حد سواء. هذه الثقافة تريد المرأة جاهزة للتواصل في الشارع والسرير والمقهى والمرقص على حد سواء. ولا تسمح لها أبدًا أن تنسى خطاب هذا الجسم أو تغفل عنه. هكذا وصفت القصائد المرأة، بوصفها ليست ما هي عليه، فهي تشبه القمر والشمس، وحين تسير تتقدم الأشجار لتظلل طريقها، والحصى يتثاءب حين يلامس أقدامها، وهي في الرسم بضعة خطوط لا يعيق استداراتها شيئًا ولا تجور على جلدها النقي الأيام والسنين.
جسم المرأة في اللغة التي أنشأتها الثقافة السائدة، يستطيع أن يحقق متعة الرجل من دون شك. لأن الثقافة السائدة تفترض أن علاقة الرجل بجسمها أشبه ما تكون بعلاقته بآلة يعرف أنها ستؤدي مهمتها على أكمل وجه. وأنها ككل آلة تشيخ وتتعب وتصبح غير قادرة على أداء وظيفتها. وهذا مما تظهر آثاره على جسمها بوضوح. وفي هذا التطلب ما يشي بأن الثقافة الأبوية تريد من كل النساء أن يكنّ باعثات فتنة من النظر، وتريد من كل الرجال أن يوقنوا أن حاجاتهم ومتعهم يمكن أن تتحقق مع أي امرأة، ما دامت تملك الشروط الجسمانية اللازمة لتحقيق هذه المتعة.
العصر الحديث الذي حفل بتغيرات كثيرة على صعيد التواصل بين الرجال والنساء لم يشهد تغييرات تذكر على علاقة المرأة بجسمها وعلاقة الرجل بجسم المرأة. في بعض الأحيان نحت بعض النساء إلى التعامل مع جسم الرجل على النحو الذي يتعامل معه الرجال مع أجسام النساء. لكن هذا النحو لم يعمم من جهة أولى، ولم يقلل من حدة الهوس بتشييئ المرأة وحصرها بوظيفة جسدية موضوعة أساسًا لخدمة الكسل الذكوري وضيق وقته، من جهة ثانية.
مع ذلك فإن العلاقات المعاصرة بين الجنسين بدأت تنحو إلى أن تكون أكثر تعقيدًا. لم يعد تحقيق المتعة متحصلًا في كل مرة على النحو الذي كانه من قبل. المتعة اليوم تشترط أن يتشارك فيها الشريكان. وهي بهذا المعنى تشترط على الشريكين، لتحققها، معرفة عميقة بجسد الآخر.
والحال، فإن هذه المتعة باتت اليوم تتحقق مع شريك بعينه، وليس مع أي شريك. لكن جسم المرأة ما زال يُعامل، وبرضى النساء في معظم الأحيان، بوصفه آلة وعليها أن تدمن على صيانتها لتبقى على الوجه الذي يمكّنها من إثارة الرغبة عند الرجال، كل الرجال.