صورة عامة
يقول مصطفى مراد الدباغ في موسوعة "بلادنا فلسطين": "تقع غزة على حافة الأراضي الخصبة، العذبة المياه التي تأتي مباشرة بعد برية سيناء، وعليه فهي المحطة الطبيعية لكل من الآتين من مصر ووجهتهم الشام، كما وأنها المحطة الأخيرة لكل قادم من الشام ووجهته مصر، مما جعلها مجمعًا للقوافل التجارية وغيرها قبل دخول البادية" (1).
أطلق عليها الفرس اسم "هازاتو"، فيما سمّاها العبرانيون بـ"عزة" الذي يعني القوية أو الحصينة.
ورد ذكر غزة مرات عديدة في التوراة، وبشكل عنيف وقاس، لأنها تصدت للغزوة اليهودية الأولى، ومن ذلك: "قد أتى على غزة قرع الرؤوس، وسكتت أشقلون" (سفر أرميا)، "يهلك الملك من غزة وأشقلون لا تسكن" (سفر زكريا).
وفي غزة ولدت القصة التوراتية حول البطل شمشون الجبار الذي هزمته الفتاة الغزية دليلة بالحيلة. وحين دمّر شمشون أعمدة المعبد وهو يصيح بعبارته الخالدة "عليّ وعلى أعدائي"، فإن صيحته تلك كانت ضدّ أهل غزة.
توفي في غزة هاشم بن عبد مناف، جد الرسول، الذي سنّ رحلة الشتاء والصيف، ولهذا تسمى المدينة بـ"غزة هاشم". ويحفظ ذكره "مسجد السيد هاشم"، القريب من المسجد العمري الشهير الذي يعتبر أعرق مسجد في المدينة، وقد سمي بـ"العمري" تخليدًا لذكرى فاتح غزة الخليفة عمر بن الخطاب، وفيه مكتبة ضخمة تضم عددًا كبيرًا من المخطوطات النادرة.
وفي غزة ولد الإمام الشافعي الذي كتب في الحنين إليها:
وإني لمشتاق إلى أرض غزة
وإن خانني بعد التفرق كتماني
سقى الله أرضًا لو ظفرتُ بتربها
كحلت به من شدة الشوق أجفاني
ظلت غزة تحت حكم الرومان إلى أن فتحها العرب عام 634م. ثم استولى عليها الصليبيون عام 1100م، وظلت بحوزتهم حتى تحرّرت بعد معركة حطين عام 1187م. قبل أن يحتلها الإنجليز عام 1917.
النكبة وما بعدها
دخلت غزة بعد حرب عام 1948 تحت الحكم الإداري المصري، ومنها قام الفدائيون الفلسطينيون بشن هجماتهم على "إسرائيل".
وقد أدت نكبة عام 1948 إلى تغيير جذري في التركيبة السكانية لغزة بعد ازدياد عدد السكان بنحو 300% نتيجة تدفق اللاجئين، الذي فرض العديد من الوقائع الجديدة. وغزة آخر قطعة من تراب فلسطين ظلت تحمل اسم البلد السليب بعد النكبة، إذ عُقد أول مجلس وطني فلسطيني، برئاسة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 1948 في مدرسة الفلاح، وفيه تم اعتماد العلم الفلسطيني الحالي، كما تم إنشاء حكومة عموم فلسطين كأول محاولة كيانية فلسطينية، ونالت تلك الحكومة اعتراف الجامعة العربية آنذاك.
إلى جانب ذلك، كانت الحكومة المصرية تقدم إعاشة لحوالي 60 ألف من السكان قبل النكسة، كما كانت تعلّم أبناء القطاع من غير اللاجئين، وساعدت عددًا من الطلبة في مصر وكانت تعفيهم من الأقساط الجامعية، ودفعت إعانة لكل واحد منهم قدرت بمبلغ ستة جنيهات مصرية شهريًا (2).
جربت غزة الاحتلال الإسرائيلي مرتين، الأولى عام 1956 في سياق العدوان على مصر، والثانية في 1967 في نكسة حزيران.
الاحتلال الأول للقطاع
في عام 1956، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية في سيناء، وذلك بالتحالف مع فرنسا وبريطانيا، ضمن الحرب التي عرفت عربيًا باسم "العدوان الثلاثيّ"، وكان الهدف إضعاف مصر بعد تأميم قناة السويس، والقضاء على المقاومة الفلسطينية.
وضمن هذه الحملة، احتلّ جيش الاحتلال قطاع غزّة قادمًا من رفح بعد مقاومةٍ فلسطينيّة مصرية (3)، وارتكب خلالها عدة مجازر بينها مجزرتي خان يونس التي راح ضحيتها 275 فلسطينيًا، ورفح التي استشهد خلالها 110 فلسطينيين.
الاحتلال الثاني
كانت خطة احتلال قطاع غزة في حزيران/ يونيو 1967، تقوم على وصول قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى خان يونس، ومنه تستمر في الهجوم والتقدم نحو الشمال بحيث تنجز في يوم واحد بلوغها إلى مدينة غزة. وشملت الخطوة الثانية سيطرة سريعة وخاطفة على دير البلح واحتلال محيط منطقة المنطار. وقد نفذت القوات الإسرائيلية خلال هجومها هذا عدة مجازر، وهدمت كل ما اعترض طريقها.
جددت القوات الإسرائيلية المُهاجمة قصفها على معظم مدن وبلدات القطاع في اليوم التالي للمعارك، أي في السادس من حزيران/ يونيو، بواسطة تكثيف نشاط وتحرك فرق المظليين والمشاة وكتائب المدرعات والمصفحات. ولكن بالرغم من حجم القوات الإسرائيلية الكبير، إلا أنها لم تتمكن في اليوم الثاني للمعارك من احتلال خان يونس جراء المقاومة الباسلة التي أظهرها الفلسطينيون وفرق من الجيش المصري كانت مرابطة هناك (4).
وبعد حصار قوي ومعارك عنيفة وضارية، تمكنت القوات الإسرائيلية من احتلال خان يونس وبقية مناطق القطاع حتى مساء السابع من حزيران/ يونيو.
وحين ضمَّت "إسرائيل" غزة وقطاعها، ظل أهلها يقامون الاحتلال بضراوة. وقد اعترف موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي حينذاك، بأن غزة: "يحكمها الفدائيون في الليل".
الانتفاضة
اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى من غزة في كانون الأول/ ديسمبر 1987، واستمرت في التصاعد حتى وصلت إلى بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ففي الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 1987، دهست شاحنة إسرائيلية سيارة يركبها عمال فلسطينيون من جباليا، مما أودى بحياة أربعة أشخاص وجرح آخرين. وقد اكتفت الإذاعة بإعلان الخبر دون أن تركز عليه لأنه كان عبارة عن حادث يشبه العديد من الحوادث المماثلة.
أُشيع وقتها أن الحادث مفتعل، وأنه كان انتقامًا من قبل والد أحد الإسرائيليين الذي تم طعنه قبل يومين حتى الموت بينما كان يتسوق في غزة.
اعتبر الفلسطينيون أن الحادث قتل متعمد. ولهذا، في اليوم التالي خلال جنازة الضحايا، اندلع احتجاج عفوي قامت الحشود خلاله بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الإسرائيلي بجباليا، فقام جنود جيش الاحتلال بإطلاق النار عليهم. وأمام وابل الحجارة و"كوكتيل المولوتوف"، طلب الجيش الإسرائيلي الدعم.
وقد شكّل ما سبق الشرارة الأولى لانتفاضة الحجارة الباسلة.
حروب إسرائيل على قطاع غزة
منذ انسحابها أحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، والقوات الإسرائيلية تنفذ عمليات عسكرية في القطاع من حين لآخر، إلى جانب شنها للحروب، ومن أبرزها:
- 2008 – 2009 عملية الرصاص المصبوب/ معركة الفرقان. استمر العدوان الإٍسرائيلي 23 يومًا.
- 2012 عامود السحاب/ حجارة السجيل. استمرت 8 أيام.
- 2014 الجرف الصامد/ العصف المأكول. استمرت 51 يومًا
- 2019 معركة صيحة الفجر. استمرت 3 أيام.
- 2021 حارس الأسوار/ سيف القدس. استمرت الحرب 11 يومًا.
- 2022 الفجر الصادق/ وحدة الساحات. استمرت 3 أيام.
- 2023 طوفان الأقصى/ السيوف الحديدية. لا تزال مستمرة.
هوامش
1- مصطفى مراد الدباغ، موسوعة بلادنا فلسطين- الجزء الثاني ص 25، مؤسسة الدراسات الفلسطينية 2018.
2- غزة... البقعة النائية المنسية، رشاد الشوا، مجلة الاديب عدد 2 عام 1955: https://2u.pw/0pD0Ibo
3- احتلال غزّة الأوّل 1956.. مقاومةٌ ومجازر، متراس: https://2u.pw/hJAwWiM
4- احتلال قطاع غزة / 5-7 حزيران 1967، مركز مدار، https://2u.pw/feCwJmJ.